Al-jamʿ bayna al-Ṣaḥīḥayn al-Bukhārī wa-Muslim
الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم
Editor
د. علي حسين البواب
Publisher
دار ابن حزم
Edition
الثانية
Publication Year
١٤٢٣هـ - ٢٠٠٢م
Publisher Location
لبنان/ بيروت
الْحجر: ٩] وَقَالَ تَعَالَى فِي وصف نبيه ﷺ: ﴿وَمَا ينْطق عَن الْهوى إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى﴾ [سُورَة النَّجْم: ٣ - ٤] فأمننا بذلك من وُقُوع التبديل فِي التَّبْلِيغ، وَزَاد ذَلِك توكيدًا بقوله: ﴿وَإنَّك لتهدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم صِرَاط الله﴾ [سُورَة الشورى: ٥٢، ٥٣]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْض إِنَّه لحق مثل مَا أَنكُمْ تنطقون﴾ [سُورَة الذاريات ٢٣] وَسَائِر النُّصُوص فِي هَذَا الْمَعْنى، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿اتبعُوا مَا أنزل إِلَيْكُم من ربكُم﴾ [سُورَة الْأَعْرَاف: ٣]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وأنزلنا إِلَيْك الذّكر لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم﴾ [سُورَة النَّحْل: ٤٤]، وَقَالَ تَعَالَى فِي مثله: ﴿وَمَا أنزلنَا عَلَيْك الْكتاب إِلَّا لتبين لَهُم الَّذِي اخْتلفُوا فِيهِ﴾ [سُورَة النَّحْل: ٦٤] .
فامتثل ﵇ مَا أَمر بِهِ، وَبلغ إِلَيْهِم مَا أوحى إِلَيْهِ، وَبَين لكل مِنْهُم مَا أشكل عَلَيْهِ، ثمَّ امتن تَعَالَى على الْمُؤمنِينَ بِهِ حِين عرف أَدَاء رَسُوله إِلَيْهِم مَا أوجبه عَلَيْهِم، فَقَالَ ﷿: ﴿الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا﴾ [سُورَة الْمَائِدَة: ٣] .
ثمَّ قرر ﷺ الْحَاضِرين لَدَيْهِ على تبليغه إِلَيْهِم مَا أُوحِي إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُم فِي مشَاهد الْعُمُوم: " أَلا هَل بلغت " فَقَالُوا: اللَّهُمَّ نعم. فَلَمَّا أقرُّوا بذلك أَمرهم بالتبليغ عَنهُ، فَقَالَ: " ليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب " تَنْبِيها على أَنه لَا تقوم الْحجَّة إِلَّا بالبلاغ، وَلذَلِك أَمر أَن يَقُول: ﴿لأنذركم بِهِ وَمن بلغ (١٩)﴾ [سُورَة الْأَنْعَام]، فَتعين عَلَيْهِم النَّقْل والتبيلغ، والتزموه، وَتعين على من بعدهمْ السّمع وَالطَّاعَة للصحيح الَّذِي نقلوه.
وَلم يزل الصَّحَابَة والتابعون وأئمة الْأَعْصَار المقدمون دائبين فِي نشر مَا علمُوا من شرائع الْإِسْلَام، وَتَعْلِيم مَا علمُوا من وَاجِبَات الْعِبَادَات وَالْأَحْكَام، حرصًا على إِيصَال ذَلِك إِلَى الْغَائِب وَالشَّاهِد، وتسوية فِيمَا بَين الْقَرِيب والمتباعد، وَهَكَذَا جيلًا بعد جيل.
وَلما امْتَدَّ الزَّمَان، وَخيف اخْتِلَاط الصَّحِيح بالسقيم، واشتباه المرتاب بالسليم
1 / 72