Jamic Bayan
جامع البيان في تفسير القرآن
فأطلع الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته على خيانتهم الله تبارك وتعالى، وخيانتهم عباده، وكتمانهم ذلك، وأخبر أنهم يفعلون ما يفعلون من ذلك على علم منهم بأن الحق غيره، وأن الواجب عليهم من الله جل ثناؤه خلافه فقال: ليكتمون الحق وهم يعلمون أن ليس لهم كتمانه، فيتعمدون معصية الله تبارك وتعالى. كما: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: { وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون } فكتموا محمدا صلى الله عليه وسلم. حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { ليكتمون الحق وهم يعلمون } قال: يكتمون محمدا صلى الله عليه وسلم وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل. حدثنا المثنى قال: ثنا إسحاق بن الحجاج، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: { وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون } يعني القبلة.
[2.147]
يقول الله جل ثناؤه: اعلم يا محمد أن الحق ما أعلمك ربك وأتاك من عنده، لا ما يقول لك اليهود والنصارى. وهذا من الله تعالى ذكره خبر لنبيه عليه الصلاة والسلام عن أن القبلة التي وجهه نحوها هي القبلة الحق التي كان عليها إبراهيم خليل الرحمن، ومن بعده من أنبياء الله عز وجل. يقول تعالى ذكره له: فاعمل بالحق الذي أتاك من ربك يا محمد ولا تكونن من الممترين، يعني بقوله: { فلا تكونن من الممترين } أي فلا تكونن من الشاكين في أن القبلة التي وجهتك نحوها قبلة إبراهيم خليلي عليه السلام وقبلة الأنبياء غيره. كما: حدثني المثنى، قال: حدثني إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: قال الله تعالى ذكره لنبيه عليه الصلاة والسلام: { الحق من ربك فلا تكونن من الممترين } يقول: لا تكن في شك أنها قبلتك وقبلة الأنبياء من قبلك. حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: { فلا تكونن من الممترين } قال: من الشاكين قال: لا تشكن في ذلك. والممتري: مفتعل من المرية، والمرية هي الشك، ومنه قول الأعشى:
تدر على أسؤق الممتري
ين ركضا إذا ما السراب ارجحن
فإن قال لنا قائل: أوكان النبي صلى الله عليه وسلم شاكا في أن الحق من ربه، أو في أن القبلة التي وجهه الله إليها حق من الله تعالى ذكره حتى نهي عن الشك في ذلك فقيل له: { فلا تكونن من الممترين }؟ قيل: ذلك من الكلام الذي تخرجه العرب مخرج الأمر أو النهي للمخاطب به والمراد به غيره، كما قال جل ثناؤه:
يأيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين
[الأحزاب: 1] ثم قال:
واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا
[الأحزاب: 2] فخرج الكلام مخرج الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم والنهي له، والمراد به أصحابه المؤمنون به. وقد بينا نظير ذلك فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته.
Unknown page