Ithaf Dhawi Albab

Mar'i al-Karmi d. 1033 AH
93

Ithaf Dhawi Albab

إتحاف ذوي الألباب في قوله - تعالى -: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}

Publisher

منشورات منتديات كل السلفيين.

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢م.

وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ (١): جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ: احْتَرِسْ؛ فَإِنَّ نَاسًا يُرِيدُونَ قَتْلَكَ، فَقَالَ: إِنَّ مَعَ كُلِّ رَجُلَيْنِ مَلَكَيْنِ يَحْفَظَانِهِ مِمَّا لَمْ يُقَدَّرْ، فَإِذَا جَاءَ القَدَرُ خَلَّيَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَدَرِ اللهِ، وَإِنَّ الأَجَلَ حِصْنٌ حَصِينٌ (٢). وَهَكَذَا مَنْ وَفَّقَهُ اللهُ - تَعَالَى - وَأَلْهَمَهُ رُشْدَهُ؛ يَدْفَعُ قَدَرَ العُقُوبَةِ الأُخَرْوِيَّةِ (٣) بِقَدَرِ التَّوْبَةِ وَالإِيمَانِ وَالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ فَهَذَا وِزَانُ (٤) القَدَرِ المَخُوفِ (٥) فِي الدُّنْيَا، وَمَا يُضَادُّهُ سَوَاءٌ، فَرَبُّ الدَّارَيْنِ وَاحِدٌ وَحِكْمَتُهُ وَاحِدَةٌ، لَا يُنَاقِضُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَلَا يُبْطِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَهَذِهِ المَسْأَلَةُ مِنْ أَشْرَفِ المَسَائِلِ لِمَنْ عَرَفَ قَدْرَهَا وَرَعَاهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا؛ فَإِنَّ الأَعْمَالَ

(١) بِكَسْرِ المِيمِ وَسُكُونِ الجِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ، وَهُوَ: لَاحِقُ بْنُ حُمَيْدٍ السَّدُوسِيُّ، انْظُرْ «تَقْرِيبَ التَّهْذِيبِ» (ص٥٨٦). (٢) أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي «الطَّبَقَاتِ» (٣/ ٣٤)، وَالطَّبَرِيُّ فِي «تَفْسِيرِهِ» (١٣/ ٤٦٦) بِلَفْظِ: (جُنَّةٌ حَصِينَةٌ) بَدَلَ: (حِصْنٌ حَصِينٌ). (٣) بِضَمِّ الهَمْزَةِ، نِسْبَةً - هُنا - إِلَى (الآخِرَةِ)، وَهِيَ مِنَ النِّسَبِ الشَّاذَّةِ الَّتِي أَخَذَتْ بِهَا العَرْبُ تَشْبِيهًا بِالدُّنْيَوِيِّ المَنْسُوبِ إِلَى الدُّنْيَا، وَيَأْتِي هَذَا اللَّفْظُ - أَيْضًا - عَلَى القِيَاسِ؛ نِسْبَةً إِلَى (الأُخْرَى). (٤) بِالكَسْرِ؛ وَ(وِزَانُ الشَّيْءِ): مَا يُعَادِلُهُ وَيُسَاوِيهِ وَيُقَابِلُهُ. (٥) بِفَتْحِ المِيمِ وَضَمِّ الخَاءِ - هُنَا -؛ أَيِ: مَا يُخَافُ مِنْهُ؛ مِنْ (خَافَ الشَّيْءَ) فَهُوَ: مَخُوفٌ؛ كَـ (مَحْذُورٍ)؛ أَيْ: مَا يُحْذَرُ مِنْهُ؛ مِنْ (حَذِرَ الشَّيْءَ)، أَمَّا (المُخَوِّفُ) - بِضَمِّ المِيمِ وَفَتْحِ الخَاءِ وَتَشْدِيدِ الوَاوِ المَكْسُورَةِ - فَمِنْ: (خَوَّفَ النَّاسَ)؛ أَيْ: جَعَلَ النَّاسَ يَخَافُونَهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ اللَّفْظِ الأَوَّلِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِلتَّخْوِيفِ قَصْدٌ، وَهُوَ المُوَافِقُ لِلَفْظِ القَدَرِ المَذْكُورِ فِي السِّيَاقِ.

1 / 100