Jamic Bayan
جامع البيان في تفسير القرآن
هذا من عند الله
[البقرة: 79]. وقال: قد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم، ثم سماهم أميين لجحودهم كتب الله ورسله. وهذا التأويل تأويل على خلاف ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم، وذلك أن الأمي عند العرب هو الذي لا يكتب. قال أبو جعفر: وأرى أنه قيل للأمي أمي نسبة له بأنه لا يكتب إلى أمه، لأن الكتاب كان في الرجال دون النساء، فنسب من لا يكتب ولا يخط من الرجال إلى أمه في جهله بالكتابة دون أبيه كما ذكرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله:
" إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب "
وكما قال:
هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم
[الجمعة: 2] فإذا كان معنى الأمي في كلام العرب ما وصفنا، فالذي هو أولى بتأويل الآية ما قاله النخعي من أن معنى قوله: { ومنهم أميون }: ومنهم من لا يحسن أن يكتب. القول في تأويل قوله تعالى: { لا يعلمون الكتاب إلا أماني }. يعني بقوله: { لا يعلمون الكتاب } لا يعلمون ما في الكتاب الذي أنزله الله ولا يدرون ما أودعه الله من حدوده وأحكامه وفرائضه كهيئة البهائم، كالذي: حدثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني } إنما هم أمثال البهائم لا يعلمون شيئا.
حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: { لا يعلمون الكتاب } يقول: لا يعلمون الكتاب ولا يدرون ما فيه. حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: { لا يعلمون الكتاب } لا يدرون ما فيه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: { لا يعلمون الكتاب } قال: لا يدرون بما فيه. حدثنا بشر، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: { لا يعلمون الكتاب } لا يعلمون شيئا، لا يقرءون التوراة ليست تستظهر إنما تقرأ هكذا، فإذا لم يكتب أحدهم لم يستطع أن يقرأ. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله: { لا يعلمون الكتاب } قال: لا يعرفون الكتاب الذي أنزله الله. قال أبو جعفر: وإنما عنى بالكتاب: التوراة، ولذلك أدخلت فيه الألف واللام لأنه قصد به كتاب معروف بعينه. ومعناه: ومنهم فريق لا يكتبون ولا يدرون ما في الكتاب الذي عرفتموه الذي هو عندهم وهم ينتحلونه ويدعون الإقرار به من أحكام الله وفرائضه وما فيه من حدوده التي بينها فيه { إلا أماني } فقال بعضهم بما: حدثنا به أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس إلا أماني يقول إلا قولا يقولونه بأفواههم كذبا حدثني محمد بن عمرو قال حدثنا أبو عاصم قال حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد { لا يعلمون الكتاب إلا أماني } إلا كذبا حدثني المثني قال حدثنا أبو حذيفه قال حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله وقال آخرون بما حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد بن زريع قال ثنا سعيد عن قتادة { إلا أماني } يقول يتمنون على الله ما ليس لهم حدثنا الحسن بن يحي قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة الا أماني يقول يتمنون على الله الباطل وما ليس لهم حدثني المثني قال ثنا أبو صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله { لا يعلمون الكتاب إلا أماني } يقول إلا أحاديث. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني } قال: أناس من يهود لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئا، وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله، ويقولون هو من الكتاب، أماني يتمنونها.
حدثنا المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: { إلا أماني } يتمنون على الله ما ليس لهم. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { إلا أماني } قال: تمنوا فقالوا: نحن من أهل الكتاب. وليسوا منهم. وأولى ما روينا في تأويل قوله: { إلا أماني } بالحق وأشبهه بالصواب، الذي قاله ابن عباس، الذي رواه عنه الضحاك، وقول مجاهد: إن الأميين الذين وصفهم الله بما وصفهم به في هذه الآية وأنهم لا يفقهون من الكتاب الذي أنزله الله على موسى شيئا، ولكنهم يتخرصون الكذب ويتقولون الأباطيل كذبا وزورا. والتمني في هذا الموضع، هو تخلق الكذب وتخرصه وافتعاله، يقال منه: تمنيت كذا: إذا افتعلته وتخرصته. ومنه الخبر الذي روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: «ما تغنيت ولا تمنيت». يعني بقوله ما تمنيت: ما تخرصت الباطل ولا اختلقت الكذب والإفك. والذي يدل على صحة ما قلنا في ذلك وأنه أولى بتأويل قوله: { إلا أماني } من غيره من الأقوال، قول الله جل ثناؤه: { وإن هم إلا يظنون } فأخبر عنهم جل ثناؤه أنهم يتمنون ما يتمنون من الأكاذيب ظنا منهم لا يقينا. ولو كان معنى ذلك أنهم يتلونه لم يكونوا ظانين، وكذلك لو كان معناه: يشتهونه لأن الذي يتلوه إذا تدبره علمه، ولا يستحق الذي يتلو كتابا قرأه وإن لم يتدبره بتركه التدبير أن يقال: هو ظان لما يتلو إلا أن يكون شاكا في نفس ما يتلوه لا يدري أحق هو أم باطل. ولم يكن القوم الذين كانوا يتلون التوراة على عصر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من اليهود فيما بلغنا شاكين في التوراة أنها من عند الله. وكذلك المتمني الذي هو في معنى المتشهي غير جائز أن يقال: هو ظان في تمنيه، لأن التمني من المتمني إذا تمنى ما قد وجد عينه، فغير جائز أن يقال: هو شاك فيما هو به عالم لأن العلم والشك معنيان ينفي كل واحد منهما صاحبه لا يجوز اجتماعهما في حيز واحد، والمتمني في حال تمنيه موجود غير جائز أن يقال: هو يظن تمنيه. وإنما قيل: { لا يعلمون الكتاب إلا أماني } والأماني من غير نوع الكتاب، كما قال ربنا جل ثناؤه:
ما لهم به من علم إلا اتباع الظن
[النساء: 157] والظن من العلم بمعزل، وكما قال:
Unknown page