15 (9) إننا لا نرغب في الشيء لأنه يسرنا. بل على العكس، إنه يسرنا لأننا نرغب فيه، والرغبات تتحكم فيها عوامل معينة، والناس يعتقدون عادة أن أفعالهم الإرادية حرة لأنهم يشعرون برغباتهم، لكنهم لا يشعرون بجميع العوامل التي تتحكم في هذه الرغبات : «تخيل - إن استطعت - أن حجرا في حركته المتصلة كان يعي - في حدود قدرته - بمحاولته البقاء في حالة الحركة. إن هذا الحجر طالما أنه يشعر بحركته الخاصة، ويهتم بها اهتماما عميقا سوف يعتقد أنه حر حرية كاملة، وسوف يواصل حركته لا لشيء إلا لأنه يريد ذلك. وتلك هي الحال نفسها مع حرية الإرادة البشرية التي يباهي كل فرد بامتلاكها، والتي لا تتألف إلا مما يأتي: إن الناس يشعرون برغباتهم ويجهلون الأسباب التي تتحكم في هذه الرغبات.»
16 (10) وهناك جانب نقد آخر مستمد من الأخلاق، كثيرا ما يوجه إلى المذهب الجبري وهو: أن إنكاره حرية الإرادة يجعل المسئولية الأخلاقية بلا معنى، ويحرم فكرة الثواب والعقاب من كل مبرر منطقي. فإذا لم يكن لي حيلة فيما فعلت فسوف يتنافى مع العقل أن أكون مسئولا عنه، ومن ثم فلن يكون هناك مجال للوم أو ثناء.
إنني أدعوك يا من نكرا
بشباك الغي منهاج الورى
عتبا، تغري بنا ما قدرا
من شرور بقضاء حتما
ثم تعزو الإثم جورا للأنام
17
لكن «لو ذهب دعاة الحرية إلى القول بأن مشاعرنا وأحكامنا الخلقية تتضمن تصور الفاعل «الحر» طالما أنه من غير المعقول أن نستهجن الأذى الإرادي بعد ذلك أكثر مما نستهجن الأذى اللاإرادي لو كان الاثنان معا على حد سواء آثارا ناتجة عن قوى الطبيعة المعقدة، فإن الفيلسوف الجبري يرد بقوله: إن المعقولية تعتمد على نتيجة الاستهجان التي تميل - كما هو واضح - إلى منع لون معين من الفعل دون غيره، وهو يرد الحجة قائلا: كلا، إن السخط لا يكون معقولا إلا على افتراض أن أفعال الإنسان تحكمها البواعث التي من بينها الخوف من سخط الآخرين.»
18
Unknown page