1
وكان الفيلسوف الكندي كذلك من المنكرين لا مكان قيام هذا العلم، وأقام إنكاره هذا على أساس أن الطبيعة قد انفردت - دون الإنسان - بأشياء محال على الإنسان أن يأتي بمثلها كما انفرد الإنسان - دون الطبيعة - بأشياء أخرى، ومن الخلط بل من الخداع أن يحاول الإنسان فعل ما قد انفردت الطبيعة بفعله،
2
فكما أنه محال على الطبيعة أن تصنع سيفا أو سريرا أو خاتما فكذلك محال على الإنسان أن يصنع ذهبا أو فضة أو نحاسا.
والظاهر أن أبا نصر الفارابي قد وقف موقفا وسطا بين إمكان علم الكيمياء واستحالته، مستندا في ذلك إلى أرسطو وموقفه من هذا الموضوع نفسه. وخلاصة هذا الموقف الوسط، هي أن تحول الأشياء بعضها إلى بعض متوقف على نوع الصفات المراد حذفها أو إضافتها، فإن كانت ذاتية تعذر التحول، وأما إن كانت أعراضا عرضية التحول، هذا إلى أن إمكان التحول قد يكون مقلوب الوجه الصورية النظرية، لكنه عسير من الوجهة العملية.
3
لكن هناك فريقا آخر هم أكثر إيمانا بما يستطيعه العلم هؤلاء الإمام «فخر الدين الرازي» الذي عقد فصلا في المشرقية يبين فيه إمكان علم الكيمياء، ومنهم الشيخ نجم ابن البغدادي الذي رد على ابن تيمية وزيف ما كان؟ استحالة علم الكيمياء، ومنهم كذلك أبو بكر محمد بن الرازي الذي تصدى للرد على الكندي في الموضوع، وصنف «الطغرائي» كتبا يثبت فيها إمكان قيام هذا العلم على ما كان «ابن سينا» قد ذهب إليه من عدم إمكان ذلك.
4
وعلى رأس المثبتين لعلم الكيمياء بالقول وبالفعل معا هو «جابر بن حيان» الذي كان أول من اشتهر عنه هذا العلم فهو يتساءل في عجب: كيف يظن العجز بالعلم دون الوصول الطبيعة وأسرارها؟ ألم يكن في مستطاع العلم أن يجاوز الطبيعة إلى ما وراءها؟ فهل يعجز عن استخراج كوامن الطبيعة ما قد ثبتت قدرته على استخراج السر مما هو مستور وراء حجبها؟ وهو يستدرك هنا بقوله: إننا لا نطالب من لا علم له بالتصدي للكيمياء، بل نطلب ذلك من ذوي العلم الذين استوفوا أركان البحث؛
5
Unknown page