بسم الله الرحمن الرحيم
عونك اللهم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كما ذكره الذاكرون، وكما غفل عن ذكره الغافلون.
الحمد لله الذي برأ سماواتٍ طباقًا رفيعات، ولما دونها محيطات، وجعلها في الأقدار متفاوتات، وبالحركة متباينات، وفي التركيب مختلفات، ذات بروج معدودة، وأقسام مقدرة محدودة، وكواكب نيرة موارة، في أفلاك بها دوارة، تتحرك لنفسها تارة فتردها أفلاكها بقدرته تعالى مقسورة؛ كل ذلك يجري على ما قدر له من إسراع وتأثير، وإبطاء وتدبير، وإنماء وتغيير، بأمر الحكيم القدير، وتقدير العليم الخبير؛ ودحا الأرض فسطحها مهادا، وأرسى عليها الجبال فصارت أوتادا.
ثم خلق الإنسان من طين، وأنشأ منه البشر من سلالة من ماء مهين، واستعمرهم في الأرض لينظر كيف يعملون، وسخر لهم ما في السموات وما في الأرض لعلهم يشكرون، ومكنهم من النعماء، وتبسطوا في فنون الأفضال والآلاء، وأثاروا الأرض وعمروها، واتخذوا المدائن واستوطنوها، وقهروا الأعداء ممن ناوأهم، وخضدوا بالقهر شوكة من عاندهم أو شانأهم.
حتى إذا كفروا النعم، ولم يخشوا العقوبة والنقم، أبادهم الله الذي أيدهم وأهلكهم القادر الذي مكنهم، وجزاءً بما اكتسبوا من السيئات، وعقوبة لهم على اجتراح الخطيئات، وسيعيدهم أجمعين إليه، ويوقفهم كلهم للحساب بين يديه.
1 / 3
أحمده حمدًا يليق بجلاله، وينبغي لعظمته وكماله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ظهير، ولا معاون له فيما يريده ولا وزير، شهادةً تعبر عن قلب قد عمر بالإخلاص، وذخيرة للنجاء من النار والخلاص.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ونبيه وخليله، الذي أنقذ الله به العباد من الهلاك، وخلصهم به من أشراك الإشراك، حتى قاموا لله سبحانه بما شرع له من طاعته، وأنزل عليه من أحكام عبادته. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وأوليائه ومتبعيه وأحبابه، وشرف وكرم.
وبعد: فإني لما أعانني الله جلت قدرته، وتعالت عظمته، على إكمال كتاب: عقد جواهر الأسفاط في أخبار مدينة الفسطاط. وضمنته ما وقفت عليه، وأرشدني الله سبحانه إليه من أحوال مدينة الفسطاط. منذ افتتح أرض مصر أصحاب رسول الله ﷺ وصارت دار إسلام، إلى أن قدمت جيوش الإمام المعز لدين الله أبي تميم معد من بلاد المغرب مع عبده وقائده وكاتبه أبي الحسين جوهر القائد الصقلي في سنة ثمانٍ وخمسين وثلاثمائة، ونزلت في شمال الفسطاط بالمناخ، وأسس مدينة القاهرة وحل بها، أحببت أن أضع لمن ملك القاهرة من الخلفاء ديوانًا يشتمل على جمل خبرهم، ويعرب عن أكثر سيرهم، فجمعت هذا الكتاب وسميته كتاب:
إتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا
والله تعالى أسأل أن يحفظني فيه، وفيما خولني من دنيا ودين، ويجعلني يوم الفزع الأكبر من الآمنين بمنه وكرمه.
1 / 4
الجزء الأول
ذكر أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
كرم الله وجهه
اعلم أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ﵁ قتل ليلة الجمعة لإحدى عشرة، وقيل لثلاث عشرة، وقيل لثماني عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربعين من سني الهجرة بالكوفة.
وولد له من الأولاد الذكور: الحسن، والحسين أمهما فاطمة بنت رسول الله ﷺ.
1 / 5
ومحمد الأكبر المعروف بابن الحنفية أمه خولة بنت قيس بن جعفر الحنفي. والعباس الأكبر، وعبد الله، وعثمان الأكبر وجعفر الأكبر أمهم أم البنين بنت المحل بن الديان بن حرام الكلابي، وقتل هؤلاء الأربعة مع الحسين بن علي ﵇ بالطف.
1 / 6
وعمر الأصغر أمه الصهباء أم حبيبة بنت ربيعة التغلبي.
وعبد الرحمن الذي يكنى أبا بكر، وعبيد الله. أمهما ليلى بنت مسعود بن خالد التميمي.
ويحيى وعون أمهما أسماء بنت عميس الخثعمية.
ومحمد الأصغر أمه أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، وأمها زينب بنت رسول الله ﷺ.
وجعفر الأصغر من أم ولد.
ومحمد الأوسط، وعباس الأصغر أمهما أم ولد.
وعمر الأصغر وعثمان الأصغر.
فهؤلاء هم الذكور من ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، منهم من مات في حياة أبيه وهو طفل صغير، ومنهم من قتل ولا عقب له.
1 / 7