الجمع والفرق
أبو محمد عبد الله بن يوسف الجويني
المتوفى سنه ٤٣٨ هـ
تحقيق ودراسة
عبد الرحمن بن سلامة بن عبد الله المزيني
الأستاذ المساعد بقسم الفقه
بكلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم
الجزء الأول
كتاب الفروق
هذا الكتاب عبارة عن رسالة علمية نال صاحبها بموجبها مرتبة الشرف الأولي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
دار الجيل
1 / 1
دار الجيل
للنشر والطباعة والتوزيع
جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الأولي
٢٠٠٤ م - ١٤٢٤ هـ
بيروت: البوشرية - شارع الفردوس - ص. ب: ٨٧٣٧ (١١) - برقيا دار جيلاب
هاتف: ٦٨٩٩٥٠ - ٦٨٦٦٥١ - ٦٨٩٩٥٢/ فاكس: ٦٨٩٩٥٣ (٠٠٩٦١١)
Email: [email protected]
Website: www.daraljil.com
القاهرة: هاتف: ٥٨٦٥٦٥٩/ فاكس: ٥٨٧٠٨٥٢ (٠٠٢٠٢)
تونس: هاتف: ٧١٩٢٢٦٤٤/ فاكس: ٧١٩٢٣٦٣٤ (٠٠٢١٦)
1 / 2
" الباب الأول"
ترجمة للمؤلف - وفيها مباحث
اسمه ونسبه:
هو الإمام أبو محمد عبد الله بن يوسف بن عبد الله من يوسف بن محمد بن حيويه الطائي السنبسي الجويني عربي الأصل حدث عن نفسه فقال: أنا من سنبس قبيلة من العرب.
ميلاده:
لقد بخلت علينا كتب التراجم في ذكر ميلاده أو الإشارة إليه فلم أعثر علي شي من ذلك فيما اطلعت عليه من الكتب.
بلده:
بلده هي جوين: بضم الجيم وفتح الواو وسكون الياء.
وهي: كورة جليلة نزهة علي طريق القوافل من بسطام إلي نيسابور تسميها أهل خراسان "كويان " فعربت فقيل جوين حدودها متصلة بحدود بيهق من جهة القبلة وبحدود جاجرم من جهة الشمال وهي في أول هذه الكورة من جهة الغرب. وهي تشتمل علي (١٨٩) قرية، وجميع قراها متصلة كل واحدة بالأخرى وهي كورة مستطيلة بين جبلين في فضاء رحب، وبينها وبين نيسابور عشرة فراسخ، وسميت جوين بهذا الاسم نسبه إلي أحد أمرائها.
1 / 3
وهي بلدة مشهورة بعلمائها الأجلاء وينسب إليها كثير من الأئمة والعلماء غير أبي محمد منهم:
١) أبو عمران موسي بن عباس بن محمد الجويني، أحد الرحالين، ومن أعيان الرحالة في طلب الحديث، مات بجوين سنه (٣٢٣ هـ).
٢) هارون بن محمد بن موسي الجويني، ويكني أبا موسي، كان فقيهًا، أدبيًا.
٣) قال الحاكم: سمع قبل العشرة والثلاثمائة، وكان إذا ورد نيسابور تهتز مشايخنا لوروده.
٤) يوسف بن عبد الله الجويني، والد أبي محمد، الأديب بجوين.
٥) أبو الحسن علي بن يوسف الجويني المعروف بشيخ الحجاز، وهو أخو أبي محمد، وسيأتي ذكره، مات سنة (٤٦٣ هـ).
٦) إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن أبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني وسأفرد له ترجمة عند الكلام علي تلاميذ المؤلف.
بيئته ونشأته:
نشأ الشيخ أبو محمد في بيت علم وأدب، فكان والده أدبيًا مرموقًا في جوين فقرأ عليه الأدب حتى صار إمامًا فيه.
ومن جانب آخر كان أخوه أبو الحسن علي بن يوسف الجويني المعروف بشيخ الحجاز، كان لطيفًا ظريفاَ فاضلاَ مشتغلاَ بالعلم والحديث، صنف كتاباَ في علوم الصوفية مرتبًا مبوبًا سماه " كتاب السلوه " هذا هو البيت الذي نشأ فيه الشيخ أبو
1 / 4
محمد، ومنه خرج ليكب علي دراسة العلوم الدينية حتى كان له المعرفة التامة بالفقه والأصول والتفسير.
الحالة العلمية فيعصره:
مما لاشك فيه أن الإنسان يتأثر ببيئته وبالجو الذي يحبط به، ولما كانت الحالة العلمية في عصر المؤلف أكثر الحالات تأثيراَ في حياته ومنهجه الفكري كان من الواجب أن نتحدث عن الحركة العلمية في هذا العصر، وقد عاش المؤلف ﵀ في نهاية القرن الرابع وبداية الخامس ويعتبر هذا العصر من أزهي عصور العلم والثقافة وأكثر العصور إنتاجاَ للعلم والعلماء، ففي هذا العصر نبع كثير من العلماء في شتي الفنون وأثروا المكتبات في مختلف العلوم والفنون، وكان خلف هذه النهضة العلمية أسباب نذكر منها:
أولًا: تشجيع الخلفاء والأمراء للعلماء:
لقد برز في هذه الفترة من الخلفاء من يحب العلم وأهله، فالقادر بالله كان من سادات العلماء، تفقه وصنف ومن مصنفاتهم كتاب الأصول، فيه فضل الصحابة ﵃ وتكفير المعتزلة فكان يقرأ في كل جمعة ويحضره الناس. وكذلك القائم بأمر الله كان عالمًا له عناية بالأدب ومعرفة حسنة بالكتابة. "وكان عضد الدولة يحب العلم والعلماء ويجري الرسوم للفقهاء والأدباء والقراء فرغب الناس في العلم وكان يتشاغل بالعلم ويؤثر مجالسة الأدباء علي منادمة الأمراء". فزهت بغداد في عصر هؤلاء وأصبحت منتجعًا للعلماء والأدباء.
1 / 5
وكان الوزير ابن عباد وزير مؤيد الدولة من العلم والفضيلة والإحسان إلي العلماء والفقراء علي جانب عظيم فكان يبعث في كل سنة إلي بغداد بخمسة آلاف دينار لتصرف علي أهل العلم.
فهؤلاء عرفوا قيمة العلم والعلماء فشجعوا العلماء وشاركوهم نشاطاتهم العلمية فكان ذلك سبب ازدهار العلم ونبوغ العلماء.
ثانيًا: انتشار المدارس:
لقد أنشئت في هذا العصر المدارس في العراق ونيسابور وغيرها لتقوم بنشر التعليم وإحياء العلوم، ومن أهم هذه المدارس:
١) مدرسة ابن فورك المتوفي سنة (٤٠٦ هـ) بناها في نيسابور فأحيا الله به أنواعًا من العلوم.
٢) مدرسة أبي بكر البستي المتوفي سنة (٤٢٩ هـ) بناها لأهل العلم علي باب داره ووقف عليها جملة من ماله.
٣) أنشأ الوزير نظام الملك المدارس في بغداد ونيسابور وغيرها.
ثالثًا: دور الكتب:
انتشرت في هذا العصر دور الكتب فكانت منتجع العلماء والباحثين ومن أشهرها:
١) دار الكتب في خراسان الذي أنشأها الأمير نوح الساماني صاحب خراسان، وكانت عديمة المثل فيها من كل فن ثم احترقت بعد ذلك.
1 / 6
٢) دار العلم في بغداد أنشأها سابور بن أزد شير وزير بهاء الدولة وحمل إليها كتب العلم من كل فن وسماها دار العلم وكان فيها أكثر من عشرة آلاف مجلد وبقيت سبعين سنة إلي أن احترقت سنة (٤٥٠ هـ).
٣) دار العلم ودار الحكمة أنشأها جلال الملك بن عمار في طرابلس وجهزها بمائة ألف مجلد فنشرت العلوم والآداب.
رحلاته وطلبه العلم:
أدرك الشيخ أبو محمد أن العلم ليس له موطن فعزم علي الرحيل لطلب العلم فكان مقصده أولًا إلي نيسابور، واجتهد في التفقه علي أبي الطيب الصعلوكي ثم ارتحل إلي مرو قاصدًا القفال المروزي فاشتغل عليه بمرو ولازمه واستفاد منه وانتفع به وأتقن عليه المذهب والخلاف وقرأ طريقته وأحكمها، فلما تخرج عاد إلي نيسابور سنه (٤٠٧ هـ) وقعد للتدريس والفتوى، ومجلس المناظرة.
ثم خرج إلي الحج مع أبي القاسم القشيري والشيخ أحمد البيهقي فسمع معهم الحديث ببغداد، والحجاز، من مشايخ عصره.
صفاته ومنزلته:
كان أبو محمد الجويني علي درجة رفيعة من الأخلاق والصفات الحميدة جعلت له مكانة عالية ومنزلة كبيرة بين العلماء حتى لقب بركن الإسلام.
1 / 7
وكان لفرط الديانة مهيبًا، لا يجري بين يديه إلا الجد والكلام، أما في علم أو زهد وتحريض علي التحصيل.
وكان حريصًا علي طلب العلم شغوفًا به حتى أنه كان يدعو في دعاء القنوت بقوله: اللهم لا تعقنا عن العلم بعائق ولا تمنعنا عنه بمانع.
فاستجاب الله لدعائه حتى صار إمام عصره وأوحد زمانه علمًا، وكان ﵀ يقعد للتدريس والفتوى وتعليم الخاص والعام وكان ماهرًا في إلقاء الدروس.
أما زهده وروعه فقد بلغ في ذلك درجة رفيعة.
قال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني: لو كان الشيخ أبو محمد في بني إسرائيل لنقل إلينا شمائله ولا فتخروا به ومن ورعه أنه ما كان يستند في داره المملوكة له إلي الجدار المشترك بينه وبين جيرانه، ولا يدق فيه وتدًا، وأنه كان يحتاط في أداء الزكاة، حتي كان يؤدي في سنة واحده مرتين، حذرًا من نسيان النية أو دفعها إلي غير المستحق.
ومن ورعه أيضًا أنه كان حريصًا علي أن يكتسب من عمل يده، وأن لا يأكل ولا يطعم أهله وأولاده ما لا فيه شبهة.
وقد ذكر عنه أنه كان في ابتداء أمره يعمل ناسخًا بالأجرة حتى اجتمع له شي فاشترى جارية صالحة ووطئها فلما وضعت إمام الحرمين وأوصاها أن لا ترضعه من غيرها فأرضعته يومًا مرضعة لجيرانهم، فلما علم بذلك أنكر ذلك، واجتهد في تقييئه حتى تقيأها وقال: هذه الجارية ليست ملكًا لنا، وليس لها أن تتصرف في لبنها، وأصحابها لم يأذنوا في ذلك، فانظر إلي هذا الشخص العجيب الذي يحاسب نفسه علي الصغيرة قبل الكبيرة.
1 / 8
مشايخه:
لقد استقى الشيخ أبو محمد العلم من فحول العلماء الذين كان لهم مكانة علمية كبيرة في عصره، ولا شك أن لدراسة شيوخه الذين أخذ منهم العلم أهمية بالغة حيث إنها تظهر لنا الينابيع التي أخذ منها وأثرت في تكوين شخصيته العلمية، ولم يقتصر الشيخ أبو محمد علي فن دون فن بل كان يأخذ من علماء الأدب واللغة كما يأخذ من علماء الحديث والفقه والتفسير.
وإليك أشهر مشايخه الذين أخذ عنهم:
أولًا: مشايخه في الأدب:
والده أبو يعقوب يوسف بن عبد الله الجويني، كان أدبيا مرموقاَ بجوين، قرأ عليه الشيخ أبو محمد الأدب. ولم أعثر علي ترجمة وافية لوالد الشيخ أبي محمد رغم البحث والاستقصاء في كتب الأدب والتراجم.
ثانياَ: مشايخه في الحديث:
١) أبو بكر القفال سمع منه الشيخ أبو محمد وعليه تفقه وسأترجم له عند الكلام علي مشايخه في الفقه
٢) الشيخ العالم مسند خراسان، أبو نعيم، عبد الملك بن الحسن بن محمد بن إسحق بن الأزهر الأزهري الاسفرايني. حدث عن خال أبيه أبي عوانة بكتابه " المسند الصحيح" سمعه بقراءة والده الحافظ. كان أبو نعيم رجلاَ صالحًا ثقة، حضر إلي نيسابور في آخر عمره.
٣) أبو بكر أحمد بن محمد بن عبدوس النسوي، محدث مرو، حدث عن علي ابن أبي العقب، وبكير بن الحسن الحداد وطائفة.
1 / 9
حدث عنه الشيخ أبو محمد، والحسن بن القاسم المروزي، ومحمد بن الحسن الفقيه المروزي. مات بعد الأربعمائة.
٤) الشيخ العالم المسند، أبو عبد الله، محمد بن الفضل بن نظيف المصري الفراء، مسند الديار المصرية، ولد سنة (٣٤١ هـ) في صفر.
وسمع من أبي الفوارس أحمد بن محمد السندي الصابوني، والعباس بن محمد ابن نصر الرافقي، وأحمد بن الحسن بن إسحاق بن عتبه الرازي وغيرهم.
وحدث عنه: أبو جعفر أحمد بن محمد كاكو، وأبو القاسم سعد بن علي الزنجاني، وأبو بكر البيهقي وأبو القاسم القشيري وآخرون.
قال في منتخب السياق: وسمع منه الشيخ أبو محمد بمكة. ومات ابن نظيف سنة (٤٣١ هـ) وعمره (٩٠) سنة وشهرين.
٥) أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش بن علي بن داود، الزيادي، كان إمام المحدثين والفقهاء بنيسابور في زمانه، وإمامًا في العربية والأدب. ولد سنة (٣١٧ هـ).
روي الحديث عن أبي بكر القطان، وأبي عبيد الله الصفار وأبي حامد بن بلال وغيرهم.
وروي عنه أبو القاسم بن عليك، والحاكم أبو عبد الله وأبو بكر البيهقي وغيرهم. وسمع منه الشيخ أبو محمدـ، مات سنة (٤٠٠ هـ) وقيل سنة (٤١٠ هـ).
٦) الشيخ العالم المعدل، المسند، أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن
1 / 10
بشران، الأموي البغدادي، ولد سنة (٣٢٨ هـ)، كان تام المرؤة، ظاهر الديانة، صدوقًا ثابتًا.
سمع من أبي جعفر بن البختري، وعلي بن محمد المصري، وإسماعيل الصفار، وغيرهم. وحدث عنه: البيهقي والحسن بن البناء وأبو الفضل عبد الله بن زكري الدقاق وغيرهم. وسمع منه الشيخ أبو محمد. مات سنة (٤١٥ هـ).
٧) عدنان بن محمد الضبي.
ثالثًا: شيوخه في الفقه:
١) أبو يعقوب، يوسف بن محمد الأبيوردي، أحد الأئمة ومن صدور أهل خراسان، علمًا وتوقد ذكاء. من تلامذة الشيخ أبي طاهر الزيادي/ ومن أقران القفال.
ومن تصانيفه كتاب: "المسائل في الفقه" تفزع إليه الفقهاء وتنافس فيه العلماء. قال السبكي: (توفي في حدود الأربعمائة إن لم يكن بعدها فقبلها بقليل).
وهو أول من تفقه عليه الشيخ أبو محمد بجوين.
٢) أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان بن محمد بن سليمان الصعلوكي الحنفي: من بني حنيفة، مفتي نيسابور، وابن مفتيها، كان فقيهًا أدبيًا، جمع رئاسة الدين والدنيا، تفقه على والده، وسمع من أبي العباس الأصم، وأبي على الرفاء وغيرهم، وحدث عنه الحاكم وهو أكبر منه، وأبو بكر البيهقي وآخرون.
درس واجتمع إليه الخلق في اليوم الخامس من وفاة أبيه سنة (٣٦٩ هـ) وتخرج به جماعات من الفقهاء بنيسابور وسائر مدن خراسان وتصدى للفتوى والقضاء والتدريس، مات سنة (٤٠٤ هـ) وقيل غير ذلك.
1 / 11
٣) عبد الله بن أحمد بن عبد الله المروزي، أبو بكر المعروف بالقفال شيخ الخراسانيين، كان من أعظم محاسن خراسان، إمامًا كبيرًا وبحرًا عميقًا، عظيم المحل، كبير الشأن، كان في ابتداء أمره يعمل الأقفال، وبرع في صناعتها، فلما أتى عليه ثلاثون سنة اشتغل بالفقه حتى صار وحيد زمانه فقهًا، وحفظًا، تفقه على الشيخ أبي زيد المروزي، سمع منه، ومن الخليل بن أحمد القاضي، وجماعة، وحدث وأملي. ويعتبر القفال المروزي شيخ طريقة خراسان وحامل لوائها وإليه المرجع وعليه المعول، وله من التصانيف شرح "التلخيص" و"الفروع" وله فتاوى معروفة باسمه.
تلاميذه:
كان للمكانة العلمية التي احتلها الشيخ أبو محمد والصفات الحميدة التي اتصف بها أثر كبير في التفاف طلبة العلم حول حلقاته، ولقد أنجبت حلقاته علماء أجلاء نذكر منهم:
١) ابنة إمام الحرمين: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني، إمام الأئمة في زمانه، وأعجوبة عصره، ولد سنة (٤١٩ هـ) وقرأ الفقه على والده، والأصول على أبي القاسم الإسكاف. وسمع الحديث من والده ومن أبي حسان محمد المزكي، وأبي سعد عبد الرحمن بن حمدان النضروي وغيرهم. توفي والده وله نحو عشرين سنة، فأقعده الأئمة في مكانه للتدريس، مات (٤٧٨ هـ) وله من العمر تسع وخمسون سنة، وكان له أربعة تلميذ. وله من التصانيف "النهاية" في الفقه، لم يصنف في المذهب مثله، و"والشامل" في أصول الدين، و"البرهان" في أصول الفقه وقد طبع، و"الإرشاد" في أصول الدين و"التلخيص" مختصر "التقريب والإرشاد في أصول الفقه" و"الورقات" في أصول الفقه وقد طبع، و"غيات الأمم"، وقد طبع.
1 / 12
٢) محمد بن القاسم بن حبيب بن عبدوس، أبو بكر يعرف بالصفار وهو جد الفقهاء المعروفين في نيسابور بالصفارين، كان إمامًا، فاضلًا، دينًا، خيرًا، محمود الطريقة مكثرًا من الحديث والإملاء استخلفه أبو محمد الجويني في حلقته لما حج، مات سنة (٤٦٨ هـ).
٣) عبد الله بن علي بن محمد بن علي، أبو القاسم البحاثي القاضي من عيون الفقهاء، وأرباب الفتوى، حافظ للمذهب، ومن بيت العلم والحديث بناحية زوزن.
٤) القاضي أبو منصور، محمد بن شادان الطوسي، كان إمامًا في الأصول والفقه، تولى قضاء ميافارقين وأخذ عنه جماعة منهم، الشاشي صاحب "الحلية".
٥) عبد الكريم بن يونس بن محمد بن منصور، أبو الفضل الأزجاهي، نسبة إلى "أزجاه" إحدى قرى خابران، من خراسان، إمام فاضل ورع متقن، حافظ لمذهب الشافعي، متصرف فيه، وسمع الحديث وأملى. مات سنة (٤٨٦ هـ).
٦) إسماعيل بن أحمد النوقاني "وفي السبكي النوكاني" الطريثيثي له شرح "عيون المسائل" للفارسي، علقة عن الشيخ أبن محمد الجويني بنيسابور في مجلدة واحدة.
٧) علي بن الحسن بن علي بن أبي الطيب، أبو الحسن الباخرزي، وباخرز:
1 / 13
ناحية من نواحي نيسابور. كان رأسًا في الكتابة والإنشاء والشعر والفضل والحائز القصب في نظمه ونثره، وكان في شبابه مشتغلًا بالفقه، ثم شرع في فن الكتابة فغلب أدبه على فقه فاشتهر بالأدب. وعمل الشعر وصنف كتاب "دمية القصر وعصرة أهل العصر" وهو ذيل على كتاب "يتيمة الدهر" للثعالبي، وتنقلت به الأحوال إلى أن قتل سنة (٤٦٧ هـ).
٨) علي بن محمد بن إسماعيل العراقي، أبو الحسن، طلب الفقه وسمع الحديث بأماكن كثيرة، وأملي مدة طويلة، وتولى القضاء بطوس ومات بها سنة (٤٩٨ هـ) عن أربع وثمانين سنة.
٩) ناصر بن أحمد بن محمد بن العباس، أبو نصر الطوسي، كان فقيهًا، فاضلًا، أدبيًا، جمع الكثير من العلوم، سمع وحدث مات سنة (٤٦٨ هـ).
١٠) يحيي بن علي بن محمد الحمدوني الكشميهني، أبو القاسم كان فقيهًا، مدرسًا، وروعًا متقنًا، سمع الحديث من خلائق، كثيرين، في أقاليم متعددة، وحدث، وأملي بمرو عدة مجالس مات سنة (٤٩٩ هـ)، وكان مولده سنة (٣٩٨ هـ).
١١) محمد بن محمد بن جعفر، الإمام، أبو سعيد الناصحي، والنيسابوري، أحد أعلام الأئمة علمًا، وروعًا، سمع الحديث من أبي طاهر الزيادي، وعبد الله ابن يوسف بن ماموية. وكان زاهدًا وروعًا. مات كهلًا، سنة (٤٥٥ هـ).
١٢) حمد بن محمد بن العباس بن محمد بن موسى، يتصل نسبة بالزبير بن
1 / 14
العوام، أبو عبد الله الزبيري، سمع الحديث الكثير، وسافر في طلبه إلى خراسان، ولقي الأئمة وناظرهم وولي قضاء طبرستان، واسترباذ، وروى عنه أبو القاسم السمرقندي وغيره، مات سنة (٤٧٤ هـ).
١٣) سهل بن إبراهيم المسجدي.
١٤) علي بن أحمد المديني.
مؤلفاته:
يعتبر الشيخ أبو محمد الجويني من المقلين في التأليف، بالرغم من العزارة العلمية التي يتمته بها في الفقه والتفسير واللغة والأدب، وقد قال بعض الخراسانيين (الأئمة بخراسان ثلاثة مكثر محقق، ومقل محقق، ومكثر غير محقق، فأما المكثر المحقق فالشيخ أبو علي السنجي، وأما المقل المحقق فالشيخ أبو محمد الجويني، والمكثر غير المحقق فالفقيه ناصر العمري المروزي).
وإليك ما عثرت عليه من مؤلفاته:
١) "الجمع والفرق" وهو موضوع البحث.
٢) "التفسير الكبير" ويشتمل هذا التفسير على عشرة أنواع من العلوم في كل آية.
٣) "السلسلة" ذكره المؤلف ﵀ في هذا الكتاب، وسماه المؤلف بذلك الاسم لأنه يبني فيه مسألة على مسألة ثم يبني المبني عليها على أخرى ويكرر ذلك في بعض المسائل، وقد نقل الرافعي عنه موضعًا مما طال فيه البناء فلما أكمله
1 / 15
تلطف معه في القول فقال وهذه سلسلة طولها الشيخ. وقد اختصره شمس الدين بن القماح المتوفي سنة (٧٤١ هـ) والكتاب مخطوط له نسخة في مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة برقم (١٨٦ ف) ونسخة بمكتبة طوبقبوسراي بتركيا رقم (٤٢٨٧).
٤) "التبصرة" وقد ذكره النووي وقال: "أعلم أن للشيخ أبي محمد الجويني ﵀ كتاب "التبصرة في الوسوسة" وهو كتاب نافع كثير النفائس وسأنقل منه مقاصد إن شاء الله" وهو مجلد لطيف غالبه في العبادات وفي تسهيل أمور قد يحصل منها الوسوسة، والكتاب مخطوط الأصل في مكتبة عارف حكمت بالمدينة رقم (٤٥) فقه شافعي، ولدي منه نسخة.
٥) "التذكرة" وهو مصنف في الفقه.
٦) "شرح الرسالة" والكتاب شرح لرسالة الشافعي في أصول الفقه.
٧) "مختصر المختصر" وهو تلخيص لمختصر المزني، وسماه صاحب هداية العارفين (المعتصر في مختصر المختصر)، تولاه العلماء بالشرح والتعليق، وممن شرحه عثمان بن محمد بن أحمد، أبو عمرو المصعبي المتوفي في حدود (٥٥٠ هـ) شرحه في مجلدين وقال في خطبته: "أنه نازل عن حد التطويل مترق عن درجة الاختصار والتقليل وسميته شرح مختصر الجويني لأني جريت على ترتيب مختصر الشيخ أبي محمد فصلًا فصلًا وزدت ما لم يستغن الفقيه عن معرفته فمن تأمله عرف صرف همتي إليه، وبذل جهدي فيه".
1 / 16
وممن صنف عليه أيضًا عوض بن أحمد، أبو خلف الشرواني ويقال: الشيرازي، صنف جزءًا ضخمًا على المختصر وسماه "المعتبر في تعليل مسائل المختصر" ذكر في آخره أنه فرغ في تصنيفه في ربيع الآخر سنة (٥٤٤ هـ).
٨) "تقرير المختصر" وقد ذكره المؤلف ﵀ في هذا الكتاب.
٩) "الوجيز" وهو مصنف في العبادات ذكره النووي ونقل عنه.
١٠) "مختصر" في موقف الإمام والمأموم.
١١) "شرح عيون المسائل" وقد اشتبه في نسبة هذا الكتاب للمؤلف ذكر ذلك السبكي وقال: (ووقفت على "شرح كتاب" عيون المسائل" التي صنفها أبو بكر الفارسي، ذكر كاتبه، وهو إسماعيل بن أحمد النوكاني الطريثيثي، أنه علقه عن الشيخ أبي محمد الجويني، لكني رأيت الروياني ينقل في "البحر" أشياء جمة عن "شرح عيون المسائل" للقفال، أخذها بألفاظها في هذا الشرح وربما أتت على سطور كثيرة، كما قال في "البحر" في انعقاد النكاح بالمكاتبة، أن القفال قال في "شرح عيون المسائل" فذكر اسطرًا كثيرة، هي بعبارتها موجودة في هذا الشرج ومثل هذا كثير، فتحيرت، لأن وجدان هذا الأصل بخط المعلق نفسه يعين أنه كلام الشيخ أبي محمد، ونقل الروياني يقتضي أنه كلام القفال، ولعل الشيخ أبا محمد أملاه عن شيخه القفال ليجتمع هذان الأمران وإلا فكيف السبيل إلى الجمع؟).
وعلى هذا يكون الكتاب للقفال وليس للجويني.
١٢) "المحيط": كان الشيخ أبو محمد قد شرع تأليف هذا الكتاب وعزم على عدم التقيد بالمذهب وأنه يقف على موارد الأحاديث ولا يعدوها ويتجنب جانب العصبية للمذاهب فوقع إلى الحافظ أبي بكر البهيقي منه ثلاثة أجزاء، فانتقد عليه أوهامًا حديثية، وبين أن رغبته عن هذه الأحاديث التي أوردها الشيخ أبو محمد إنما
1 / 17
هي لعلل فيها، يعرفها من يتقن صناعة المحدثين. كما يحثه على نقل كلام الشافعي باللفظ، وقد ضمن البيهقي الرسالة مواضع من كتاب "المحيط" انتقدها. فلما وصلت الرسالة إلى الشيخ أبي محمد قال: هذا بركة العلم، ودعا للبيهقي، وترك إتمام التصنيف فرضي الله عنهما، لم يكن قصدهما غير الحق والنصيحة للمسلمين.
وقد أورد النووي ﵀ نقلًا عن هذا الكتاب في كتابه "المجموع"، وكذلك الأسنوي في "التمهيد" في تخريج الفروع على الأصول.
مرضه ووفاته:
مرض الشيخ أبو محمد الجويني سبعة عشر يومًا، ثم أدركته المنية فتوفي بنيسابور - وهو في حد الكهولة - في ذي القعدة سنة (٤٣٨ هـ) وقيل سنة (٤٣٤ هـ)، والأول هو الأشهر، واحترقت قلوب أهل السنة عليه.
قال الشيخ أبو صالح المؤذن: مرضي الشيخ أبو محمد الجويني سبعة عشر يومًا، وأوصاني أن أتولى غسله وتجهيزه، فلما توفي غسلته، فلما لففته في الكفن رأيت يده اليمنى إلى الإبط زهراء منيرة من غير سوء، وهي تتلألأ تلألؤ القمر، فتحيرت وقلت في نفسي هذه بركات فتاويه.
قال السبكي: ومن شعره يرثي بعض أصدقائه، ولم أسمع له غيرهما رحمه الله تعالى:
رأيت العلم بكاء حزينًا ونادى الفضل وأحزنًا وبوسى
سألتهما بذاك فقيل أودى أبو سهل محمد بن موسى
1 / 18
"الباب الثاني"
في دراسة الكتاب - وفيه مباحث
تعريف علم الفروق:
الفرق لغة ضد الجمع. يقال: فرقت بين الشيء فرقًا: فصلت أبعاضه، وفرقت بين الحق والباطل: فصلت أيضًا.
وفرق بعضهم بين فرق بالتخفيف وفرق بالتشديد قال الفيومي: قال ابن الأعرابي: فرقت بين الكلامين فافترقا مخفف، وفرقت بين العبدين، فتفرقا مثقل، فجعل المخفف في المعاني والمثقل في الأعيان، والذي حكاه غيره أنهما بمعنى التثقيل مبالغة.
واصطلاحًا: هو الفن الذي يبحث في المسائل المشتبه صورة، المختلفة حكمًا ودليلًا وعلة.
نشأة علم الفروق:
نشأت الفروق مع نشأة كل علم أو فن، والفقه الإسلامي علم مثل بقية العلوم لوحظت الفروق في وضع أحكامه منذ نشأته لأنه العلم الذي يمكن التمييز به بين الفروع المتشابهة تصويرًا المختلفة حكمًا لمدرك خاص يقتضي ذلك التفريق. وفي قول عمر ﵁ لأبي موسى الأشعري: "أعرف الأمثال والأشباه ثم قس الأمور عندك فاعمد إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق" إشارة إلى أن من النظائر ما يخالف نظائره في الحكم لمدرك خاص به واختلاف الأئمة المجتهدين في كثير من
1 / 19
المسائل أساس ملاحظة الفروق الدقيقة والمعاني المؤثرة التي أدت إلى الحكم الذي وصل إليه المجتهد.
أهم المؤلفات في علم الفروق:
كانت الفروق الفقهية في بادئ الأمر تذكر في ثنايا كتب الفروع وقد يطلق وعلى بعض مؤلفات الفروع اسم الفروق كما كتاب (الفروق في فروع الشافعية) لأبي محمد بن علي الحكيم الترمذي، وكتاب (الفروق) لأبي العباس أحمد بن عمر بن سريج وهو يشتمل على أجوبة عن أسئلة متعلقة بمختصر المزني. وللأسنوي "كافي المحتاج إلى شرح المنهاج" أطلق عليه اسم الفروق.
هكذا كانت الفروق في بادئ الأمر ثم بعد ذلك نشطت حركة التأليف في هذا الفن وأخذ الفقهاء يفردونه بالتأليف ويولونه عناية خاصة والبعض منهم يجعل قسمًا مستقلًا في كتابه خاصًا في الفروق. وسأذكر هنا أشهر الكتب التي ألفت في هذا الفن والتي استفدت من معظمها في التوثيق وقد رتبتها حسب ترتيب المذاهب الفقهية.
أولًا: المذهب الحنفي:
١) الفروق لأبي الفضل محمد بن صالح بن محمد الكرابيسي السمرقندي (ت ٣٢٢ هـ) مخطوط بدار الكتب المصرية (رقم ١٩٢٣). فقه حنفي، ومصور في مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة برقم (٤٢) فقه عام.
٢) الفروق لجمال الدين أبي المظفر أسعد بن محمد الحسين الكرابيسي
1 / 20