Jamal Din Afghani
جمال الدين الأفغاني: المئوية الأولى ١٨٩٧–١٩٩٧
Genres
للتأكيد على الوحدة الإسلامية كقانون للتاريخ. الوحدة سبب النهضة والتفكك سبب السقوط. ويتذكر وحدة الأمة الماضية من المغرب الأقصى غربا إلى الصين شرقا، ومن قازان شمالا إلى سرنديب جنوبا، أراض وثروات وعمران، وظهور حكماء الشرق، الرازي والفارابي وابن سينا، وحكماء الغرب ابن ماجه وابن طفيل وابن رشد. وتفوقوا في العلوم العقلية والشرعية. وكان الخليفة العباسي موضع رهبة من كل الملوك في الشرق والغرب. وكذلك كان باقي حكام المسلمين مثل محمود الغزنوي، وملكشاه السلجوقي، وصلاح الدين الأيوبي، «تيمورلنك» ومحمد الفاتح، والسلطان سليم، وسليمان القانوني. كانت أساطيل المسلمين في البحر الأبيض والمحيط الهندي، تحمي الديار الموروثة عن الآباء. والقرآن يعطي العقائد الصحيحة، ويطرد الأوهام، ويحث على الكمال الإنساني. ويتحقق الوعد والاستقلال ووراثة الأرض. وقد تم ذلك بفضل وحدة الأمة والإخاء، والافتخار بالتمسك بأصول الدين ورابطة الأخوة والتواصل بين التركي والهندي والأفغاني والحجازي.
ثم انهار البنيان، وتفككت الأمة، واستعمرتها القوى الأجنبية وتأخرت في المنافع والصنائع؛ فلا جنسية للمسلمين إلا في دينهم. تفرق الأمراء فتسلط عليهم الأعداء. ساد الهوى، واكتفوا بمظاهر الإمارة، ووالوا الأجنبي فضاع الأندلس، وانتهت السلطة التيمورية في الهند، وظهر الحرص على الدنيا، وضاعت وحدة الكلمة. ولو اتبع المسلمون عقائدهم ورعاية العلماء لتوحدت الكلمة. ويقترح الأفغاني طرقا ثلاثا: الأول إثارة الأذهان وتنبيه الغافلين لمعرفة ما يكون به الدفاع، والثاني اتفاق الآراء على القيام بذلك وتوحيد الكلمة، أي القرار الجماعي، والثالث الارتباط القلبي بين الإخوة لبناء الأقطار. وقد توحد الروس وكانوا متأخرين عن أوروبا بهذه الطرق الثلاث حتى ارتقت في الفن العسكري، ولكن الأمراء المترفين تقاعسوا، وركنوا إلى الدنيا، يحرصون على الألقاب والمظاهر في المواسم والأعياد، والانحناءات كرد التحيات والتوقيعات على الأوراق الرسمية بأسماء لا مسميات لها، والنياشين على الصدور. فلا سبيل للخروج من هذا التفكك والانهيار إلا بالوحدة
إنما المؤمنون إخوة . من الصعب توحيد الأمراء في شخص واحد، بل توحيدهم تحت سلطان القرآن ووجهة الدين. لا يكفي الحزن بل العمل لتجاوز اليأس والضعف
وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ، والابتعاد عمن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل لهم اقعدوا مع القاعدين، أو من الذين
رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون . القرآن حي لا يموت ولم ينسخ بوحي آخر
وما الله بغافل عما تعملون . وللعلماء العاملين اليد الطولى في هذا العمل الشريف.
4
وبالفعل، دبت الحياة في الممالك الشرقية فهبت من رقدتها، فتوحد الفرس مع الأفغان بالاتفاق على أصل واحد، ورابطة واحدة، الدين الإسلامي ونشر ذلك الاتفاق على إخوانهم في الهند. ولا اختلاف بينهم في المذهب يدعو إلى الفرقة. والجزء لا يضحي بالكل، والفرع لا يقضي على الأصل، الوحدة الدينية إذن أساس الوحدة السياسية والحضارية لمقاومة العادين والطامعين. وقد تم استيلاء الإنجليز على بلاد الهند لخلافهم مع الأفغان، وكل مسلم في الهند، في بنجاب، شاخص ببصره إلى هذه الوحدة بين الفرس والأفغان. فالاتحاد أفضل وسيلة لدرء العدوان. واتفاق سلطنة الشاه مع إمارة الأفغان، قوة إسلامية جديدة في الشرق، نواة الاتحاد بلاد الشرق. وفي وسطها الخلافة العظمى لاستعادة عز الأمة وسيرة الإسلام الأولى، فتخشاه أوروبا.
ويعبر الأفغاني عن أهمية الوحدة الدينية بأقواله المأثورة ؛ مثل: شر دواء الشرقيين اختلافهم على الاتحاد، واتحادهم على الاختلاف. فقد اتفقوا على ألا يتفقوا، عدم التشاكل من أعقد المشاكل، أي إدراك العالم بعين الاختلاف وليس بعين التشابه، لا يتم عمل والتآلف مفقود، بالضبط والتضييق تلتحم الأجزاء المبعثرة، وهذا الضبط هو الترابط الديني. الشرق، الشرق، داؤه انقسام أهليه، وتشتت آرائهم، واختلافهم على الاتحاد، واتحادهم على الاختلاف، اتفاقهم على عدم الاتفاق، واختلافهم على الاتفاق. لقد تفرقت كلمة الشرقيين عموما، والمسلمين خصوصا، وقد كان اتهام الغرب الشرقيين بالتعصب من أجل تفكيكهم وابتلاعهم وفرض المسيحية عليهم باسم الحرية.
5
Unknown page