al-ʿAdil al-muftarid fi mudawat al-kasr
العادل المفترض في مداواة الكسر
Genres
قال جالينوس قد علمنا من هذا الذى أمر به ابقراط فى الرباط أن يلطأ ويلزم من غير أن يضغط والذى أمر به الدعائم التى تحيط به من خارج أن يجرى أمرها على ذلك المثال وفى جميع الرباط نفسه الذى نفعله بالخرق أنه إنما استخرج واشتق هذه اللفظة أعنى قوله أدعم من الدعائم وهى التى لما ذكرها الشاعر قال إنهم سلوا ودفعوا دعائم السفن ولا فرق بين قولنا دعائم وقولنا مساند وقد وجدنا ابقراط مرارا كثيرة يسمى الرباطات والرفائد دعائم ويسمى أيضا المساند دعائم التى تكون من خارج ولكنا لم نجده يسمى المساند دعائم وجميع المفسرين فهموا من قوله فى جميع هذا الكلام دعامة أنه إنما أراد به المعنى الذى يدل عليه المسند ولكنا نجده هاهنا إذ كان قد ذكر اللفظتين معا وأتبع واحدة منهما بالأخرى أعنى الدعامة والمسند أنه يدل بذلك على أن هذين اسمان لمعنيين مختلفين فعساه يكون إنما أراد بقوله دعائم الأشياء التى فى وقت الرباط الذى يحفظ به العضو العليل ساكنا لا يتحرك تلقى من أسفل وتجعل حوله كما يدور أولها الرباطات التى من أسفل فإن لهذه منافع أخر وهى أيضا تقوم مقام الدعامة ثم من بعد ذلك الرفائد فإن هذه أيضا هى دعائم ليس للكسر فقط بل للرباطات التى من أسفل أيضا ثم الرباطات التى تلف على الرفائد من خارج والجبائر والأشياء التى توطأ من خارج وذلك أن جميع هذه لما كانت إنما تدار حول العضو لتمسك وتضبط ما وراءها صارت تقوم مقام الدعائم لا لهذه فقط لكن للكسر أيضا وأما قوله مساند فأحسبه يريد بذلك جميع الأشياء التى توضع خلوا من الرباط إلى جانب العضو العليل كله عن يمينه أو عن شماله أو من فوقه أو من تحته بحسب الذهاب فى طول البدن فإن المسافة فى عمق البدن يكون فيها الفراش من أسفل وجميع ما يغطى به من الدثار وغيره من فوق كائنا ما كان وقد يسند القوم مرارا كثيرة بخشبة تنصب إلى جانبها قائمة على استواء وأما الرأس فيسند بالوسائد والمرافق والمخاد الصغار التى توضع تحت العنق وبالصوف وبالخرق اللينة والمثاعب أيضا وغيرها من القوالب والأجسام التى توضع إلى جانب الرجل المكسورة من الجانبين هى مساند وأما الصوف المدور الذى يوضع تحت الإبط إذا عرض لمفصل الكتف أن ينخلع فيجعل تحته هذا من بعد ما يرد الخلع ويربط فقد يمكن أن يسمى بالاسمين كليهما أعنى دعامة ومسند لأنه يسند الأعضاء التى فوق ذلك الموضع فهو مسند وأما لأنه هو أيضا يربط فيصير جزء من جملة الرباط فهو دعامة وأما الأشياء التى توضع من تحت الصدر وتحت الرأس ومن جانبهما فينبغى أن تسمى خاصة مساند لا دعائم وهذه أشياء احتالها الأطباء بسبب الحركات اللازمة للأعضاء باضطرار وهذه الحركات بعضها هو فى الطبع بمنزلة حركة التنفس للصدر وحركة النبض لأغشية الدماغ وبعضها خارج عن الطبع بمنزلة السعال والعطاس والفواق وأما جميع ما يحدث من الضربان فى الأعضاء الوارمة وما يكون منها أيضا عند الصداع الشديد المبرح فى عروق الصدغين الضوارب وكذلك أيضا الاختلاج الذى قد يكون مرارا كثيرة فيما دون الشراسيف وربما كان أيضا فى أعضاء أخر يحتاج كله إلى المساند فنحن نسند هذه مرة بالرباط نفسه فقط بمنزلة ما نفعل ذلك فى عروق الصدغين الضوارب إذا كان بالإنسان صداع شديد مبرح ونفعله أيضا إذا كان اختلاج شديد فيما دون الشراسيف وفى الجراحات التى يتوقع منها انبثاق الدم وربما أسندناها مرارا كثيرة بصوف نضعه إلى جانب الرباط مطلقا ومن غير رباط أيضا وقد نسند الصدر والعنق والرأس مرارا كثيرة بالصوف وبالمخاد اللينة التى توضع تحت العنق وبأكياس خفيفة الوزن فيها جاورس قد أسخن وذلك عند ما يحتاج إلى تكميدها وتسنيدها معا واللحى أيضا إذا انقلب وانخلع ثم رددنا فأدخلناه قد نشده مرارا كثيرة من خارج بمساند لينة فإذا كانت الأشياء التى تسمى دعائم والأشياء التى تسمى مساند إنما الغرض فيها كلها غرض واحد عام فحق للمفسرين أن يظنوا أن المعنى الذى يدل عليه كل واحد من هذين أعنى الدعامة والمسند هو معنى شىء واحد وقد أصبنا نحن أيضا فى استعمالنا هذين الاسمين مرارا كثيرة فى طريق واحد لا خلاف فيه والغرض العام فيها الذى ذكرته قبل هو أن تكون الأعضاء عند الحركات لا تهتز ولا ترتج ولكن لما كان بينهما فرق فى النوع هو هذا الذى ذكرته قريبا صرنا متى استقصينا فى إعطاء الكلام حقوقه قلنا إن المساند هى جميع الأشياء الخارجة عن الرباط والدعائم هى الأشياء الداخلة فى الرباط وقد يفرق بينهما أيضا من هذا الوجه أن الأشياء التى ترفق بها الأعضاء التى تتحرك حركة اضطرارية وهى التى ليس الأمر إلينا فى تسكين حركتها نحن نسميها مساند والأشياء التى ترفق بها الأشياء التى لا حركة لها نحن نسميها دعائم من ذلك أن الرجل واليد الأمر إلينا فى تحريكها وأما الصدر وأغشية الدماغ فليس الأمر لنا فى حركتهما وكذلك أيضا الاختلاج الحادث فى الأعضاء ليس أمره إلينا كما ليس الأمر إلينا فى السعال ولا فى العطاس ولا فى الفوارق وإن كان قد يمكننا أن نتصابر لهذه وندافع بها مدة طويلة فإنهما على حال إذا كانت الأسباب الفاعلة لها قوية قهرتنا واضطرتنا فى آخر الأمر إليها وليس يقدر على ضبط نفسه عند حدوثها ويحتملها ويدفعها حتى لا تكون إلا من كان من الرجال فى غاية الصبر على الشدائد وقد وجدنا ابقراط فى هذا الكلام الذى نحن فى شرحه لما ذكر الضربان فقال كيما لا تهتز ثم أضاف إلى ذلك ذكر تفرق عظام الرأس إنما أتبع ذلك باسم الدعامة صراحا ولما ذكر السعال والعطاس وبالجملة الحركات التى تكون فى الصدر وفى الرأس استعمل اسم المسند صراحا فتفرق عظام الرأس المتصلة يكون فى الدروز وهذه الدروز تسمى منها موضع ملتقى العظمين عند حقائق الأسماء اتصالا ويسمى جميع موضع الوصل بطريق الاستعارة والتشبيه درزا لأن عظام الجمجمة هى متصلة واحد بالآخر على الحقيقة ومن أجل ذلك استحقت أن يقال ان تركيبها تركيب اتصال ولكن لما كان تركيبها تركيب الخرق التى تخاط ويلفق بعضها مع بعض سمى من هذا الوجه درزا فهذه الدروز قد تتفرق مرارا كثيرة فيصير بين العظم والعظم فرجة وربما حدث عنها وجع وذلك عند ما تتورم الأغشية التى تصل بين الغشاء المحيط بالقحف وبين الغشاء الصلب عند حركة هذه الأعضاء الوارمة وما كان من الأعضاء على هذا من الحال فهو يحتاج بأكثر الاستقصاء فى تعديل مسانده كيما لا يكون لقاء الأعضاء المتحركة ومصاكتها للأعضاء العليلة والمساند 〈برخوة〉 فيزعجها ذلك حتى يهتز سريعا فيحدث من ذلك وجع ولا تكون المساند أيضا تزحم العضو بأكثر مما ينبغى فتضغطه فيهيج الوجع وقد ذكر فيما تقدم من كتابه هذا اعتدال الرباط فى العلل الأخر التى تحتاج إلى رباط الكسر ومن أجل ذلك قال هاهنا ان الحد فى اعتدال هذه هو ذلك الحد بعينه فإنما أراد بقوله ذلك الحد بعينه أى حد الاعتدال الذى ذكرته فيما تقدم ثم أتبع هذا بذكر الاعتدال نفسه فقال وذلك أن الموضع المؤوف ينبغى أن يغمز عليه أشد الغمز وكذلك أيضا أمر أن يوضع على العضو شىء يصلح للعلة ويوافقها مما يدعم أو يسند ويشد وقال أن اعتدال الرباط ينبغى أن يجعل بمقدار لا يغمز على العضو غمزا يمنع من اهتزاز ما يضرب ومعنى ذلك هو أن الضيق والضغط يمنع الأعضاء النابضة من الحركة وهذا شىء يورث ألما ووجعا ووضع مع هذا الحد حدا آخر هو موجود فى تفرق الدروز خاصة فقال فيه ولا تلتقى فيه الأطراف الأقاصى من التى قد تفرق اتصالها فأراد بقوله أطراف الأقاصى مواضع الملتقى الذى لا يمكن بعده ملتقى وهذا يدل على الضغط الشديد المفرط وذلك أنه كما ينبغى ألا يسترخى اتصال العظام ويسلس كذلك ليس ينبغى أيضا أن يشد ويضيق غاية الضيق فإن ذلك أيضا هو خارج عن الطبع فهذا هو الضغط الشديد وأما حد الضغط اليسير فهو يذكره بعد هذا حيث يقول ولا فى العطاس والسعال أيضا فينبغى أن تهتز وتزعج الأعضاء العليلة 〈...ما لسنا〉 ندعمها ونسندها وذلك لأن الحركات الشديدة إذا هزت الأعظام العليلة قلقتها وعنفت بها بأكثر مما يليق بالأعضاء العليلة فنتجت وأثارت عليها الوجع فالاعتدال فى المساند هو ما ذكره فى آخر كلامه حيث قال ينبغى أن يكون المسند لا يضغط ولا يضطرب ومعنى ذلك أن تكون الأعضاء العليلة لا ينالها ضغط عنيف ولا تكون عند حركاتها فى حد يظن بها الظان أن رباطها رخو
Page 96