بسم الله الرحمن الرحيم <ص: 2> وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، حمدا لمن فقه في دينه من اصطفاه من العبيد، ووفقهم بتوفيقه فقاموا بالأمر السديد، وألهمنا رشدنا وجعلنا من المهتدين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد القائل: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وأهل بيته الطاهرين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ذروة سنام المجد وتاجه وإكليله.
Page 2
(أما بعد) فيقول فقير الله تعالى بلا مين، علي بن أحمد بن سعيد أبو صبرين: قد كان يختلج في صدري منذ خمس سنين، أن أشرع في جمع ما تيسر من مسائل الخلاف الحاصل بين الإمامين العلمين الشهيرين سيدنا <ص: 3> ومولانا الإمام الشيخ أحمد بن محمد بن حجر الهيثمي، وسيدنا ومولانا الإمام الشيخ محمد بن أحمد الرملي، وكنت أترصد فرصة من الوقت، رائقة من كدر الدنيا فائقة من الضنك، فهتف بي هاتف: الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك، فكنت أقدم رجلا وأؤخر أخرى، مترددا بين الإقدام والإحجام، لا أدري أيهما أحرى، فاستخرت الله في ذلك، فلما عزمت على التوجه من الحجاز المعظم إلى الأقطار المصرية متوجها في بحر القلزم في 22 ربيع الثاني من سني سنة 1260، اجتمعت ببعض الإخوان فوجدت معه مؤلف شيخنا العالم العلامة المحقق المدقق الورع الزاهد العابد الشيخ سعيد بن محمد باعشن المسمى ببشرى الكريم شرحا على مسائل التعليم، وكان ذلك المؤلف مولعا بذكر أكثر مسائل الخلاف بين الشيخين المذكورين، فبدأت في مطالعته في 2 جمادى الأولى، فطالعته كله ما عدا كراسين في عشرة أيام، فوجدت عبارته في غاية التحرير والتحقيق والتدقيق والتنميق، مختصرا <ص: 4> مبسوطا ومعجما عن الحشو، منقوطا غريبا في هذا الزمان، عزيزا في كل أوان، وقلت فيه لما رأيت بعض ما فيه:
كتاب لو أن الحرف منه ببدرة ... لكان الذي يعطيه في حيز الغبن
أحاط بتوحيد وفقه وأعلنا ... بخلف الإمامين بوجه لنا مغني
وجاد بما ضنت به من شوارد ... نهاية رملي كذا التحفة المغني
جزى الله بالخيرات عنا نسيجه ... وأسكننا فضلا وإياه في عدن
Page 3
فلما رأيته كافيا شافيا خاليا عن الحشو والتعقيد، مفيد المراد لكل مريد، عن لي أن أجرد ما فيه من الخلاف، ومن الله أرجو اللطف والإسعاف، وسميت ما جمعته "إثمد العينين في بعض اختلاف الشيخين" وسأزيده إن شاء الله تعالى مقدمة في الكلام على ما به يفتى في مذهب الإمام الشافعي، ولكون مؤلف شيخنا في ربع العبادات فقط، سأزيده إن شاء الله تعالى ما تيسر من الخلاف في جميع المذهب على هذا النمط. واعلم أنه متى قيل عند حج فالرملي مخالف له، ومتى قيل عند (م ر) ف: (حج) مخالف له، وأما نحو قال (ف) نحو التحفة فلا يفهم منه أن غيرها مخالف أو موافق لها، والمراد برمز (حج): الشيخ أحمد بن حجر. و(م ر): الشيخ محمد الرملي. و(ع ش): الشيخ علي الشبراملسي وسم: ابن قاسم. (وزي): الزيادي. (وخط): الخطيب. (وق ل): القليوبي. وشيخنا: الشيخ سعيد باعشن مؤلف الأصل. والأسنى: شرح الروض. والشرح: شرح ابن حجر على المنهج القويم. والحاشية: حاشية ابن حجر على منسك النووي.
واعلم أن كل مسألة فيها خلاف الشيخين، فالمصدر فيها كلام (حج) إلا في أول مسألة ف (م ر) وما مرادي بذلك ترجيح ولا تفضيل، غير أني جعلت ذلك مخافة تحريف الكتبة في العزو لغير من هوله، وهذا أوان الشروع في المقصود، بعون الملك المعبود، فأقول:.
AUTO مقدمة
Page 4
Page 5
اعلم أن الذي انحط عليه كلام الشيخ الكردي في الفوائد المدنية كما فهمته منها حين طالعتها في بحر القلزم، أن الذي يفتي به كل من لا ترجيح عنده كلام الشيخين ابن حجر وم ر إذا اتفقا، فإن تخالفا فأهل اليمن وحضرموت وبعض الحجاز يقدمون (حج) وغيرهم (م ر) <ص: 5> والمقدم في الفتوى به من كتب حج التحفة ففتح الجواد فالإمداد فالشرح، ثم الفتاوى فشرح العباب ومعتمد كتب م ر النهاية، ويقدم كلام الشيخين النووي والرافعي على غيرهما، ولا يخالفا إلا فيما اتفق متعقبوهما على أنه سهو منهما أو من أحدهما وأتى بذلك، فإن اختلفا فيقدم النووي، والمقدم من كتبه كما في حج: التحقيق فالمجموع فالتنقيح فالروضة فالمنهاج فالفتاوى فشرح مسلم فتصحيح التنبيه فنكتة من أول تأليفه، وما اتفق عليه أكثر كتبه مقدم على ما اتفق عليه أقل منها، وما كان في بابه مقدم على ما في غير بابه، ثم قال فيها: ومما ينسب النووي فيه إلى السهو ما قاله في التحفة ونقل المصنف يعني النووي في شرح مسلم أن الحربيين في بلدين متحاربين لا يتوارثان سهو اه، ووافق (حج وم ر) على ذلك، وأقر شيخ الإسلام زكريا الزركشي على أنه سهو. (ويفتي) بكلام شيخ الإسلام في شرح بهجته الصغير ثم ما في منهجه، لأنه لا يخرج عن كلام التحفة والنهاية، فيفتي بما فيه من لا ترجيح عنده إلا في فسخ النكاح بغيبة الزوج وانقطاع خبره الذي رجح هو فيه أن لها الفسخ به، ثم قال الكردي: وفتح الجواد والإمداد يفتي بما فيهما لأنهما غالبا موافقان ل (م ر) والحواشي غالبا موافقة (لمر) فالفتوى بها للمتأخرين معتبرة، فإن خالفوا التحفة والنهاية فلا يعول عليهم، واعتمد أهل الحواشي زي، ثم سم، ثم عميرة، ثم بقيتهم، لكن لا يؤخذ بما خالفوا فيه أصول المذهب كقول ق ل: لو نقلت صخرة من أرض عرفات إلى غيرها يصح الوقوف عليها اه، والأمر ليس كذلك اه كردي، والقليوبي أخذ ذلك من كلام (حج) في شرح العباب وعبارته: ولو أدخل ترابا من الحل إلى الحرم أو عكسه وغرس فيه فهل العبرة بالتراب أو بمحله محل نظر؟ والأوجه أخذا من كلام الزركشي الثاني، لأن الغرس في الحقيقة إنما هو محل التراب دونه، فإن فرض أنه كثير وأن العروق لم تتجاوزه اعتبر هو لا محله فيما يظهر، اه عبارة (حج) على العباب. قال الكردي: وعلى هذا فإذا كانت النواة مثلا حرمية وغرسها في تراب الحل ولو بالحرم، <ص: 6> لزمه نقلها إلى بقعة من الحرم، وإن أخرج تراب الحرم إلى الحل وغرسها فيه ونبتت لم يأثم بإخراجها إليه، وإن أثم بإخراج تراب الحرم إلى الحل فالقياس على هذه المسألة أنه يكون نقل تراب عرفات كذلك، لكن الذي يظهر ما قاله شيخنا عن عدم صحة الوقوف على ذلك، وأن له وجها في الجملة وإن كان فيه ما فيه، اه كلام الكردي، ولعل الذي فيه أن بين أجزاء الحرم وأجزاء عرفات فرقا، فأجزاء الحرم محترمة لذاتها، وإن خرجت عن محلها فيترتب عليها ما يترتب، وأما عرفات فلا احترام لها زيادة على غيرها من الحل باعتبار أجزائها، بل حكمها حكم الحل، فلا يترتب على أجزائها المنفصلة عن محلها ما يترتب عليها مع اتصالها بمحلها، فاحترام أجزاء الحرم ذاتي يتبعها أينما كانت بخلاف أجزاء عرفات، فإن اشتراط صحة الوقوف بالمحل المعلوم لنحو اعتراف آدم بحواء في ذلك المحل بجملته، لا لاحترام أجواء ذلك باعتبار كل جزء على حدته، حتى يأتي على حدته ما يأتي في المجموع فتأمل، والله أعلم بالحقيقة، اه كاتبه.
Page 6