ـ[الاستخراج لأحكام الخراج]ـ
المؤلف: أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي (المتوفى: ٧٩٥هـ)
الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان
الطبعة: الأولى، ١٤٠٥ هـ - ١٩٨٥ م
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
Unknown page
[مقدمة المؤلف]
بسم اللّه الرحمن الرحيم، وبه توفيقي
قال الشيخ الِإمام العالم العلامة أبو الفرج عبد الرجمن بن الشيخ الِإمام شهاب الدين أبي العباس أحمد بن رجب الحنبلي، أمتع اللّه ببقائه:
الحمد للّه الذي مهد لبني- آدم قبل أن يخلقهم بساط الأرض وجعلهم فوق ظهورها خلائف يخلف بعضهم فيها البعض، ومكن لعباده المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها لِإقامة ما شرعه من السنن والفرض وأشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، المتصرف في خلقه بالِإبرام والنقض والعطاءوالمنع والرفع والخفض.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أشرف نبي حث على طاعة اللّه وحض، وأفضل رسول ظهر دينه على الدين كله في طول البلاد والعرض.
[صلى اللّه عليه وعلى آله وصحبه صلاة تدوم وتبقى، إلى يوم اللقاء والعرض] وسلم تسليمًا.
أما بعد فإن اللّه تعالى خلق الخلق كلهم لعبادته. كما قال: (وما خلقت الجن والِإنس إلا ليعبدون). وأرسل الرسل كلهم للدعوة إلى توحيده وطاعته كما قال (وما أرسلنا من رسول إلا يوحى إليه، أنه لا إله إلا أنا فاعبدون)
ولما أهبط آدم وزوجته وأسكنهما في الأرض، أخذ عليهما أن من أطاعه من ذريتهما واتبع رسله كان من السعداء، ومن أعرضِ عن ذلك كان من الأشقياء، كما قال تعالى (قلنا اهبطوا منها
جميعاَ فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها
خالدون) وقال تعالى (قال اهبطا منها جميعًا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى، فمن
1 / 5
اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى)
فلما افترق بنو آدم وصاروا فرقًا شتى بين مؤمن وكافر وبر وفاجر، أرسل اللّه الرسل وأنزل معهم الكتب، وأقام بهم الحجج، لئلا يكون للناس على اللّه حجة بعد الرسل، وأمر عباده المؤمنين بدعوة الكافرين، وشرع جهادهم بالسيف والسنان، وبإقامة الحجج والبراهين، وجعل العاقبة
لأهل التقوى وأتباع المرسلين، وسلط على من استنكف عن عبادته واستكبر عنها جنده الغالبين، حتى صاروا عبيدًا للعبيد عقوبة على امتناعهم من عبادة رب العالمين، وأورث المؤمنين ما كان خولهم من الأموال والأولاد والديار والأراضين. كما قال تعالى حاكيًا عن نبيه موسى ﵇ حيث قال لقومه (استعينوا باللّه واصبروا إن الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين) وقال تعالى مخاطبًا أمة محمد ﷺ: (وعد اللّه الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهمْ الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنًا يعبدونني لا يشركون بي شيئًا
ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون وقال النبي ﷺ: "إن الله
زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها. وقد صدق اللّه وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحدة، فمكن لأمة محمد ﷺ في البلاد، وملكهم رقاب غيرهم من العباد وأورثهم أرضهم وديارهمِ وأموالهم بسبب ما شرعه لهم من الجهاد، ولم يقبض اللّه نبيه محمدا ﷺ حتى فتح عليه جزيرة العرب، وكثيرًا من بلاد اليمن وغيرها من البلاد، فمن ذلك ما أخذه صلحًا ومنه، ما فتحه بالسيف عنوة ومنه ما أسلم أهله طوعًا. ثم افتتح خليفته، الصديق الأكبر كثيرًا من أرض فارس والروم. ثم اتسعت رقعة
1 / 6
الِإسلام وكثرت الفتوح على عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁، فكان أكثرها عنوة وبعضها صلحا. وكثر في زمانه أهل الِإسلام، وملك المسلمون أكثر بلاد العراق، ومصر والشام، فكان من رأيه السديد وأمره
الرشيد أن ترك أراضي العنوة التي فتحها اللّه تعالى عليه فيئًا لعموم المسلمين، يشترك في الانتفاع بغلتها عموم المجاهدين إلى يوم الدين، وضرب عليها خراجًا يؤخذ ممن يقر بيديه يكون عدة للمقاتلين، وكان ذلك برضى من الأنصار والمهاجرين وبإشارة أكابرهم بذلك كعلي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وغيرهما من أئمة أهل العلم والدين.
وقد استخرت اللّه تعالى في جمع كتاب يجمع أحكام الخراج، وما يتعلق به من تصوير المسائل وتقرير المذإهب وتحرير الدلائل والحجاج وسميته "كتاب الاستخراج لأحكام الخراج "، ورتبته على عشرة أبواب ليسهل كشف مسائله وتطلبها من الكتاب واللّه الموفق للصواب:
الباب الأول: في معنى الخراج في اللغة.
الباب الثاني: فيما ورد في السنة من ذكر الخراج.
الباب الثالث: في أصل وضع الخراج وأول من وضعه في الِإسلام.
الباب الرابع: فيما يوضع عليه الخراج من الأرض وما لا يوضع
الباب الخامس: في معنى الخراج وهل هو أجر أو ثمن [أو] جزية.
الباب السادس: فيما وضع عمر عليه الخراج من الأرض.
الباب السابع: في مقدار الخراج.
الباب الثامن: في حكم تصرفات أرباب الأرض الخراجية فيها.
1 / 7
الباب التاسع: في حكم تصرفات الِإمام في أرض العنوة إذا صارت وقفًا [أو فيئًا].
الباب العاشر: في حكم مال الخراج ومصارفه والتصرف فيه.
1 / 8
الباب الأول: في معنى الخراج
قال بعضهم: هو المال الذي يجبى ويؤتى به لأوقات محدودة ذكره ابن عطية قال وقال الأصمعي الخراج الجعل مرة واحدة والخراج ما ردد لأوقات ما قال ابن عطية هذا فرق استعمالي وإلا فهما في اللغة بمعنى وقد ورد في كتاب الله: ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ﴾ (١). هذه قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وعاصم وقرأ حمزة والكسائي: ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ﴾. وقرأ ابن عامر خرجا في الموضعين وقال تعالى في قصة ذي القرنين َ﴿فهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا﴾ (٢) وقرىء خراجا أيضا قال ابن عباس ﵁ خرجا يعني أجرا وقال أبو عبيد الخراج في كلام العرب إنما هو الغلة ألا تراهم يسمعون غلة الأرض والدار والمملوك خرجا ومنه حديث النبي ﷺ (٣) أنه قضى بالخراج بالضمان وحديث (٣) أن النبي ﷺ لما حجمه أبوطيبة كلم أهله فوضعوا عنه من خراجه فسمى الغلة خراجا وقال الأزهري الخراج اسم لما يخرج من الفرائض في الأموال ويقطع على القرية وعلى مال الفيء ويقع على الجزية على الغلة والخراج المصدر انتهى والجزية تسمى خراجا وقد كتب النبي
_________
(١) المؤمنون ٧٢.
(٢) الكهف ٩٤.
(٣) هو في السنن باسناد حسن.
1 / 9
ﷺ إلى قيصر كتابا مع دحية يخبره بين إحدى ثلاث منها أن يقر له بخراج يجري عليه والحديث في مسند الامام أحمد وغيره.
1 / 10
الباب الثاني: فيما ورد في السنة من ذكر الخراج قد وردت أحاديث تدل على وقوعه
تقريره في صحيح مسلم من طريق اسماعيل (١) عن أبيه عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "منعت العراق درهمها وقفيزها ومنعت الشام مديها ودينارها ومنعت مصر أردبها ودينارها وعدتم من حيث بدأتم وعدتم من حيث بدأتم وعدتم من حيث بدأتم شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه". وروى أبو اسحق الفزاري في كتاب السير له عن الأوزاعي عن عروة ابن رويم قال: جاء نفر إلى النبي ﷺ فقالوا: يا رسول الله إنا كنا حديثي عهد بجاهلية فكنا نصيب من الايتام والربا فأردنا أن نحبس أنفسنا في بيوت نعبد الله حتى نموت قال: فسر بذلك رسول الله ﷺ ثم قال: "إنكم ستجندون أجنادا ويكون لكم ذمة وخراج وستفتح لكم أرضون على سيف البحر منها مدائن وقصور فمن أدرك ذلك منكم فاستطاع أن يحبس نفسه في مدينة من تلك المدائن أو قصر من تلك القصور حتى يموت فليفعل". وكذلك رواه عمر بن عبد الواحد في مسائله عن الاوزاعي به وهو مرسل (٢).
_________
(١) كذا بالاصل والصواب كما في الصحيح سهيل وهو ابن أبي صالح.
(٢) وصله أبو حاتم في الوحدان وابو زرعة في مسند الشاميين والبغوي في معجم الصحابة وابن عساكر في التاريخ من طريق عروة بن رؤيم عن شيخ من جرش عن سليمان رجل من الصحابة به.
1 / 11
وجاءت أحاديث آخر تدل على كراهة الدخول فيه قال أبو داود في سننه باب في الدخول في أرض الخراج حدثنا هارون بن محمد بن بكار ابن بلال حدثنا محمد بن عيسى يعني ابن سميع حدثنا زيد بن واقد حدثني أبو عبد الله عن معاذ أنه قال: "من عقد الجزية في عنقه فقد برىء مما عليه رسول الله ﷺ". هذا موقوف وأبو عبد الله لا يعرف.
وأخرجه أبو عبيد عن هشام بن عمار عن صدقة بن خالد عن زيد بن واقد قال: حدثني أبو عبد الله مسلم بن مشكم قال: "من عقد الجزية في عنقه فقد برىء مما عليه رسول الله ﷺ". هذه الرواية أصح وهي مرسلة وصدقة بن خالد أحفظ من ابن سميع ثم قال أبو داود حدثنا حيوة بن شريح الحضرمي حدثنا بقية حدثني عمارة بن أبي الشعثاء حدثني سنان بن قيس حدثني شبيب بن نعيم حدثني يزيد بن خمير حدثني أبو الدرداء قال قال رسول الله ﷺ: "من أخذ أرضا بجزيتها فقد استقال هجرته ومن نزع صغار كافر من عنقه فجعله في عنقه فقد ولى الاسلام ظهره". قال: فسمع مني خالد بن معدان هذا الحديث فقال لي أشبيب حدثك قلت نعم قال فإذا قدمت فسله أن يكتب لي: بالحديث قال فكتبه له فلما قدمت سألني ابن معدان القرطاس فأعطيته فلما قرأه ترك ما في يده من الارض حين سمع ذلك قال أبو داود هذا يزيد بن خمير اليزني ليس هو صاحب شعبة انتهى ومراده أن يزيد بن خمير هذا غير الذي يروي عنه شعبة وهو كذلك ويزيد هذا يزني متقدم يحدث عنه بشير بن عبيدالله وغيره وشيخ شعبة يروي عنه صفوان بن عمرو ونحوه وشبيب بن نعيم الكلاعي يقال له أيضا شبيب بن أبي روح الوحاظي الحمصي يروي عنه حريز الرحبي وغيره ذكره ابن حبان في ثقاته وقال أبو داود شيوخ حريز كلهم ثقات وسنان بن قيس ويقال سيار ذكره ابن حبان في ثقاته
وروى عنه معاوية بن صالح أيضا وعمارة بن أبي الشعثاء وأخراج
1 / 12
هذا الحديث الحافظ أبو أحمد الحاكم في كتاب الكنى من طريق المعافي بن عمران عن أبي عبد الرحمن الشامي عن عمارة بن عثمان القرشي عن شبيب بن نعيم الكلاعي عن يزيد بن خمير عن أم الدرداء عن أبي الدرداء ﵁ عن النبي ﷺ بنحوه وقال هذا حديث منكر رواية من فوق المعافي الى يزيد بن خمير مجاهيل قال وأبو عبد الرحمن خليق أن يكون محمد بن قيس المصلوب والله أعلم وفي هذا الاسناد مخالفة لرواية بقية التي أخرجها أبو داود وفيه زيادة أم الدرداء.
وفيه حديث آخر من رواية نصير بن محمد الرازي صاحب ابن المبارك عن عثمان بن زائدة عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك ﵁ رفعه قال: "من أقر بالخراج وهو قادر على أن لا يقر به فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا". قال ابن أبي حاتم حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل قال سألت أبي عن هذا الحديث فقال هذا حديث منكر ما سمعنا بهذا وقال ابن أبي حاتم وقال أبي هذا حديث باطل لا أصل له وقال الميموني كتبت الى أحمد أسأله عن هذا الحديث فأتاني الجواب ما سمعنا بهذا هو حديث منكر.
وقد روي عن ابن عمر ﵄ أنه كان يكره الدخول في الخراج (١) وإنما كان الخراج في عهد عمر ﵁ ونقل صالح في مسائله عن أبيه نحو هذا الكلام وخرج هذا الحديث يحيى بن آدم في كتابه عن عبيد الله الاشجعي عن سفيان الثوري عن الزبير بن عدي عن رجل من جهينة عن النبي ﷺ وهذا أشبه والجهني مجهول لا يعرف.
_________
(١) رواه يحيى بن ادم في كتاب الخراج.
1 / 13
الباب الثالث: في أصل وضع الخراج وأول من وضعه في الاسلام
ذكروا أن سواد العراق كان الخراج موضوعا عليه قبل الاسلام في زمن ملوك الفرس فذكر يحيى بن آدم في كتاب الخراج عن الحسن بن صالح قال: سوادنا هذا يعني سواد الكوفة سمعنا أنه كان في أيدي النبط فظهر عليهم أهل فارس فكانوا يؤدون اليهم الخراج فلما ظهر المسلمون على أهل فارس تركوا السواد ومن لم يقاتلهم من النبط والدهاقين على حالهم ووضعوا الجزية على رؤس الرجال ومسحوا عليهم ما كان في أيديهم من الارض ووضعوا عليها الخراج وقبضوا على كل أرض ليست في يد أحد فكانت صوافى إلى الامام قال الناصري من أصحابنا في كتاب المستوعب ذكر شيخنا في شرحه يعني أبا حكيم النهرواني أنه وجد في بعض الكتب عن أبي الحسين اسحاق بن يحيى بن شريح أن السواد كان في القديم علىالمقاسمة وأول من نقله من المقاسمة الى الخراج قباز بن فيروز وكان سبب نقله من المقاسمة الى الخراج أن كسرى قباز بن فيروز ركب في بعض الايام للتصيد فانفرد عن أصحابه في طلب طريدة فأشرف على بستان فيه ثمرة وامرأة تخبز ومعها ابن لها فكان الصبي كلما هم بأخذ شيء من الثمرة من البسان تركت خبزها ومنعته من تناول شيء من الثمرة فناداها كسرى قباز لم منعت الصبي من ذلك؟ فقالت: إنها مقاسمة للملك فيها حق ولم يأت عامله ليقبضه فرق لها قباز وأمر باطلاق
1 / 15
الغلات والثمار لأهل السواد ووضع على ذلك المسايح وألزم أهلها الخراج.
ولم يزل السواد على المساحة والخراج الى أن زال ملك الاكاسرة عنه وافتتحه عمر ﵁ على يد سعد بن أبي وقاص ﵁ وقد تقدم قول الامام أحمد ﵁ إنما كان الخراج على عهد عمر ﵁ يعني أنه لم يكن في الاسلام قبل خلافة عمر ﵁ ولا ريب أن عمر ﵁ وضع الخراج على أرض السواد ولم يقسمها بين الغانمين وكذلك غيرها من أراضي العنوة.
وذكر أبو عبيد أن علي بن أبي طالب ﵁ ومعاذ بن جبل أشارا على عمر ﵃ بذلك.
وروي من طريق اسرائيل عن أبي سحاق عن حارثة بن مضرب عن عمر ﵁ أنه أراد أن يقسم السواد بين المسلمين فأمر أن يحصوا فوجد الرجل نصيبه ثلاثة من الفلاحين فشاور في ذلك فقال له علي ابن أبي طالب دعهم يكونوا مادة للمسلمين فتركهم وبعث عليهم عثمان ابن حنيف فوضع عليهم ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين واثنى عشر (١).
ومن طريق يحيى بن حمزة حدثني تميم بن عطية العنسي أخبرني عبد الله بن قيس قال: قدم عمر ﵁ الجابية فأراد قسم الأرض بين المسلمين فقال معاذ ﵁ إذن والله ليكونن ما تكره إنك إن قسمتها اليوم صار الريع العظيم في أيدي القوم ثم يبيدون فيصير ذلك الى الرجل الواحد أو المرأة ثم يأتي من بعدهم قوم يسدون في الاسلام مسدا وهم لا يجدون شيئا فانظر أمرا يسع أولهم وآخرهم وفي رواية أخرى له قال فصار عمر الى قول معاذ ﵄.
_________
(١) يعني درهما كما رواية البهقي من طريق محمد بن عبيد الله الثقفي.
1 / 16
وروي أبو زرعة الدمشقي وأخرجه من طريقه الحافظ أبو القاسم ابن عساكر عن هشام بن حماد عن الوليد بن مسلم عن تميم بن عطية حدثني عبد الله بن قيس الهمداني قال: كنت فيمن يلقي عمر بن الخطاب ﵁ مقدمة من الشام والجابية يريد قسم ما فتحناه من الأرضين قال فتلقيناه خلف أذرعات مع أبي عبيدة ﵁ فذكر الحديث وقال فيه فمضى عمر ﵁ حتى نزل الجابية فذكر عمر ﵁ قسم الأرضين فأشار عليه معاذ بن جبل ﵁ بايقافها فأجابه عمر ﵁ الى ايقافها وعبد الله بن قيس قال أحمد ثقة وقال أبو حاتم صالح وتميم بن عطية قال أبو حاتم محله الصدق.
قلت أما ما أشار به معاذ ﵁ فهو وضع الخراج على الأرض وتركها فيأ للمسلمين وأما ما أشار به علي ﵁ فإنما هو في رقاب الأسارى ولذلك بعث عثمان بن حنيف فوضع عليهم الجزية.
وقد جاء ذلك صريحا في رواية أخرى فرواه الحسن بن زياد اللؤلؤي في كتاب الخراج له عن اسرائيل باسناده المتقدم (١) ولفظه أنا عمر ﵁ لما افتتح السواد أراد أن يقسم رؤس الرجال بين المسلمين وذكر بقية الحديث وقال في آخره: بعث عثمان بن حنيف فوضع على رؤس الرجال من أهل السواد علىالموسر منهم ثمانية وأربعين درهما وعلى المقتصد أربعة وعشرين وعلى الدون احدى عشر درهما وجعل ذلك جزية عليهم يؤدونها في كل عام وقد روي أن عمر
_________
(١) يعني عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب أن عمر لما افتتح السواد الخ.
1 / 17
﵁ خيرهم بين الاسلام والجزية فاختاروا الجزية فلم يضرب الجزية عليهم بغير اختيارهم.
فروى يحيى بن آدم في كتاب الخراج حدثني محمد بن طلحة بن مصرف عن محمد بن المساور عن شيخ من قريش عن عمر بن الخطاب ﵁ أنه أتاه رؤساء السواد وفيهم ابن الرفيل فقالوا: يا أمير المؤمنين إنا قوم من أهل السواد وكان أهل فارس قد ظهروا علينا وأضروا بنا ففعلوا وفعلوا حتى ذكروا النساء فلما سمعنا بكم فرحنا بكم وأعجبنا ذلك فلم نرد كفكم عن شيء حتى أخرجتموهم عنا فبلغنا أنكم تريدون أن تسترقونا فقال عمر ر ضي الله عنه فالآن إن شئتم فالاسلام وإن شئتم فالجزية فاختاروا الجزية ولعل عمر ﵁ أراد قسمة الارض وأهلها جميعا ويدل عليه ما رواه الاعمش عن أبي اسحاق عن طلحة بن مصرف قال قسم عمر ﵁ السواد بين أهل الكوفة فأصاب كل رجل منهم ثلاثة فلاحين فقال له علي ﵁ فما يكون لمن بعدهم فتركهم أخرجه ابن أبي شيبة والاثرم.
وفي صحيح البخاري من رواية زيد بن أسلم عن ابيه أنه سمع عمر ابن الخطاب ﵁ يقول: أما والذي نفسي بيده لولا أن أترك آخر الناس بيانا ليس لهم شيء ما فتحت على قرية إلا قسمتها كما قسم النبي ﷺ خبير ولكني أتركها خزانة لهم يقتسمونها.
ولم يزل أمر السواد على الخراج الى دولة بني العباس فجعله المنصور مقاسمة حيث رخصت الاسعار فلم تف الغلات بخراجها وخرب السواد فجعله مقاسمة ثم تبعه على ذلك ابنه المهدي وجعله مقاسمة بالثلث فيما سقي بالدوالي وبالربع فيما سقي بالدواليب والنواضح.
1 / 18
الباب الرابع: فيما يوضع عليه الخراج من الأرضين وما لا يوضع
الأرض أما أن تكون للمسلمين أو للكفار فأماأرض المسلمين فهي قسمان: أحدهماأرض لها مالك معين من المسلمين وهي ما أحياها المسلمون من غير أرض العنوة أو ما أسلم أهلها عليها ولم يكن ضرب عليهم خراج قبل الاسلام فهذه لاخراج عليها وكذلك ما ملكها بعض المسلمين من الكفار ابتداء كأرض قاتلوا عليها الكفار وقسمها الامام بين الغانمين فكل هذه من أراضي المسلمين مملوكة لمن هي في يده ولا خراج على المسلم في خالص ملكه الذي لا حق لأحد فيه وهذا لا يعلم فيه خلاف ونص عليه الامام أحمد في: إحياء الموات وفيمن أسلم على أرض بيده ونقل حنبل عنه فيمن أسلم على شيء فهو له ويؤخذ منه خراج الارض قال القاضي: هذا محمول على أنه كان في يده أرض من أرض الخراج فلا يسقط خراجها بإسلامه.
وفي مسائل حرب قال احمد مرة: أرض الصلح هي خراج قيل: كيف قال الرجل يكون في يده الأرض فيسلم ويصالح على أرضه؟! فهذا هو خراج قال حرب هذا عندي وهم ولا أدري كيف هذا لأن الرجل اذا لم يسلم وصالح على أرضه أخذ منه ما صالح عليه فإذا أسلم بعد الصلح فان أرضه عشر انما الخراج العنوة.
1 / 19
وقال لي أحمد مرة أخرى: أرض الصلح هي عشر كيف يؤخذ منها الخراج ولا أدري لعلي أنا لم أفهم عن أبي عبد الله القول الأول في أرض الصلح.
وسمعت أحمد مرة أخرى يقول: اذا فتح المسلمون الأرض عنوة فصارت فيأ لهم فهو خراج قال: وأرض العشر الرجل يسلم بنفسه من غير قتال وفي يده الأرض فهو عشر مثل المدينة ومكة.
وفي كتاب الخلال عن حرب ويعقوب بن بختان عن احمد في الذمي يسلم وله أرضون قال: يقوم بخراجها ويمكن تأويله على أنه كانت بيده أرض خراج كما تأول عليه القاضي رواية حنبل والله أعلم.
وذهب الحنفية الى أن من حيى مواتا في أرض الاسلام وسقاه من أرض الخراج أن عليه الخراج وهذا بنوه على أصلهم في أن الاعتبار في وجوب الخراج بالماء المسقي به لا بالارض.
القسم الثاني
أرض للمسلمين عموما ليس لها مالك معين فهذه التي يوضع عليها الخراج في الجملة وسواء كانت في أيدي المسلمين أو الكفار وأما أرض الكفار التي صالحونا على أنها لهم ولنا عليها الخراج فيثبت الخراج عليها أيضا بحسب ما صالحوا عليه وهذا كله مجمع عليه في الجملة لا يعلم فيه خلاف إلا أن يحيى بن آدم حكي في كتابه عن شريك أنه قال: إنما أرض الخراج ما كان صلحا على خراج يؤدونه الى المسلمين قال: وأما السواد فانه أخذ عنوة فهو فيء ولكنهم تركوا فيه ووضع عليهم شيء وليس بالخراج وكأن مأخذه في ذلك والله أعلم أن الخراج ما وضع على الكفار على وجه الصغار عليهم والذلة وهذا انما يكون فيما وضع على
1 / 20
أرضهم بسبب الكفر كالجزية الموضوعة على رؤسهم بسبب الكفر وسمى الجزية خراجا كما سبق ذكره بخلاف ما وضع على أرض المسلمين فانه ليس موضوعا على وجه الصغار وانما هو في الحقيقة كالاجرة له وهذا نزاع لفظي لا يترتب عليه حكم شرعي ويحتاج ههنا الى الكلام على مسألتين:
أحداهما الارض التي لعموم المسلمين نوعان: أحدهما أرض الفيء وهي ما لم يتعلق حق مسلم معين بها ابتداء كأرض هرب أهلها من الكفار واستولى المسلمون عليها فهذه فيء.
وأرض من مات من الكفار ولا وارث له فانها فيء عند الشافعي واحمد في المشهور عنه وكذا عند أبي حنيفة وأصحابه إلا أنهم جعلوها مصروفة في مصالخ خاصة وعند مالك والنخعي ماله لأهل ملته ودينه وعن احمد نحوه.
واختلف العلماء في حكم أرض الفيء هل تصير وقفا بمجرد انتقالها الى المسلمين أم لا؟ نص الشافعي أنها تصير وقفا ما عدا الخمس لأن الفيء عنده يخمس واختلف أصحابه على طريقين:
أحدهما أن يصير هذا بالوقفية على قوله أن مصرف الفيء المصالح فأماعلى قوله انه للمقاتلة فيجب قسمتها بينهم.
والثاني أنه وقف على القولين جميعا لكن ان قلنا مصرف الفي المصالح صرفت غلة هذه الأرض في المصالح وان قلنا المقاتلة خاصة صرفت الغلة في مصالحهم.
واختلف أصحابنا هل تصير أرض الفي وقفا بمجرد استيلاء المسلمين عليها أم لا على وجهين:
فمنهم من حكى هذا لخلاف في الارض التي جلى أهلها عنها خاصة
1 / 21
كأبي الخطاب ومن تبعه ومنهم من حكاه في أرض من مات ولا وارث له خاصة كالقاضي في الاحكام السلطانية وجعل حكمها حكم أرض العنوة على ما سيأتي ان شاء الله تعالى.
وذكر أن الامام له أن يصطفي لبيت المال من مال الغانمين باستطابة نفوسهم أو بحق الخمس ويكون ملكا لجميع المسلمين أو لأهل الخمس فان شاء الامام؟ استغله ومنهم من حكى في الارض التي جلى عنها الكفار حتى تصير وقفا بمجرد ذلك أم لا تصير وقفا بدون وقف الامام روايتين ولم يحك في أرض بيت المال الموروثة أنها لا تصير وقفا بدون وقف الامام كصاحب المحرر والمنصوص عن أحمد في ذلك ما نقله عنه صالح وأبو الحارث قال: كل أرض جلي عنها أهلها بغير قتال فهي فيء.
ونقل عنه المروزي انه قال: الأرض الميتة اذا كانت لم تملك فان ملكت فهي فيء للمسلمين مثل من مات وترك مالا لا يعرف له وارث والقاضي يتأول قول أحمد أنها فيء بأن المراد أنها وقف وظاهر كلام احمد يأبى ذلك ويدل على أنها مملوكة لعموم المسلمين.
ومن الأصحاب من جعل أرض العنوه المضروب عليها كذلك كما سنذكره ان شاء الله تعالى.
وإذا قلنا لا تصير وقفا بدون وقف الامام فحكمها قبل ذلك حكم مال الفيء المنقول صرح به صاحب المحرر وكذا ذكره القاضي في الأحكام السلطانية في أرض بيت المال الموروثة دون الارض التي اصطفاها الامام لبيت المال فانه جعلها كالوقف المؤبد وفي ذلك نظر.
وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه أمر أن يزارع أرض الصوافي بجزء معلوم فان لم يوجد من يزارع عليها فلتمنح فان لم يوجد من يأخذها أنفق عليها من بيت المال ولا تبور أخرجه يحيى بن آدم.
1 / 22
ونقل يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح في جميع هذه الأراضي أن أمرها إلى الامام فان شاء أقام فيها من يعمرها ويؤدي الى بيت مال المسلمين عنها شيئا ويكون الفضل له وان شاء أنفق عليها من بيت المال واستأجر من يقوم فيها ويكون فضلها للمسلمين وإن شاء أقطعها رجلا ممن له غناء عن المسلمين.
وقد روي عن عمر ﵁ ما يدل على أنه جعلها كأرض العنوة في التخيير سواء.
قال الأثرم: حدثنا عفان حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا أبو طلق حدثني أبو حنظلة بن نعيم أن سعدا كتب إلى عمر ﵁ إنا أخذنا أرضا لم يقاتلنا أهلها فكتب اليه عمر ﵁ إن شئتم أن تقسموها بينكم فاقسموها وإن شئتم أن تدعوها فيعمرها أهلها فمن جاء منكم بعد ذلك كان له فيها نصيب فإني أخاف أن تشاحنوا فيها وفي شربها فيقتل بعضكم بعضا.
ورورى الحسن بن زياد في كتاب الخراج عن الحسن بن عمارة عن محمد بن عبيد الله وعبد الرحمن بن سابط عن يعلى بن أمية أن عمر ﵁. استعمله على نجران وأوصاه أيما أرض جلي عنها أهلها فادفع الأرض وما فيها من النخيل والشجر إلى من يعملها ويقوم عليها على أن ما كان يسقى سيحا أو تسقيها السماء فلهم الثلث وللمسلمين الثلثان وما كان يسقى بغرب فلهم الثلثان وللمسلمين الثلث واسناده ضعيف جدا (١).
النوع الثاني: ما تعلق به ابتداء حق مسلم معين وهي أرض العنوة
_________
(١) لأن الحسن ين عمارة رما ابن المديني بالوضع وقال مسلم متروك.
1 / 23
التي قوتل الكفار عليها واخذت منهم قهرا فاختلف العلماء قديما وحديثا في حكم هذه الارض اختلافا كبيرا وحاصله يرجع الى أقول ثلاثة:
أحدهما أنه يتعين قسمتها بين الغانمين بعد اخراج الخمس منها كما تقسم المنقولات وهذا قول الشافعي وحكاه ابن المنذر عن أبي ثور واختاره وحكاه الخلال في كتاب الاموال رواية عن أحمد من رواية عبد الله عنه وإلى الآن لم نقف على نقل صريح عن أحد معين قبل الشافعي بهذا القول إلا أن يحيى بن آدم حكاه عن قائل لم يسمه وحكاه أحمد عن أهل المدينة وأما ما روي عن الزبير ﵁ من طلب قسمة أرض مصر وعن بلال ﵁ من طلب قسمة أرض الشام فذاك إنما يدل على جواز قسمته لا على أنه لا يجوز غير ذلك ولهذا لما أبى عمر ﵁ عليهم القسمة لم ينكروا عليه ولا قال أحد منهم إن ذلك غير جائز (١) أو أنه مخالف لكتاب الله ﷿.
والقول الثاني أنها تصير فيأ للمسلمين بمجرد الاستيلاء عليها لا يملكها الغانمون ولا يجوز قسمتها عليهم وهذا قول مالك وأصحابه وهو رواية عن أحمد واختاره أبو بكر من أصحابنا قال أحمد في رواية حنبل ما كان عنوة كان المسلمون فيه شرعا واحدا وعمر ترك السواد لذلك ومما روي عنه أن أرض العنوة فيء من السلف الحسن البصري وعطاء بن السائب وشريك بن عبد الله النخعي والحسن بن صالح ويحيى بن آدم لكنه مع ذلك قال يتخير الامام بين قسمتها وتركها ولعل من قبله يقول كذلك الا مالكا فانه منع القسمة.
القول الثالث: أن الإمام يخير بين الأمرين إن شاء قسمها بين
_________
(١) إلا بلالا ومعاذا واتباعهما فانهم نازعوه في أرض الشام وراجعوه حتى دعا عليهم عمر فماتوا والقصة باسنادها في الأموال وسنن البهقي.
1 / 24