201

Istiqama

الاستقامة الجزء الثاني المصحح

Genres

-209- قيل له : فإنك في هذا مدع على الأشياء غير هذا ، أن يكون لا يعقل إلا بآلة غيرها وغير العقل ، والأشياء كلها إذا تعقل بغير آلة ، ولا دليل غير العقل وغيرها ، ولا تصح لك دعواك على الأشياء ، واقرارك لهذا الشيء دون الأشياء ، ولا بذلك أن تقر أن الأشياء كلها لا تعقل إلا بدليل غير العقل ومن غيرها ، أو يدعي أنها كلها تعقل كذلك بغير دليل ولا آلة غيرها وغير العقل ، ولن تجد إلى ذلك سبيلا إن شاء الله ، وصح أن الأشياء كلها المعقولات ، لا نعقل إلا بعقل ، وأن العقل لا يعقل إلا بدليل غيره وآلة غيره ، لثبوت العجز فيه ، والحاجة منه والضرورة إلى غيره ، لأنه كغيره من المصنوعات المحدثات ، فصح أنه متى ما عدم العقل الذي به يعقل المعقولات ، فقد بطل حكم العقل عن المتعبد بعقله ، فيما يضره من الكلفة وينفعه بذلك ، ومتى عدمت المعقولات من العقل فغير مكلف المتعبد بالعقل عقل المعدومات ، ومتى عدمت الآلات التي بها اكتساب العقل للمعقولات ، فقد عجز العقل أن يفعل المعقولات ، وعجزت المعقولات ، أن تصل إلى العقل بغير آلات ، فافهموا هذا الأصل إن شاء الله.

فصل : ومزايلة المعقولات للعقل ، عدم من العقل لها ، وإن كانت غير معدومة في الأصل ، لأنه لا يجوز أن يعقل في الوقت ، معقولين ولا معنيين متنافين ، هذا من المحال ، وإنما يعقل معنى واحدا ، فلعقله هذا المعنى مزايلة منه لعقل الآخر من الأشياء كلها .

فالعقل وإن كان غير مزايل المعقولات كلها في أوقاته ، ولا في وقت ما يكون قائم النور صحيح الطبيعة ، فإنه مزايل في الأوقات ما اشتغل بغيره من المعقولات ، غير هذا المعقول بعينه ، فغير مكلف في الحال الواحد معقولين ، فكيف والمعمولات كلها والمعلومات كلها ، وهذا ما لا يشك فيه أهل العلم والبصائر .

فصل : وان كان العقل لا يخلو من المعقولات ، لأنه إنما صار عقلا بمعقول في حين عقله المعقول ، ولم يصر عقلا بغير معقول ، ولا عقلا لغير

Page 210