107

فإن قيل: يجوز أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم ظن أن القوم يكفون عن الاشتغال بالاتيان بمثله ، وإن لم يكن متعذرا عليهم ، فبنى أمر التحدي عليه .

قيل له: هذا الظن حصوله للعاقل أبعد وأشد استحالة من الظن الذي بعد التحدي عنه .

أولا: لأنا قد بينا فيما تقدم أنه معلوم بكمال العقل أن من أتى قوما هم أمثاله ونظراؤه في النسب والمحل ، وادعا رئاسته عليهم ، وأنهم يلزمهم الانقياد له ، وقبول طاعته ، وهم له كارهون ، قد أظهروا له البغضاء والعداوة ، واحتج عليهم بأمر يمكنهم مقابلته بمثله من غير ضرر يلحقهم ، فإنه لا يجوز منهم الكف عن ذلك على وجه من الوجوه .

يكشف ما قلنا في جواب السؤال وما قبله: أنا نعلم أن واحدا من علماء عصرنا هذا ، من فقيه أو متكلم ، أو أديب أو متطبب ، إذا كان في بلد فيه وفيما حوله عدة من نظرائه فيما يتعاطاه ، أو مقاربين له مع ظهور بغضهم (¬1) له ، وكراهتم رياسته عليهم ، وانتصابهم لعداوته ، وركوبهم الصعب والذلول في ذلك .

فإنه لا يجوز متى كان عاقلا لا آفة به أن يظن أنه يطلب الرئاسة عليهم ، وتصريفهم على أوامره ونواهيه ، بأن يحتج به عليهم ويتحداهم به ، وهم متمكنون من مقابلته بمثل ما احتج وأورد بأهون سعي ، فلا يقع منهم ، ولا يختارون فعله ، بل يكفون عنه .

Page 159