Ithaf Dhawi Albab
إتحاف ذوي الألباب في قوله - تعالى -: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}
Publisher
منشورات منتديات كل السلفيين.
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢م.
مقدِّمة
في إِثْبات حقيقة القدر
اعْلَمْ - وَفَّقَكَ اللهُ تَعَالَى - أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الحَقِّ هُوَ الحَقُّ.
وَمَذْهَبُهُمْ: أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - قَدَّرَ مَقَادِيرَ الخَلْقِ وَمَا يَكُونُ مِنَ الأَشْيَاءِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ فِي الأَزَلِ، وَعَلِمَ - سُبْحَانَهُ - أَنَّهَا سَتَقَعُ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ عِنْدَهُ
- تَعَالَى - وَعَلَى صِفَاتٍ مَخْصُوصَةٍ؛ فَهِيَ تَقَعُ عَلَى حَسَبِ مَا قَدَّرَهَا.
وَخَالَفَتِ القَدَرِيَّةُ (١) فِي ذَلِكَ - وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى مَذْهَبِهِمْ (٢) -؛ فَقَالُوا: إِنَّهُ - سُبْحَانَهُ - لَمْ يُقَدِّرِ الأَشْيَاءَ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ عِلْمُهُ بِهَا، وَأَنَّهَا مُسْتَأْنَفَةُ العِلْمِ؛ أَيْ: إِنَّمَا يَعْلَمُهَا - سُبْحَانَهُ - بَعْدَ وُقُوعِهَا (٣).
وَكَذَبُوا عَلَى اللهِ فِي قَوْلِهِمْ وَمَذْهَبِهِمْ، وَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ بِالكِتَابِ
_________
(١) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ» (١/ ١٥٤): «وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْفِرْقَةُ قَدَرِيَّةً لِإِنْكَارِهِمُ الْقَدَرَ».
(٢) كَالفَلَاسِفَةِ الَّذِين أَثْبَتُوا عِلْمَ اللهِ - تَعَالَى - لِلْكُلِّيَّاتِ وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ - سُبْحَانَهُ - عِلْمَ الجُزْئِيَّاتِ، وَكَالمُعْتَزِلَةِ - الَّذِينَ هُمُ امْتِدَادٌ لِلقَدَرِيَّةِ - الَّذِينَ أثْبَتُوا العِلْمَ لَهُ - سُبْحَانَهُ - وَأَنْكَرُوا تَقْدِيرَهُ لِلأَشْيَاءِ.
(٣) أَوَّل مَا تُكُلِّمَ بِالقَدَرِ كَانَ بَعْدَ مُنْتَصَفِ القَرْنِ الأَوَّلِ الهِجْرِيِّ، وَأَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِهِ: هُوَ (سَوْسَنُ) وَيُكْنَى أَبَا يُونُسَ، وَيُقَالُ لَهُ: سنْسَوَيْهِ وَسيسوَيْهِ - وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ -، كَانَ نَصْرَانِيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى دِينِهِ، ثُمَّ أَخَذَ عَنْهُ مَعْبَدٌ الجُهَنِيُّ، وَأَخَذَ غَيْلَانُ عَن مَعْبَدٍ.
وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ هُمُ القَدَرِيَّةُ الأَوَائِلُ؛ أَمَّا القَدَرِيَّةُ الَّذِينَ جَاءُوا بَعْدَ ذَلِكَ فَأَثْبَتُوا العِلْمَ لِله
- تَعَالَى -، وَلَكِنْ أَنْكَرُوا الخَلْقَ وَالإِرَادَةَ وَالمَشِيئَةَ - كالمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ -.
1 / 21