296

Al-Jalīs al-ṣāliḥ al-kāfī waʾl-anīs al-nāṣiḥ al-shāfī

الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي

Editor

عبد الكريم سامي الجندي

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition

الأولى ١٤٢٦ هـ

Publication Year

٢٠٠٥ م

Publisher Location

بيروت - لبنان

وقعدنا عَلَى شربنا وأخذنا فِي غنائنا، فَلم ألبث أَن دَعَا يحيى بداوة وَقِرْطَاس فَوَقع شيءًا لَمْ أدْرِ مَا هُوَ، ثُمّ دفع الرُّقْعة إِلَى جَعْفَر فَوَقع فِيهَا شَيْئا وَدفعهَا إليّ، وَإِذَا يَحْيَى قَدْ كتب: يُدفع إِلَى إِسْحَاق ألف ألفٍ يبتاعُ بهَا منزلا، وَإِذَا جَعْفَر قَدْ كتب يُدفع إِلَى إِسْحَاق ألف ألف يَصْرفها فِي نفقاته ومُرُوءته، فَقلت فِي نَفسِي هَذَا حُلم، فَلم ألبث أَن جَاءَ خَادِم أَخذهَا من يَدي، فَلَمَّا كَانَ فِي وَقت الِانْصِرَاف استأذنتُ وَخرجت، فَإِذا أَنَا واللَّه بِالْمَالِ وَإِذَا الوكلاء ينتظروني حَتَّى أقبضهُ مِنْهُم فعلام يَلُومُنِي هَذَا الْجَاهِل؟ ثُمّ قُلْتُ لمخارق: هَات الْعود فَأَخَذته ورددت الْأَصْوَات الَّتِي أَخطَأ فِيهَا، وغنيت صَوتا من الطَّوِيل بِشعر لِابْن ياسين، والغناء فِيهِ لي وَهُوَ:
إلهي مَنَحْتَ الْوُدَّ مِنِّي بخيلةً ... وَأَنت على تَغْيِير ذَاك قَدِيرُ
شفاءُ الْهوى بَثُّ الجوى واشتكاؤه ... وَإِن امْرأ أخْفَى الْهوى لصَبُورُ
فطرب لذَلِك طَربا شَدِيدا ثُمّ قَالَ: حُقَّ لَك، ثُمّ أقبل عَلَى مُخَارق، فَقَالَ: يَا فَاسق! مَا أَنْت وَالْكَلَام، وَأمر لي بِمِائَة ألف دِرْهَم وخِلعة، وَأمر لِمُخَارق بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم، فَبلغ ذَلِكَ إِسْحَاق بْن خَلَف فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
إِن جئتَ ساحته تبغي سماحته ... تَلْقَاكَ رَاحَتُهُ بالوَبْلِ والدِّيَمِ
مَا ضرَّ زَائِره الرَّاجي لنائله ... إِن كَانَ ذَا رحمٍ أَوْ غَيْر ذِي رحِمِ
فَعَالُه كرمٌ وَقَوله نغمٌ ... بقوله نعمٌ قَدْ لجَّ فِي نِعَم
قَالَ القَاضِي: قَول حُمَيد بْن ثَوْر: النِّدُّ والعنبر الْهِنْدِيّ، زعم بعضُ عُلَمَاء اللُّغَة أَن النِّد أعجمي، وَهَذَا حُمَيد بْن ثَوْر أَتَى بِهِ فِي شعره، وَقَدْ رُوِيَ شعرٌ فِي خبر لمُعَاوِيَة نِسْبَة بعضُ الرُّواةِ إِلَى عَبْد الرَّحْمَن بْن حَسَّان، وَبَعْضهمْ إِلَى أَبِي دهبل، فَذكر بعض من رَوَاهُ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ:
تجْعَل النِّدَّ والألوة والمس ... ك صَلالَها عَلَى الكانون
وقَالَ العَرْجيُّ:
تَشُبُّ مُتُون الْحُمْر بالنِّد تَارَةً ... وبالعنبر الْهِنْدِيّ وَالْعرْف سَاطِع
وَقَالَ الأحْوَص:
إِذا خَبَتْ أُوقِدَتْ بالنِّدِّ واشْتَعَلتْ ... وَلَم يكنْ عِطْرُها مسكٌ وأظْفَارُ
وَقَوله: تَشُبُّها إِذا خَبَت، معنى تشبها: تُلْهِبُها وتُضْرِمُها، قَالَ الأحْوَص بْن مُحَمَّد الأَنْصَارِيّ:
أمِن خليدَة وَهْنًا شَبَّتِ النَّارُ ... ودُوننا من ظلام اللَّيْل أسْتَارُ
باتَتْ تُشَبُّ وبتنا الليلَ نَرْقبها ... تَعْنِي قلوبٌ بهَا مَرْضى وأبْصَارُ
يُقَالُ: شبت النَّار والرحب شَبَّهُما الإِنْسَان يَشُبُّهَا شبوبًا وشَبًا، وشبَّ الصبيُّ يَشِبُّ

1 / 300