وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضالة الإبل فنهى عن أخذها وأمر بتعريف اللقطة. فهذا فرق بين حكم الضالة وحكم اللقطة؛ ودليل آخر على أن الضالة التي توعد على أخذها بالنهي أنها غير اللقطة التي أمر بتعريفها، وأمره بأن يعرفها أمرا منه بأن يأويها، والضالة اسم خاص للحيوان، والضالة في كلام العرب هو أن، يتجاوز الغرض المقصود إلى غيره فيكون القاصد له إذا أخطأه ضالا عنه، وهذا لا يقع إلا من قاصد يريد شيئا فيصيب غيره، ويحتمل أن يكون المؤدي للضالة المتوعد عليها بما ذكرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، هو الحابس لها بمعنى المنع لها عن ربها، إلا من حبسها لربها ليحفظها له، وهذا تأويل يسوغ. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للقائل عن الضالة: (هي لك أو لأخيك أو للذيب) (¬1) . فهذا الخبر يدل على ذلك التأويل. وأما عمر بن الخطاب فالرواية عنه أنه قال: أصحاب الضوال هم الضالون ما لم يعرفوها، والله أعلم بتأويل هذه الأخبار، وهذه الأخبار التي وردت مختلفة يحتمل أن يكون بعضها ناسخا لبعض، ويحتمل أن يكون لاختلاف أحكام الضوال واختلاف المواضع، وإذ لم يعلم المتقدم منهما من المتأخر، ولا الناسخ منهما من المنسوخ، جاز أن يكون لاختلاف أجناس الضوال ولاختلاف البقاع، لأن التعبد جائز بمثل هذا كله، وسنذكر ما يتوجه التأويل في ذلك في موضعه إن شاء الله.
¬__________
(¬1) رواه أحمد والنسائي وابن ماجه أو "للذئب".
Page 159