Ithaf Dhawi Albab

Mar'i al-Karmi d. 1033 AH
39

Ithaf Dhawi Albab

إتحاف ذوي الألباب في قوله - تعالى -: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}

Publisher

منشورات منتديات كل السلفيين.

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢م.

عَبَّاسٍ (١). قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لأَنَّ القَلَمَ جَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ: الحُكْمُ، فَكَمَا جَازَ نَسْخُ الحُكْمِ وَإِثْبَاتُهُ فَكَذَلِكَ العُمْرُ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ (٢) وَالضَّحَّاكُ (٣): المُرَادُ بِالآيَةِ: مَحْوُ مَا فِي دِيوَانِ الحَفَظَةِ مَا لَيْسَ بِحَسَنَةٍ وَلَا سَيِّئَةٍ؛ لأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِكَتْبِ (٤) كُلِّ مَا يَنْطِقُ بِهِ الإِنْسَانُ (٥). قُلْتُ: هُوَ قَرِيبٌ؛ لَكِنَّ المُرَادَ لَا يَدْفَعُ الإِيرَادَ (٦)، وَهُوَ تَخْصِيصٌ مِنْ

(١) رَوَاهُ النَّحَّاسُ فِي «مَعَانِي القُرْآنِ» (٣/ ٥٠٢ - ٥٠٣) بِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «(يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ)؛ يَقُولُ: يُبَدِّلُ اللهُ مِنَ القُرْآنِ مَا يَشَاءُ فَيَنْسَخُهُ، وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ فَلَا يُبَدِّلُهُ، وَ(عِنْدَهُ أُمُّ الكِتَابِ)؛ يَقُولُ: جُمْلَةُ ذَلِكَ عِنْدَهُ فِي أُمِّ الكِتَابِ: النَّاسِخِ وَالمَنْسُوخِ»، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ فِي «تَفْسِيرِهِ» (١٣/ ٥٦٦). (٢) هُوَ: بَاذَامُ - وَيُقَالُ: بَاذَانُ -، مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ عَنْهُ فِي «التَّقْرِيبِ» (ص١٢٠): «ضَعِيفٌ يُرْسِلُ»، وَقَالَ عَنْهُ أَبُو حَاتِمٍ - كَمَا فِي «الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ» (٢/ ٤٣٢) -: «يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ». (٣) هُوَ: أَبُو القَاسِمِ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ البَلْخِيُّ الخُرَاسَانِيُّ، لَهُ كِتَابٌ فِي التَّفْسِيرِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ (١٠٥هـ)، انْظُرِ «الأَعْلَامَ» لِلزِّرِكْلِيِّ (٣/ ٢١٥). (٤) (كَتْب): بِفَتْحِ الكَافِ وَسُكُونِ التَّاءِ؛ مِنْ (كَتَبَ يَكُتُبُ كَتْبًا وَكِتَابًا وَكِتَابَةً وَكِتْبَةً)، انْظُرْ «تَاجَ العَرُوسِ» (مَادَّةَ كَتَبَ). (٥) أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ فِي «التَّفْسِيرِ» (١٣/ ٥٦٦) عَنْ أَبِي صَالِحٍ بِنَحْوِهِ. (٦) المَعْنَى الصَّحِيحُ مِنْ هَذِهِ العِبَارَةِ هُوَ: (مُرَادُكَ مِنْ قَوْلِكَ لَا يَمْنَعُ الاعْتِرَاضَ عَلَى لَفْظِكَ)، فَـ (المُرَادُ): هُوَ نِيَّةُ المُتَكَلِّمِ وَقَصْدُهُ لِعِبَارَتِهِ بَعْدَ أَنْ فُهِمَتْ عَلَى غَيْرِ مَا أَرَادَ، وَ(الإِيرَادُ): هُوَ لَفْظُ المُتَكَلِّمِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ مُطَابِقًا لِلْمَعْنَى نَفْسِهِ الَّذِي أَرَادَهُ؛ فَإِذَا قَالَ المُتَكَلِّمُ: (خَرَجْتُ مِنْ بَلَدِ كَذَا، فَلَقِيتُ فِي الطَّرِيقِ أَسَدًا)، فَإِذَا قِيلَ لَهُ: (إِنَّكَ لَمْ تَلْقَ أَسَدًا أَصْلًا، إِنَّمَا لَقِيتَ فُلَانًا مِنْ بَنِي فُلَانٍ)، فَقَالَ: (مُرَادِي بِالأَسَدِ: الرَّجُلُ الشُّجَاعُ، لَا الأَسَدُالحَقِيقِيُّ)؛ فَلَا بُدَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ: (المُرَادُ لَا يَدْفَعُ الإِيرَادُ)؛ أَيْ: نِيَّتُكَ وَقَوْلُكُ: (المُرَادُ كَذَا) لَا يَدْفَعُ عَنْهُ مَا وَرَدَ فِي لَفْظِكَ؛ لأَنَّ لَفْظَكَ يُفْهَمُ مِنْهُ المَعْنَى البَاطِلُ الَّذِي لَيْسَ بِمُرَادٍ، وَهُوَ الأَسَدُ الحَقِيقِيُّ، وَلَيْسَ لَكَ أَنْ تُصَحِّحَ كَلَامَكَ بِنِيَّتِكَ؛ لِعَدَمِ ظُهُورِهَا. وَانْظُرْ - لِمَزِيدِ بَيَانٍ - الرِّسَالَةَ الوَاحِدَةَ وَالخَمْسِينَ مِنْ «رَسَائِلِ الحَسَنِ بْنِ مَسْعُودٍ اليُوسِيِّ» بِعُنْوَانِ «المُرَادُ لَا يَدْفَعُ الإِيرَادَ» (٢/ ٥٨٨).

1 / 46