86

Itqan

الإتقان في علوم القرآن

Investigator

محمد أبو الفضل إبراهيم

Publisher

الهيئة المصرية العامة للكتاب

Edition Number

١٣٩٤هـ/ ١٩٧٤ م

فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا هُوَ يَعْنِي جِبْرِيلَ فَأَخَذَتْنِي رَجْفَةٌ فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَأَمَرَتْهُمْ فَدَثَّرُونِي فَأَنْزَلَ الله: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ﴾ . وَأَجَابَ الْأَوَّلُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ عَنْ نُزُولِ سُورَةٍ كَامِلَةٍ فَبَيَّنَ أَنَّ سُورَةَ الْمُدَّثِّرِ نَزَلَتْ بِكَمَالِهَا قَبْلَ نُزُولِ تمام سورة اقْرَأْ فَإِنَّهَا أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْهَا صَدْرُهَا. وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ الِلَّهِ ﷺ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ فقال في حديثه: بينا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الْمَلَكُ الذي جاءني بحراء عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَدَثَّرُونِي فأنزل الله: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾ فَقَوْلُهُ: "الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءَ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ قِصَّةِ حِرَاءَ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ . ثَانِيهَا: أَنَّ مُرَادَ جَابِرٍ بالأولية مَخْصُوصَةٌ بِمَا بَعْدَ فَتْرَةِ الْوَحْيِ لَا أَوَّلِيَّةٌ مُطْلَقَةٌ. ثَالِثُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ أَوَّلِيَّةٌ مَخْصُوصَةٌ بِالْأَمْرِ بِالْإِنْذَارِ وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ أَوَّلُ مَا نَزَلَ لِلنُّبُوَّةِ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ وأول ما نزل للرسالة: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾ . رَابِعُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ أَوَّلُ مَا نَزَلَ بِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ وَهُوَ مَا وَقَعَ مِنَ التَّدَثُّرِ النَّاشِئِ عن الرعب وأما اقرأ فنزلت ابتداء بِغَيْرِ سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ.

1 / 93