فإن فعلت فحظ قد ظفرت به
وإن أبيت فقد أعلنت إسراري
وصار الجاحظ إلى منزل بعض إخوانه فاستأذن عليه، فخرج إليه غلام أعجمي، فقال: من أنت؟ قال: الجاحظ. فدخل الغلام إلى صاحب الدار فقال: الجاحد على الباب. وسمعها الجاحظ. فقال صاحب الدار للغلام: اخرج فانظر من الرجل. فخرج يستخبر عن اسمه، فقال: أنا الحدقي. فدخل الغلام، فقال: الحلقي. وسمعها الجاحظ. فصاح به في الباب: ردنا إلى الأول؛ يريد أن قوله الجاحد مكان الجاحظ أسهل عليه من الحلقي مكان الحدقي، فعرفه الرجل فأوصله واعتذر إليه.
وقال الجاحظ مرة بحضرة السدري: «إذا كانت المرأة عاقلة ظريفة كاملة كانت ...» فقال له السدري: وكيف؟ قال: لأنها تأخذ الدراهم، وتمتع بالناس والطيب، وتختار على عينها من تريد، والتوبة معروضة لها متى شاءت. فقال له السدري: فكيف عقل العجوز حفظها الله؟ قال: هي أحمق الناس وأقلهم عقلا.
وأتاه يوما رجل فقال: سمعت أن لك ألف جواب مسكت، فعلمني منها. قال: نعم. فقال: إذا قال لي شخص يا زوج الفاعلة، يا ثقيل الروح، أي شيء أقول له؟ قال: قل له صدقت.
وقال الجاحظ: كان رجل من أهل السواد تشيع، وكان ظريفا، فقال ابن عم له: بلغني أنك تبغض عليا - عليه السلام - والله لئن فعلت لتردن عليه الحوض يوم القيامة ولا يسقيك. قال: والحوض في يده يوم القيامة؟ قال: نعم. قال: وما لهذا الفاضل يقتل الناس في الدنيا بالسيف وفي الآخرة بالعطش! فقيل له: أتقول هذا مع تشيعك ودينك؟ قال: والله لا تركت النادرة ولو قتلتني في الدنيا، وأدخلتني النار في الآخرة.
وقال: كان يأتيني رجل فصيح من العجم، فقلت له: هذه الفصاحة وهذا البيان، لو ادعيت في قبيلة من العرب لكنت لا تنازع فيها. فأجابني إلى ذلك، فجعلت أحفظه نسبا حتى حفظه وهذه هذا فقلت له: الآن، لا تته علينا. فقال: سبحان الله! إن فعلت ذلك فأنا إذن دعي.
وروى ابن عساكر أن الجاحظ قال: رأيت جارية ببغداد في سوق النخاسين ينادى عليها، فدعوت بها وجعلت أقلبها، فقلت لها: ما اسمك؟ قالت: مكة. قلت: الله أكبر! قد قرب الحج، أتأذنين أن أقبل الحجر الأسود؟ قالت: إليك عني! أولم تسمع الله يقول:
لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس .
وقال الجاحظ: كنت وقفت أنا وأبو حرب على قاص، فأردت الولوع به، فقلت لمن حوله: إنه رجل صالح لا يحب الشهرة فتفرقوا عنه. فتفرقوا، فقال لي: الله حسيبك إذا لم ير الصياد طيرا، كيف يمد شبكته؟
Unknown page