قال العماد الأصبهاني:
(إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابا في يومه إلا قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد هذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو زيد هذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر).
1 / 11
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
وبعد فإن علم معرفة الصحابة علم جليل لا يعذر أحد ينسب إلى علم الحديث بجهله، لأن الصحابة هم حملة هذا الدين الأمناء إلى العالم، وهم الصورة الصادقة لهدي الرسول ﷺ، أخذوا على عواتقهم عبء تبليغ كل أقواله وأفعاله وتقريراته وصفاته، وشمائله ومعجزاته، فقاموا بهذه المهمة خير قيام.
ولما كانوا بهذه المكانة الرفيعة والمنزلة السامية، كانت معرفتهم من أشرف المعارف، بل ولزم على كل مسلم معرفة أخبارهم وفضائلهم للاقتداء بهم، وقد كان الصحابة معروفين بأشخاصهم فى العصر الأول، ثم احتاجت الأمة إلى تدوين أسمائهم، وتقصي أخبارهم، ودراسة تراجمهم دراسة فاحصة، في مصنفات جامعة بعد أن كثرت الروايات عنهم، وتميزوا في المرويات الموثقة من صحاح كتب السيرة والمغازي.
لذلك عني العلماء بتجريد أسمائهم والتأليف فيهم عصرا بعد عصر وطبقة بعد طبقة، بل إن المصنفين في علم مصطلح الحديث تعدوا التجريد إلى
1 / 13
تخصيص أبواب في كتبهم للحديث عن ما سموه: «علم معرفة الصحابة» رضوان الله عليهم أجمعين، مثل صنيع أبي عمرو ابن الصلاح-﵀ في مقدمته، وغيره.
ومع وفرة المصادر وتتابع التأليف في حياتهم، فإن المؤلفين استدركوا فوات من سبقهم، هذه العملية التي بدأت منذ القرن الثاني الهجري، واستمرت إلى عصر ابن حجر، وكان هذا العمل إما استقلالا في مصنفات ومعاجم مفردة، وإما اشتراكا في كتب الطبقات والتاريخ.
ومن الذين تصدوا للتصنيف في تراجم الصحابة عالم الأندلس وفقيهها أبو عمر ابن عبد البر القرطبي في كتابه"الاستيعاب في معرفة الأصحاب"، ولا يخفى على كل مهتم بالدراسات الإسلامية ما تبوأه هذا الكتاب من المنزلة الرفيعة بين كتب الصحابة، فقد حمله الحفاظ والعلماء، وعكفوا عليه بالدراسة والتذييل والتمحيص والاختصار والاستدراك، وكان من بين هذه الاستدراكات مستدرك الحافظ أبي إسحاق إبراهيم بن يحيى بن سعيد المعروف بابن الأمين القرطبي المتوفى سنة ٥٤٤ هـ، موضوع الدراسة والتحقيق في هذا البحث.
دوافع البحث:
لقد أخذ مني اختيار موضوع البحث وقتا ليس بالقصير، اقترحت فيه العديد من المواضيع المتعلقة في الغالب بعلوم الحديث وعلم الرجال، حتى استقر الرأي على استدراك ابن الأمين القرطبي، ووافق عليه أستاذيّ المشرفين، فوقع في نفسي موقع القبول، وانشرح صدري لهذا انشراحا كبيرا، وزاد سروري حين زودني شيخي الجليل الدكتور محمد الراوندي بنسخة منه لأطلع عليه.
كانت جملة من البواعث وراء اختياري هذا الموضوع، منها:
1 / 14
*شغفي بسنة النبي ﷺ وسيرته، والتي يعتبر الصحابة رجال عصر المبعث، وشهود أحداثه أهم مرجع فيها.
*الرغبة في الإسهام بالدراسة والتحقيق والنشر للتراث الإسلامي عامة، والأندلسي خاصة، وهذا أقل ما يفرضه علينا الواجب اتجاه هذا التراث الذي فيه بناؤنا الذاتي والفكري، والذي هو جزء من حضارتنا الإسلامية المجيدة، وفي تحقيقه وتوثيقه وإخراجه إلى الوجود ربط للحاضر بالماضي، واستحضار للأصالة والحضارة والتاريخ.
*أهمية شخصية ابن عبد البر العلمية، ومكانته بين علماء المشرق والمغرب، وما خلفه من إنتاج فكري خصب، غزير الفائدة خاصة كتابه في الصحابة الذي طبقت شهرته الآفاق، ولا يكاد يخلو معجم من معاجم الشيوخ من القرن الخامس الهجري إلى القرن الثاني عشر من النقول عنه.
*إضافة أثر من آثار الأندلسيين في علم السيرة النبوية، خاصة إذا علمنا أن كتاب ابن الأمين هو الأثر الوحيد الذي احتفظ لنا به التاريخ، والذي يبرز لنا مدى مساهمة المغاربة في علم الرجال عامة، وعلم الصحابة خاصة.
محتوى البحث:
لقد اقتضت طبيعة بحثي هذا أن أعقد له مقدمة، وبابين رئيسيين تتخللهما فصول ومباحث، فخاتمة وفهارس، مع لائحة للمصادر والمراجع المعتمدة.
فتناولت في المقدمة موضوع البحث، وأهدافه، ومنهجه، والصعوبات التي واجهتني، والشكر لكل من آزرني في هذا البحث.
وأما الباب الأول فقد قسمته إلى أربعة فصول: تحدثت في الفصل الأول عن حياة ابن الأمين: اسمه ونسبه ومولده وأسرته ونشأته وشيوخه وتلامذته ومكانته العلمية والثناء عليه ومؤلفاته ثم وفاته.
1 / 15
وخصصت الفصل الثاني للحديث عن كتاب الاستيعاب لابن عبد البر، فأبرزت أهميته في مجال التصنيف في الصحابة، ومنهج مؤلفه، ثم تطرقت للكلام عن المستدركات عليه مقتصرة على الأندلسية منها دون المشرقية، مراعية في ذلك التسلسل الزمني لأدرك ما زاده اللاحق عن السابق.
وأفردت الفصل الثالث لدراسة المخطوط فتناولت في مباحثه وصف الكتاب ودراسته، وفيه تحدثت عن توثيق نسبة الكتاب إلى صاحبه، ثم منهج المؤلف في الكتاب، وأهميته وإشعاعه في القرن السادس وما بعده، ومصادره فيه، وأوهام ابن الأمين التي نبه عليها العلماء، ووصف المخطوطة.
وفي الفصل الرابع بينت المنهج المتبع في تقديم كتاب الاستدراك، وتحقيقه، ودراسته، وتخريج أحاديثه.
وأما الباب الثاني فقد ضم النص المحقق مرتبا على حروف الهجاء.
وأداء للأمانة العلمية فقد أعقبت التحقيق بذكر الطرر الواردة في المخطوطة، وعملت ملحقا باستدراك ابن الأمين للصحابة الذين لم يأت ذكرهم في النسخة المحققة وذكرهم العلماء.
ثم ذيلت ذلك بخاتمة أو جزت فيها ما خرج به هذا العمل من نتائج.
صعوبات البحث:
ولقد واجهتني في بحثي بعض الصعوبات مردها إلى أمرين أساسيين:
*كون النسخة من الاستدراك فريدة، مما حرمني من مقومات التوثيق، ولا يخفى على كل مشتغل بتحقيق التراث مدى الصعوبة التي يعانيها الباحث في الاشتغال على نسخة وحيدة.
1 / 16
*اعتماد ابن الأمين على مصادر نادرة أو مفقودة وهي كثيرة جدا.
وأنا في كل ذلك أستلهم من الله العون والتوفيق فيمدني. بمدد منه وفيض كريم، وكلما ظننت أني قد رويت غلة النفس زاد ما بي من ظمأ إلى مزاولة هذا الجهد.
والمأمول أن يكون في هذا الجهد المتواضع ما يجلو شخصية أبي إسحاق إبراهيم بن يحيى المعروف بابن الأمين القرطبي، ويقدم كتابه الاستدراك أقرب إلى ما أراده له مؤلفه.
شكر وعرفان:
وأخيرا أرى من حق العلم، وأداء لأمانة الدرس أن أعلي شكري العميم ودعائي إلى جمهرة من ذوي الفضل والنبالة وأخص بالذكر منهم أبويّ الفاضلين وإخوتي، الذين أمدوني بأكثر مما أمكنهم من وقتهم وراحتهم، ودعمهم المادي والمعنوي، متعهم الله بالصحة والعافية والرحمة والرضوان، ثم لمشرفي الجليلين فضيلة العالمين القديرين: الدكتور إبراهيم بن صديق والدكتور معمر نوري اللذين تفضلا مشكورين فرعيا هذا البحث المتواضع برحابة صدر وطلاقة وجه، ودلاني على أحسن طرق الخير في المسار العلمي، مع الإخلاص في التوجيه والنصيحة والحرص على مواكبة العمل في كل أطواره، شأنهما في ذلك شأن العلماء العاملين المخلصين لرسالتهم النبيلة رغم ظروفهما الصحية العصيبة، وإلى أسرتيهما اللتين كانتا تستقبلاني بكل حفاوة فجزاهما الله خير الجزاء، وإلى الدكتور القدير محمد الراوندي الذي كان له الفضل في إطلاعي على الكتاب، ثم في بعث همتي إلى تحقيقه ودراسته، فما أن أعارني الكتاب وتصفحته وقرأته علمت أنه من علي منة لا أنساها، بل أيقنت أنه آثرني بالخير كله وأي خير أكبر من كتاب فريد في بابه قد حوى
1 / 17
ذخيرة من ذخائر علم الشريعة، بل تجاوز فضله إلى بذل كل ما تطيقه أريحية عالم يعرف حق العلم، فكان يوجهني ويسدد آرائي كلما عن علي أمر من أمور البحث، وإلى شيخي الجليل الدكتور محمد يسف الذي لم يبخل علي يوما بأوقاته العزيزة وتوجيهاته السديدة، وشد أزري أكثر من مرة فله من الشكر أفضله ومن المنة أعظمها، وإلى الروح الطاهرة روح الفقيه الشيخ محمد المنوني أفسح الله له في رحاب الجنة وأقعده مقعد صدق عند مليك مقتدر، وأحسن جزاءه بقدر ما خدم التاريخ ونفع الناس بعلمه وجهده.
كما أود أن أعرب هنا عما أدين به من فضل لكل السادة الأجلاء الكرماء الذين أسعفوني بما تعذر علي التوصل إليه من معلومات عن المخطوطات، أو بما أسعفوني من مصورات منها وهم كثيرون يضيق المجال عن ذكر أسمائهم كلها.
الأستاذ الفاضل محمد علي موسى الذي كانت له يد فضلى في إمدادي بمصورتي نسخة التيمورية وهوامش الاستيعاب من معهد المخطوطات العربية، وإلى الحاج محمد الزيدي الذي تفضل بجلبها إلي، والدكتور الفاضل خالد الريان.
إلى القائمين على شؤون المكتبات في مركز جمعة الماجد وعلى رأسهم الدكتور الفاضل عبد الرحمن فرفور، ودار الكتب المصرية-المكتبة التيمورية-ومعهد المخطوطات لجامعة الدول العربية بالقاهرة، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض، وعارف حكمت بالمدينة المنورة، ووزارة التراث القومي والثقافة سلطنة عمان، والمكتبة الوطنية الجزائرية، ومكتبة الأسد بدمشق، ودار الكتب الوطنية بتونس، ومكتبة الإسكوريال، ومكتبة شستر بيتي بدبلن، ودار الكتب الوطنية بباريس، ومكتبات المملكة المغربية العامة منها والخاصة.
ويشهد الله مدى عجزي عن كفاء الشكر لبعض ما أسبغوا علي من فضل، فإليهم جميعا صادق الامتنان وخالص العرفان بالجميل، فكل فضل في إخراج
1 / 18
هذا الأثر فهو بعد الله لهم خالصا فجزاهم الله جزاء المحسنين من عباده، فهو وحده الكفيل أن يكلأهم بموصول نعمه وموفور كرمه.
وختاما آمل أن يكون في هذا الجهد المتواضع ما يجلو للقارئ استدراك ابن الأمين القرطبي، وأن أقدم كتابه على الوجه الذي أراده له مؤلفه، فإن كنت حزت قدرا من سداد وتوفيق فإنه من توفيق الله وتسديده، وإن كنت وهمت أو سهوت فشفيعي صدق النية وصحة العزيمة، وسبحان الله المتصف وحده بالجلال والكمال وعلى الله قصد السبيل.
1 / 19
الرموز المستخدمة في البحث
الصفحة الأولى من الورقة المخطوطة مثلا (ق ١١/أ)
الصفحة الثانية من الورقة المخطوطة مثلا (ق ١١/ب)
ت المتوفى مثلا الحاكم النيسابوري (ت ٤٠٥ هـ)
ج: الجزء
ص: الصفحة
خ: مخطوط
ط: ح: طبعة حجرية
ط: الطبعة
د: الدكتور
ذ: الأستاذ
ق: ورقة مخطوطة
هـ: هجرية
م: ميلادية
[] كلام أضفته أو صوبته في المتن
لحصر الآيات القرآنية
" "لحصر حديث أو اسم مؤلف
() لحصر أي كلام نقلته ولم أتصرف فيه.
1 / 20
الفصل الأول
ترجمة ابن الأمين القرطبي
* اسمه ونسبه ومولده
*أسرته
*نشأته ومحطات من حياته
*شيوخه
*تلامذته
*مكانته العلمية والثناء عليه
*مؤلفاته
*وفاته
1 / 21
توطئة
لم يسفر بحثي المستمر إلا عن كلمات يسيرة لا تشفي الغليل، هي كل ما حمل إلينا التاريخ عن شخصية أبي إسحاق إبراهيم بن يحيى القرطبي المعروف بابن الأمين (^١)، وتتمثل هذه الكلمات القليلة فيما سجله الضبي في «بغية الملتمس»، وما سطره ابن بشكوال في كتابه "الصلة في تاريخ علماء الأندلس"، وابن الأبار في كتابه "المعجم في أصحاب أبي علي الصدفي"، فهذه الكتب شحت عن البسط في تفاصيل سيرته بما يتناسب مع مكانته العلمية.
ولعل من أسباب إهمال تفاصيل حياة ابن الأمين، ضياع كتب الرجال الكثيرة بسبب النكبات المتتالية التي جرت على تلك البلاد وأبنائها.
وعليه، فإن المترجمين بعد ابن بشكوال ظلوا يدورون في فلك ما نقله هو، أو اختصره عمن سبقه، مما جعل حياة ابن الأمين الاجتماعية يلفها الغموض.
_________
(^١) مصادر ترجمته حسب الأقدمية: ابن بشكوال: الصلة في تاريخ علماء الأندلس ١/ ١٠٠ ت ٢٢٧. الضبي: بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس علمائها وأمرائها وشعرائها وذوي النباهة فيها ممن دخل إليها وخرج عنها ١/ ٢٧٨ ت ٥٣٥. ابن الأبار: المعجم في أصحاب أبي علي الصدفي ص:٧٠ - ٧١ ت ٤٩. السخاوي: الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ص:٩٣. عمر رضا كحالة: معجم المؤلفين ١/ ٨١ ت ٦٠٦. الزركلي: الأعلام قاموس لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستغربين والمستشرقين ١/ ٧٤. الكتاني: الرسالة المستطرفة لمشهور كتب السنة المشرفة ص:٢٠٣. الدكتور محمد يسف: المصنفات المغربية في السيرة ومصنفوها ٢/ ٦٤.
1 / 23
اسمه ونسبه ومولده
الإمام الحافظ إبراهيم بن يحيى بن إبراهيم بن سعيد يعرف بابن الأمين، يكنى أبا إسحاق، من أهل قرطبة، وأصله من طليطلة (^٢).
أما عن تاريخ ولادته، فقد انفرد ابن بشكوال بذكره، قال ابن بشكوال:
(ومولده سنة تسع وثمانين وأربعمائة) (^٣).
أسرته
لم تسعفنا المصادر بأي ذكر لأسرته، سوى ما انفرد ابن عبد الملك المراكشي في"التكملة لكتاب الصلة"بالترجمة لأبيه وعمه، فأفادنا أن والد أبي إسحاق ابن الأمين أخذ العلم عن أبي الوليد العتبي وغيره من مشيخة قرطبة، وكانت له عناية باللغة وشرح الحديث، وتوفي سنة ٥٢١ هـ (^٤)، وأن عمه محمد بن إبراهيم ابن يحيى بن سعيد كان مقدما في علم الفرائض والعدد والمساحة، وتوفي سنة ٥٣٩ هـ (^٥).
ولعل في إمامته. بمسجد عبيد الله بن أدهم-التي تأتي الإشارة إليها-دلالة على أنه كان متزوجا لأنه لم يكن مستحبا في المذهب المالكي أن يؤم القوم العزب.
نشأته ومحطات من حياته
أحجمت المصادر عن التطرق لنشأة ابن الأمين، وحالته الاجتماعية واكتفت بالإشارة إلى بعض المحطات التي مر بها في حياته منها: ما قاله ابن
_________
(^٢) الضبي: بغية الملتمس ١/ ٢٧٨ ت ٥٣٥.
(^٣) ابن بشكوال: الصلة ١/ ١٠٠ ت ٢٢٧.
(^٤) ابن عبد الملك المراكشي: التكملة لكتاب الصلة ٤/ ١٦٨ ت ٤٩٦.
(^٥) ابن عبد الملك المراكشي: التكملة لكتاب الصلة ١/ ٣٦١ ت ١٢٨٥.
1 / 24
الأبار في المعجم: (وكان يؤم في صلاة الفريضة بمسجد عبيد الله بن أدهم، وامتحن في الفتنة بقرطبة، إذ دخلها المصامدة بعد ثورة أبي جعفر ابن حمدين فيها، فنجا من القتل، ويقال: إنه فر أمام طالبه، فرمى بنفسه من سطح يقدر أنه يقع في أسفل دار ينجيه، فتردى في بئر من مهواه من السطح، وعلى ذلك أمكنه الخلاص، فانتقل إلى لبلة، وسكنها برهة) (^٦).
شيوخه
إن المصادر التي بين أيدينا لا تعطينا نظرة ولو وجيزة عن نشأته، وعن بيئته، ولا أي شيء عن رحلاته العلمية، ولكن ما ذكره عنه ابن بشكوال نفترض عدم رحلته لأنه صاحبه وملازمه ولم يشر إلى ذلك.
وهكذا فإن شيوخه الذين تلقى عنهم العلم من مشيخة الأندلس قد عدهم ابن الأبار في"المعجم في أصحاب أبي علي الصدفي"قال: (له رواية عن أبي محمد ابن عتاب، وأبي الوليد ابن طريف، وأبي القاسم ابن صواب، وأبي الوليد ابن رشد، وأبي الحسن ابن مغيث (^٧)، وغيرهم من مشيخة بلده، وسمع من أبي بكر ابن العربي هنالك، وكتب إليه أبو علي) (^٨)، أما ابن بشكوال فقال:
(روى عن جماعة من شيوخنا، وأكثر عنهم) (^٩).
من خلال نص ابن الأبار وذكره لأسماء شيوخه، يتبين لنا أن ابن الأمين سمع على الأعيان من شيوخ الوقت بالأندلس، وأنهم كانوا من الحفاظ الأئمة. فابن عتاب القرطبي الحافظ الفقيه من أعيان أصحاب أبي عمر ابن عبد البر، وأبو الوليد ابن طريف من الأدباء النحويين، واللغويين البلغاء، وأبو
_________
(^٦) ابن الأبار: المعجم ص:٧٠ - ٧١ ت ٤٩.
(^٧) تصحفت"مغيث"إلى"عفيف".
(^٨) ابن الأبار: المعجم ص:٧٠ ت ٤٩.
(^٩) ابن بشكوال: الصلة ١/ ١٠٠ ت ٢٢٧.
1 / 25
القاسم ابن صواب عارف بالقراءات ورواياتها وطرقها، وأبو الوليد ابن رشد القرطبي قاضي الجماعة ومفتيها، ومن أوعية العلم في وقته، والقاضي أبو بكر ابن العربي الإشبيلي فقيه مالكي أصولي حافظ، والقاضي الشهيد أبو علي الصدفي مجمع على حفظه وعلمه ونبله، أما ابن بشكوال الذي ذكر العبارة بإطلاق لم يسم من شيوخه أحدا غيره، حيث تدبج معه في الرواية قال:
(أخذت عنه، وأخذ عني) (^١٠)، ولعل سبب ذلك أنه كان صاحبه وملازمه فقد قال في ترجمته (صاحبنا)، وهذا يعني أنهما كانا يأخذان عن نفس الشيوخ، وناهيك بجلة شيوخ ابن بشكوال، فهم من كبار العلماء فقهاء، أدباء، محدثين. . .
إذن، تقدم لنا لائحة الشيوخ تصورا أوليا عن ابن الأمين من خلال انتقائه لشيوخه الذين درس عليهم، وبذلك نستطيع القول: إن ابن الأمين حاول التنويع في مصادر معرفته وإغنائها على يد علماء أجلاء تختلف مشارب تخصصاتهم، وهذا يبين مدى حرصه على اكتساب المعرفة من أصولها الحقيقة، وسأترجم لهؤلاء مراعية في ترتيبهم الترتيب الزمني لوفياتهم، حتى يتبين صحة ما قلناه.
أبو علي الصدفي (٤٥٠ هـ-٥١٤ هـ)
:
القاضي الشهير أبو علي الحسين بن محمد بن فيّرة المعروف بابن سكرة الصدفي السرقسطي الأندلسي (^١١)، عالم بالحديث وطرقه، وعلله وأسماء
_________
(^١٠) ابن بشكوال: الصلة ١/ ١٠٠ ت ٢٢٧.
(^١١) انظر ترجمته: ابن عطية: الفهرس ص:٧٤ - ٧٦ ت ٧، القاضي عياض: الغنية ص:١٩٢، ابن خير: فهرسة ما رواه عن شيوخه من الدواوين المصنفة في ضروب العلم وأنواع المعارف ٢/ ٥٦٢ و٥٨٤ و٥٩٠ و٥٩١ (تح: إبراهيم الأبياري)، ابن بشكوال: الصلة ١/ ٢٣٥ ت ٣٣٤، الضبي: بغية الملتمس ص:٣٥٣، الذهبي: تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعيان ص:٣٦٧ سنة ٥١٤ هـ ت ٧٠ وسير أعلام النبلاء ١٩/ ٣٧٦ - ٣٧٨ ت ٢١٨ والعبر في خبر من غبر ٤/ ٣٢ - ٣٤ سنة ٥١٤ هـ وتذكرة الحفاظ ٤/ ١٢٥٣ - ١٢٥٥ ت ١٠٥٩ والإعلام بوفيات الأعلام ص:٢١١ سنة ٥١٤ هـ، ابن فرحون: الديباج المذهب في أعيان علماء المذهب ١/ ٣٣٠ - ٣٣١، ابن الجزري: غاية النهاية في طبقات القراء ١/ ٢٥٠ ت ١١٣٨، ابن ناصر الدين-
1 / 26
رجاله، روى عن أبي الوليد الباجي، وأبي عمر ابن عبد البر، وسمع من أبي العباس العذري، وأبي عبد الله ابن سعدون القروي، وأبي عبد الله ابن المرابط، ورحل ولقي أبا بكر الطرطوشي، وأبا يعلى المالكي وأبا العباس الجرجاني، وأبا الفضل أحمد ابن خيرون، وطراد الزينبي، والحميدي، والشاشي، وأبا الحسن الخلعي والعديد من الشيوخ، جمعهم تلميذه القاضي عياض قال: (وقد جمعت شيوخه في كتاب"المعجم"الذي ضمنته ذكره وأخباره، وشيوخه وأخبارهم، وهو نحو مائتي شيخ). أخذ عنه ابن خصلة، وابن برطلة، وابن سعادة، وابن عطية، وأبو القاسم ابن الورد، وابن هذيل، وأبو جعفر ابن الباذش وغيرهم كثير، وأجاز ابن بشكوال، وأبا طاهر السّلفي. قال الذهبي في حقه: (وكان ذا دين وورع، وصون وإكباب على العلم، ويد طولى في الفقه) (^١٢)، ولم تذكر المصادر التي ترجمت له-فيما اطلعت عليه-من مؤلفات سوى ما أورده ابن خير في فهرسته ضمن مروياته قال: (فهرسته الشيخ الإمام الحافظ أبي علي حسين بن محمد بن فيره الصدفي ويعرف بابن سكرة ﵀، روايتي لها عن الشيخين الفقيهين الإمامين أبي الحسين عبد الملك بن محمد ابن هشام القيسي، وأبي محمد عبد الله بن أحمد بن سعيد العبدري، كلاهما عنه) (^١٣)، قال ابن الأبار في «المعجم في أصحاب أبي علي الصدفي»: (أخرج له شيخنا الحافظ أبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم الكلاعي سباعيات أبي علي الصدفي في ثلاثة أجزاء) (^١٤).
_________
(^١١) الدمشقي: توضيح المشتبه في ضبط أسماء الرواة وأنسابهم وألقابهم وكناهم ٥/ ١١٩، ابن حجر: تبصير المنتبه بتحرير المشتبه ٢/ ٦٨٥، السيوطي: طبقات الحفاظ ص:٤٥٥ ت ١٠٢٤، المقري: أزهار الرياض في أخبار عياض ٣/ ١٥١، حاجي خليفة: كشف الظنون ٢/ ١٧٣٠، ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب في أخبار من ذهب ٤/ ٤٣ سنة ٥١٤ هـ، القنوجي: التاج المكلل ص:٢٨٨ ت ٣١٩.
(^١٢) الذهبي: السير ١٩/ ٣٧٦ ت ٢١٨.
(^١٣) ابن خير: الفهرسة ص:٣٨٣ رقم ١٢٢٧ (تح: محمد فؤاد منصور).
(^١٤) ابن الأبار: المعجم ص:٢٥.
1 / 27
أبو القاسم ابن صواب (ت ٥١٤ هـ):
خلف بن محمد بن عبد الله ابن صواب اللخمي، من أهل قرطبة، يكنى أبا القاسم (^١٥)، روى بقرطبة عن القاضي سراج بن عبد الله، وأبي عبد الله الطرفي المقرئ، وأبي محمد ابن شعيب المقرئ، وأبي مروان الطبني، وأبي محمد ابن البسكلاري وغيرهم كثير، وكان رجلا فاضلا ثقة فيما رواه، قديم الطلب للعلم. . .، وكان عارفا بالقراءات ورواياتها وطرقها، وكتب بخطه علما كثيرا ورواه، قال ابن بشكوال: (قرأت عليه وأجاز لي ما رواه، وسمع منه بعض شيوخنا وجلة أصحابنا، وكفّ بصره في آخر عمره، وعمر وأسن، ولم ألق في شيوخنا أسن منه، وتوفي ﵀ يوم الإثنين، ودفن يوم الثلاثاء بعد صلاة العصر لثلاث خلون من جمادى الأول سنة ٥١٤ هـ، ودفن بمقبرة أم سلمة، وصلى عليه قاضي الجماعة أبو الوليد ابن رشد ﵀، وكان مولده ضحوة يوم الخميس لثلاث بقين من محرم سنة ٤٢٤ هـ).
أبو محمد ابن عتاب (٤٣٣ هـ-٥٢٠ هـ)
الشيخ العلامة، المحدث، مسند الأندلس، عبد الرحمن بن محمد ابن عتاب ابن محسن القرطبي، يكنى أبا محمد (^١٦)، آخر الشيوخ الجلة الأكابر بالأندلس في علو الإسناد، وسعة الرواية كما قال ابن بشكوال (^١٧)، روى عن أبيه وأكثر عنه، وسمع منه معظم ما عنده، وهو كان الممسك لكتب أبيه للقارئين عليه، فكثرت لذلك روايته عنه، وروى عنه حاتم بن محمد الطرابلسي كثيرا من
_________
(^١٥) انظر ترجمته: ابن بشكوال: الصلة ١/ ٢٧٨ ت ٤٠٣.
(^١٦) انظر ترجمته: ابن عطية: الفهرس ص:٨٠ - ٨١ ت ٩، ابن خير: الفهرسة ٢/ ٥٩٤ (تح: إبراهيم الأبياري)، ابن بشكوال: الصلة ٢/ ٥١٢ - ٥١٣ ت ٧٥٣، الذهبي: السير ١٩/ ٥١٤ ت ٢٩٧، ابن فرحون: الديباج المذهب ١/ ٤٧٩، الداودي: طبقات المفسرين ١/ ٢٩١ ت ٦٢٩، ابن العماد: شذرات الذهب ٤/ ٦١ سنة ٥٢٠ هـ، البغدادي: إيضاح المكنون ٤/ ٥٠.
(^١٧) بن بشكوال: الصلة ١/ ٢٧٨ ت ٤٠٣.
1 / 28
روايته، وأجاز له سائرها، وأجاز له أيضا أبو عمر ابن عبد البر، وأبو عمر ابن الحذاء، كانت الرحلة إليه في وقته، روى عنه الحافظ أبو بكر ابن الجد، وعبد الحق ابن بونة، وأخوه محمد، وابن عراق، وابن عميرة، وابن عبادة وخلق، قال ابن بشكوال: (كان حافظا للقرآن العظيم، كثير التلاوة له، عارفا برواياته وطرقه، واقفا على كثير من تفسيره وغريبه ومعانيه، مع حفظ وافر من اللغة العربية، وتفقه عن أبيه، وشوور في الأحكام بعده بقية عمره، وكان صدرا فيمن يستفتى لسنه وتقدمه، وكانت الرحلة في وقته إليه، ومدار أهل الحديث عليه) (^١٨)، له تواليف حسنة مفيدة منها: كتاب حفيل في الزهد والرقائق سماه "شفاء الصدور"، وذكر له ابن بشكوال في كتابه"الغوامض والمبهمات"لأبي محمد ابن عتاب كتاب"موطأ ابن أبي ذئب" (^١٩). توفي سنة ٥٢٠ هـ، وقال ابن بشكوال: سنة ٥٣١ هـ.
أبو الوليد ابن طريف (٤٣٢ هـ-٥٢٠ هـ):
أحمد بن عبد الله بن أحمد ابن طريف بن سعد، من أهل قرطبة، يكنى أبا الوليد (^٢٠)، روى بقرطبة عن القاضي سراج بن عبد الله، وأبي عمر ابن القطان، وأبي عبد الله ابن عتاب، وأبي مروان ابن مالك، وأبي القاسم حاتم بن محمد، وأبي عمر ابن الحذاء القاضي، وأبي مروان الطبني، والقاضي أبي بكر ابن منظور، وأبي القاسم ابن عبد الوهاب المقرئ، وأبي مروان ابن سراج، وأبي مروان ابن حيان، وأجاز له أبو بكر محمد بن الوليد الأندلسي نزيل مصر مع أبيه، وأبو عمر ابن عبد البر، قال ابن بشكوال: (كان ﵀ شيخا أديبا، نحويا لغويا، كاتبا بليغا، كثير السماع من الشيوخ والاختلاف إليهم، والتكرر عليهم، ولم تكن له أصول، وكان حسن الخلق جيد العقل، كامل المروءة،
_________
(^١٨) ابن بشكوال: الصلة ٢/ ٥١٢ - ٥١٣ ت ٧٥٣.
(^١٩) ابن بشكوال: الغوامض والمبهمات ١/ ٦٨.
(^٢٠) انظر ترجمته: ابن بشكوال: الصلة ١/ ١٣١ - ١٣٢ ت ١٧٠.
1 / 29
جميل العشرة، بارا بإخوانه وأصحابه). وزاد أيضا: (سمع منه جماعة أصحابنا وبعض شيوخنا، واختلفت إليه كثيرا، وسمعت منه معظم ما عنده، وأجاز لي ما رواه غير مرة بخطه)، ذكر ابن بشكوال وفاته فقال: (توفي شيخنا أبو الوليد ﵀ يوم الجمعة في يوم السبت بعد صلاة العصر، بمقبرة أم سلمة آخر يوم من صفر سنة ٥٢٠ هـ، شهدت جنازته، وصلى عليه أبو القاسم ابن بقي، وقال لي غير مرة: مولدي يوم عيد الأضحى سنة ٤٣٢ هـ)، ولم يذكر له أي مؤلف، إلا ما ذكره ابن حجر في"الإصابة"في ترجمة سراج بن قرة بن ربعي قال: (ذكره أبو الوليد ابن طريف الكاتب في"أخبار عبد الملك ابن سراج") (^٢١).
أبو الوليد ابن رشد (٤٥٠ هـ-٥٢٠ هـ):
الإمام العلامة شيخ المالكية، قاضي الجماعة بقرطبة، محمد بن أحمد بن أحمد ابن رشد، أبو الوليد القرطبي المالكي (^٢٢)، تفقه عند أبي جعفر ابن رزوق، وروى عن أبي مروان ابن سراج، وأبي عبد الله ابن قدح، وأبي علي الغساني، ومحمد ابن فرج الطلاعي، ومحمد ابن خيرة، وأجاز له أبو العباس ابن دلهاث، قال ابن بشكوال: (كان فقيها عالما، حافظا للفقه، مقدما فيه على جميع أهل عصره، عارفا بالفتوى، بصيرا بأقوال أئمة المالكية، ناقدا في علم الفرائض والأصول، من أهل الرئاسة في العلم، والبراعة والفهم مع الدين والفضل، والوقار والحلم، والسمت الحسن، والهدي الصالح)، قال الحميدي: (ألف كتبا لم يسبق إليها، منها: كتاب"البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعليل"، وكتاب"المقدمات لأوائل كتاب المدونة"، "واختصار كتاب المبسوطة"، و"اختصار كتابي أبي جعفر الطحاوي").
_________
(^٢١) ابن حجر: الإصابة في معرفة الصحابة ٣/ ٣٧ ت ٣١٠٣ ق ١.
(^٢٢) انظر ترجمته: الحميدي: جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس ١/ ٢٥٤ - ٢٥٥ ت ٢٥٩، ابن بشكوال: الصلة ٣/ ٨٣٩ - ٨٤٠ ت ١٢٧٨، الضبي: بغية الملتمس ١/ ٧٤ ت ٢٤، الذهبي: السير ١٩/ ٥٠١ ت ٢٩٠، القنوجي: التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول ص:٢٩٨ - ٢٩٩ ت ٣٣٠.
1 / 30
قال في شأنه الحميدي: (كان واحد وقته جلالة وفضلا، وذكاء ونبلا، ونزاهة وحلما، ومعرفة وعلما)، وقال الذهبي: (سار في القضاء بأحسن سيرة، وأقوم طريقة، ثم استعفي منه فأعفي، ونشر كتبه، وكان الناس يعولون عليه ويلجأون إليه، وكان حسن الخلق، سهل اللقاء، كثير النفع لخاصته، جميل العشرة لهم، بارا بهم)، وزاد الذهبي قائلا: (روى عنه أبو الوليد ابن الدباغ فقال: كان أفقه أهل الأندلس، صنف شرح العتبية، فبلغ فيه الغاية).
أبو الحسن ابن مغيث (٤٤٧ هـ-٥٣٢ هـ):
الإمام العلامة الحافظ المفتي الكبير، أبو الحسن يونس بن محمد ابن مغيث بن الإمام المحدث يونس بن عبد الله بن محمد ابن مغيث القرطبي المالكي (^٢٣)، سمع بعد الستين من حاتم بن محمد، وأبي عمر ابن الحذاء، ومحمد بن محمد ابن بشير، وأبي مروان ابن سراج، وأبي عبد الله ابن منظور، ومحمد ابن سعدون القروي، وأبي جعفر ابن رزق، وأبي علي الغساني الحافظ. حدث عنه ابن بشكوال، ومحمد بن عبد الله ابن مفرج القنطري، ومحمد بن عبد الرحمن بن عبادة الجيّاني، ومحمد ابن عبد الرحيم ابن الفرس، وأبو محمد عبيد الله، وعبد الله بن طلحة المحاربي، وأبو القاسم ابن حبيش، وعبد الرحمن بن محمد ابن الشراط وآخرون.
قال ابن بشكوال: (وافر الأدب، قديم الطلب، نبيه البيت والحسب، جامعا للكتب، راوية للأخبار، أنيس المجالسة، فصيحا، مشاورا، بصيرا بالرجال وأزمانهم وثقاتهم، عارفا بعلماء الأندلس وملوكها، وسيرهم وأخبارهم، وكان بارا لمن قصده، مشاركا لمن عرفه، أخذ الناس عنه كثيرا، قرأت عليه، وأجاز لي)، وقال الذهبي في العبر: (أحد الأئمة بالأندلس، كان رأسا في الفقه، وفي الحديث، وفي الأنساب والأخبار، وفي علوم الإسناد).
_________
(^٢٣) انظر ترجمته: ابن بشكوال: الصلة ٣/ ٩٨٥ - ٩٨٦ ت ١٥٣٠، ابن الأبار: المعجم ص:٣٢٩ - ٣٣٠ ت ٣١٣، الذهبي: السير ٢٠/ ١٢٣ - ١٢٤ ت ٧٤ والعبر ٤/ ٩٠ سنة ٥٣٢ هـ والتذكرة ٤/ ١٢٧٧.
1 / 31
أبو بكر ابن العربي المعافري (٤٦٨ هـ-٥٤٣ هـ):
محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله أبو بكر ابن العربي المعافري (^٢٤) ولد بإشبيلية، وكان أبوه من أعيانها وفقهائها، روى عنه ابنه أبو بكر، ورحل معه إلى المشرق، وبه اشتركا في الشيوخ. وفي شيوخه كثرة، اعتنى بهم كثير من المحققين في مقدمات تحقيق كتبه (^٢٥).
أما تلامذته فقد أبلغ عددهم الدكتور العلوي المدغري ٢٥٤ تلميذ، وهو عدد ضئيل في مقابل الأربعين سنة التي قضاها في التدريس. وقد تفرغ ابن العربي للعلم والتأليف بعد عزله عن القضاء، فترك للمكتبة الأندلسية تراثا ضخما منها: "الناسخ والمنسوخ"، و"قانون التأويل"، و"القبس في شرح موطأ مالك" وغيرها، وتوفي سنة ٥٤٣ هـ.
أبو القاسم ابن بشكوال (٤٩٤ هـ-٥٧٨ هـ):
أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن موسى ابن بشكوال بن يوسف بن داحة الأنصاري الأندلسي من أهل قرطبة (^٢٦)، سمع أباه، وأبا محمد ابن عتاب فأكثر عنه، وهو أعلى شيخ له، وأبا بحر الأسدي، وأبا الوليد ابن
_________
(^٢٤) انظر ترجمته القاضي عياض: الغنية ص:٦٩ - ٧٢، الضبي: البغية ص:٦٨ - ٦٩، ابن بشكوال: الصلة ٣/ ٨٥٥ - ٨٥٧ ت ١٣٠٥، ابن خلكان: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ٤/ ٢٩٦ ت ٦٢٦، ابن فرحون: الديباج المذهب ٢/ ٢٥٤ - ٢٥٥.
(^٢٥) انظر مقدمة تحقيق العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي ﷺ ص ١٠ - ٢٤، ومقدمة الناسخ والمنسوخ ١/ ١٣ - ١٩٠.
(^٢٦) انظر ترجمته: ابن الأبار: التكملة ١/ ٥٤ ت ١٧٩، ابن خلكان: وفيات الأعيان ٢/ ٢٤٠ ت ٢١٧، الذهبي: السير ٢١/ ١٣٩ - ١٤١ ت ٧١ والتذكرة ٤/ ١٣٣٩ ت ١٠٩٧، ابن الزبير الغرناطي: صلة الصلة ٣/ ٢١ و٤/ ٨٣ و٥/ ٣٠٨، اليافعي: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان ٣/ ٤١٢ - ٤١٣ سنة ٥٧٨ هـ، ابن العماد: شذرات الذهب ٤/ ٢٦١ - ٢٦٢ سنة ٥٧٨ هـ، القنوجي: التاج المكلل ص:٤٣ ت ١٩، الكتاني: فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات ١/ ٢٤٤، ابن قنفذ: الوفيات ص:٢٩٠.
1 / 32