150

Issues in Which the Messenger of Allah Contradicted the People of Ignorance

مسائل خالف فيها رسول الله أهل الجاهلية

Genres

التبرك بذات النبي ﷺ وآثاره
إن الله جل في علاه خلق الخلق أجمعين وفرق بينهم، وأكرم الخلق على الله جل في علاه هو رسول الله ﷺ، وكفى ببركة النبي ﷺ عند ولادته أن أشرقت الدنيا بأسرها بشمس الإسلام، وأخرج الناس من ظلمات الشرك إلى أنوار التوحيد، وكفى بها بركة.
وهذا الذي فقهه أبو بكر ﵁ وأرضاه وذلك عندما هاجر معه، فقد كان ﵁ يتقدم أمامه ويتأخر خلفه، ويأتي عن يمينه ويأتي عن يساره، فسأله النبي ﷺ عن سبب فعله، فقال: أتذكر الطلب فأكون في الخلف، وأتذكر العدو من الأمام فأكون في الأمام وعن يمينك وعن يسارك، ثم قال: إن أنا مت فلا أعدو نفسي، وأما إذا قتل رسول الله ﷺ فإن الرسالة لن تبلغ للناس.
إذًا: فالبركة كل البركة مع رسول الله ﷺ في رسالته، وفي كلامه، وفي أفعاله، بل وفي نومه وفي استيقاظه ﷺ بأبي هو وأمي، فالصحابة رضوان الله عليهم، تبركوا بكل شيء يمس النبي ﷺ: بذاته، وأفعاله، وأقواله، كما ورد في الصحيح في صلح الحديبية: (ما تنخم رسول الله ﷺ نخامة فوقعت في يد أحدهم إلا دلك بها وجهه وجسده؛ تبركًا بأثر النبي ﷺ، وما توضأ النبي ﷺ وضوءًا إلا تزاحموا عليه؛ تبركًا بفضل وضوء النبي ﷺ.
وفي صحيح مسلم: (أن النبي ﷺ دخل على أم سليم فنام عندها فعرق، فأخذت الوسادة التي نام عليها النبي ﷺ فعصرتها، ففزع النبي ﷺ وقال: ما تفعلين؟ قالت: أتبرك بعرقك يا رسول) فأقرها على ذلك.
والقول الراجح في تفسير هذا الحديث ما ذكره النووي من أن أم سليم كانت من المحارم للنبي ﷺ من الرضاع، ولذلك كان النبي ﷺ يدخل عليها، فلما نام وعرق أخذت عرق النبي ﷺ تتبرك به، فالنبي ﷺ مدحها لذلك، وأخذ أنس ابنها منها من هذا العرق وكان يتبرك به، وجعل منه حنوطًا له عند موته، وأعطى أنس ثابت البناني من هذا العرق، فأخذ هذا العرق وجعله حنوطًا له، وأخذ أيوب من ثابت من هذا العرق؛ ليتبرك به.
وأيضًا من الأدلة على التبرك بآثار النبي ﷺ: أن النساء كن يأتين بالأطفال إلى الرسول ﷺ، فيأخذ التمرة ويمضغها ويضعها في فم الطفل ويحنكه، ويدعو له بالبركة، وكل ذلك تبركًا بآثار النبي ﷺ.
فإذا وجدنا أثرًا من آثار النبي ﷺ فإن لنا أن نتبرك به، وتحل علينا البركة بوجوده، ولذلك كان أحمد بن حنبل يحتفظ بشعرة من شعرات النبي ﷺ بأبي هو وأمي، وكان يضعها عند عينه.
إذًا: فقد كان الصحابة يتبركون بذات النبي ﷺ، وبأثر النبي ﷺ، وبدعاء النبي ﷺ، وبعرق النبي ﷺ، وكانوا يتبركون بثياب النبي ﷺ، فقد جاء في الحديث: (أن امرأة جاءت إلى النبي ﷺ ببردة منسوجة، فقالت: نسجتها بيدي لأكسوكها، فأخذها النبي ﷺ محتاجًا إليها، فخرج إلينا وإنها لإزاره، فقال فلان: اكسنيها ما أحسنها! فقال: نعم، فجلس النبي ﷺ في المجلس ثم رجع فطواها وأرسل بها إليه، فقال له القوم: ما أحسنت، لبسها النبي ﷺ محتاجًا إليها ثم سألته وعلمت أنه لا يرد سائلًا! فقال: إني والله ما سألته لألبسها، إنما سألته لتكون كفني، قال: فكانت كفنه) فهذا أراد أن يتبرك بتلك البردة.
وكذلك قصة ذلك الصحابي الذي طلب القصاص من النبي ﷺ، فقال ﷺ: (القصاص، فرفع عن ثوبه، فاحتضن ذلك الصحابي النبي ﷺ وقبل بطنه، فقال: ما حملك على ذلك؟ قال: يا رسول الله قد استوى الصفان وما أعلم متى سيكون موتي في هذه اللحظة أو في غيرها، فأردت أن يكون آخر عهد لي في هذه الدنيا أن أمس بطنك)، فما أفقه هذا الصحابي ﵁ وأرضاه! وأيضًا من الأدلة على التبرك بآثار النبي ﷺ: (أن النبي ﷺ أعطى أبا هريرة تمرات في وعاء أو جراب، وقال: يا أبا هريرة كل من هذه التمرات، لكن لا تحصها -يعني: لا تعدها- وكان الجراب معه في وسطه، فيقول: أبو هريرة ما جعت مرة إلا وأخذت الجراب فوضعت يدي فأخذت التمر وأكلت) يعني: بقي معه مليئًا بالتمر من أيام النبي ﷺ إلى خلافة عثمان، وما انتهى في خلافة عثمان، لكن ضاع منه ذلك الجراب، ولو بقي معه إلى ما أحياه الله جل في علاه لم ينفد.
وهذه عائشة ﵂ تقول: كان عندي شعير وكنت آخذ منه للأكل مرة بعد مرة ولم ينفد، تقول: فقلت إن هذا الشعير لا ينتهي! لأكيلن هذا الشعير، فلما كالت الشعير وأحصت هذا الشعير أحصي عليها، ونفد.
فهذه الأدلة كلها تدل على التبرك بآثار النبي ﷺ، وبأفعال النبي ﷺ.

14 / 12