بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي وفقنا للتمسك بالعروة الوثقى والحبل المتين، وشوقنا بالترغيب في العمل إلى ما هو أبقى وأنجى من العذاب المهين، وهدانا إلى سلوك سبيل الطائفة المحقة الإمامية، وزادنا من الهدايا والعنايات، فكنا من الفرقة الناجية الاثني عشرية الذين خصهم الله سبحانه بأكمل العقل والحجى، فاتبعوا سنة أهل بيت النبوة ومصابيح الدجى وركبوا سفينة نوح التي من ركبها نجى (1) والصلاة والسلام على محمد وآله الكرام حجج الله على الأنام الذين فصلوا شرائع الإسلام وفصلوا الحلال والحرام وسنوا سنن الدين من الملك العلام ونهجوا لنا الطريق الموصلة إلى دار السلام، وأمروا بالتسليم والانقياد والاتباع ونهوا عن العناد والاختراع والابتداع، فنجى الذين سبقت لهم من الله الحسنى ووصلوا باتباع طريقتهم إلى المطلب الأقصى والمقصد الأسنى، واجتنبوا طريق أعدائهم وخالفوهم في أهوائهم وآرائهم.

وبعد: فيقول الفقير إلى الله الغني محمد بن الحسن الحر العاملي عامله الله بلطفه الخفي: لما رأيت كثيرا من ضعفاء الشيعة قد خرجوا عن طريق قدمائهم وأئمتهم في أحكام الشريعة وسلكوا مسالك أعدائهم المعاندين الذين تركوا الرجوع إليهم عليهم السلام في أحكام الدين، فابتدعوا لأنفسهم تسمية دينية فتسموا بالصوفية ولم ينتسبوا

Page 2

إلى النبي والأئمة عليهم السلام، الذين هم خير البرية، فاستلزم ذلك موافقة الاعتقاد والأعمال من هؤلاء الضعفاء لأولئك الأعداء الأشقياء حيث كانوا يغرون الناس بإظهار التقوى واستشعار الزهد في الدنيا زيادة عما كان يظهره الأئمة عليهم السلام من ذلك، وناهيك به دليلا عن فساد سلوك تلك المسالك.

ثم سألني بعض الأصحاب عن حديث في الترجيع (1) وهو من جملة ما يتعلقون به من الشبهات، فألفت فيه رسالة تتضمن حل ما فيه من الإشكال وذكر جملة من التوجيهات وإبطال بعض ما يعتمدونه ويعتقدونه من التمويهات (2) فلما وقف عليها جماعة من الأصحاب التمسوا مني تأليف رسالة في هذا الباب تتضمن كشف أكثر تلك الخيالات وإبطال ما زخرفوه من المحالات وإن كان أكثرهم لا يرجى منه الاقلاع ولا يتصور منه التوبة والارتداع لما أشربت قلوبهم من حب هذا الابتداع ، لكن لينكشف ذلك لبعض أتباعهم ويمتنع باقي الشيعة حرسهم الله من أتباعهم ويوفقهم الله للإعراض عن الأغراض الدنية الدنيوية وينالوا السيادة بالسعادة والنشأة الأخرى الأخروية، فرأيت ذلك علي من أعظم الفروض الواجبة وحالت بيني وبينه العوائق المانعة والموانع الغالبة، ثم عاودني، فلم أجد بدا من الإجابة، فشرعت فيها راجيا من الله التوفيق للصواب والإصابة.

وسميتها الرسالة الاثني عشرية في الرد على الصوفية والله أسأل أن يسهل إتمامها على أحسن الوجوه وأن يهدي بها من يلتمس الهدى ويرجوه وهي مرتبة على

Page 3

أبواب وفصول، ولا بأس بذكر فهرستها تقريبا لتداولها وتسهيلا لتناولها.

أما الأبواب فهي اثنا عشر:

الأول: في إبطال هذه النسبة وذمها.

الثاني: في إبطال التصوف وذمه عموما.

الثالث: في إبطال اعتقاد الحلول والاتحاد ووحدة الوجود.

الرابع: في إبطال الكشف الذي يدعونه وعدم اعتباره ونفي حجيته.

الخامس: في إبطال ما يعتقدونه من سقوط التكاليف الشرعية عنده.

السادس: في إبطال ما يعتقدونه عبادة من الجلوس في الشتاء وما ابتدعوه من الرياضة.

السابع: في إبطال ما يعتقدونه من أفضل العبادات من القتل (1) والسقوط على الأرض والاضطراب.

الثامن: في إبطال ما يعتقدونه كذلك من الرقص والصفق بالأيدي والصياح.

التاسع: في إثبات ما يبطلونه ويمنعون منه من السعي على الرزق وطلب المعاش والتجمل.

العاشر: في تحريم ما يستحلونه ويعدونه عبادة من الغناء.

الحادي عشر: في إبطال ما يفعلونه من الذكر الخفي والجلي على ما ابتدعوه.

الثاني عشر: في إبطال ما صار شعارا لهم من موالاة أعداء الله ومعاداة أولياء الله.

وأما الفصول:

ففيما يلحق بتلك المقاصد المقصودة وما يناسبها وهي اثنا عشر فصلا.

الأول: في تحريم الاقتداء بأعداء الدين ومشابهتهم ومشاكلتهم.

الثاني: في تحريم الابتداع في الدين.

Page 4

الثالث: في ذكر بعض مطاعن مشائخ الصوفية وسادتهم وكبرائهم وما ظهر من قبائحهم وفضائحهم.

الرابع: في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الخامس: في تحريم تركهما والتقاعد عنهما.

السادس: في وجوب المجادلة في الدين والمناظرة لبيان الحق.

السابع: في وجوب مجاهدة أعداء الدين والمبتدعين مع الشرائط.

الثامن: في وجوب اجتناب معاشر أهل البدع ووجوب ترك مخالطتهم رأسا.

التاسع: في جواز لعن المبتدعين والبراءة منهم بل وجوبهما.

العاشر: في تحريم التعصب للباطل.

الحادي عشر: في عدم جواز حسن الظن بالعامة واتباع شئ من طريقتهم المختصة بهم.

الثاني عشر: في وجوب جهاد النفس والتوبة من الكفر والابتداع والفسق وسأذكر في جميع الأبواب والفصول في الاحتجاج على كل واحد من هذه المطالب والأصول اثني عشر وجها من الأدلة، أما من صريح العقل والاعتبار، أو من صحيح النقل والأخبار إن شاء الله تعالى.

وقد اخترت تقديم الاعتبارات العقلية غالبا كما قد اشتهر بين جماعة المتأخرين لأن الاحتجاج بها في الحقيقة على المخالفين أو على من هو أسوأ حالا منهم في سوء الاعتقاد وصعوبة الانقياد للأئمة المعصومين عليهم السلام ولا يخفى أن أكثر المطالب المذكورة من جملة الضروريات، وربما يعد بعضها من البديهيات فلا يحتاج إلى برهان وبيان، ولا يشك فيها أحد من أهل الإيمان، بل جميعا كذلك عند العلماء الكاملين والمخلصين من المؤمنين إذ كثيرا ما تختلف الضروريات النظريات بالنسبة إلى الناظرين، فما يكون نظريا عند قوم يكون ضروريا عند آخرين.

وأنا أذكر ما يخطر بالبال من الاحتجاجات في جميع هذه المقامات استظهارا

Page 5

في تحقيق الحق من الباطل واحتياطا للتمييز بين الحالي والعاطل (1).

فلقد كثرت الشكوك والشبهات عند جماعة من التابعين لأهل الدين وكادت ظلمة ليل الظنون أن يمحور نور الشمس اليقين فقابل بين صحائف الماضين وصحاف الباقين واتق الله إن الله يحب المتقين (2).

فائدة ولنذكر الأسباب والوجوه التي اقتضت الالتزام بهذا العدد الشريف (12) هنا غالبا والتيمن والتبرك به، وقد ذكر بعضه جماعة من العلماء استشهادا واستدلالا على ما هو أعظم من هذا المطلب وجملة ما أوردوه في توجيه الالتزام بهذا العدد الشريف من الوجوه اثنا عشر.

الأول: إن الإسلام والإيمان مبنيان على أصلين حاصلان بكلمتين هما:

لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وآله، وكل واحدة منهما اثني عشر حرفا.

وكذا قوله عليه السلام: أنه لا نبي بعدي (3) وكذا جملة من أسماء الأنبياء عليهم السلام وأوصافهم كقولنا: آدم خليفة الله، نوح خالصة الله، إبراهيم الخليل، داود نبي الله سليمان بن داود، موسى كليم الله، عيسى روح الله، محمد حبيب الله سلام الله عليهم.

الثاني: قوله تعالى: ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر

Page 6