لهفي عليك قضيت العمر مقتحما
في الوصل نارا وفي الهجران نيرانا
هذا وقد علق الشاعر خليل مطران على قصيدة «لواء الحسن» بقوله: «كانت الغزليات قبل الآن فيها ما يمس الآداب العمومية من ذكر القدود والنهود، والضم والعناق، ورقة الخصر وكثافة الردف. ولقد كان هذا من العام حتى في قصائد المديح للملوك والأمراء، وهو ما لا ترضاه الأذواق في هذه الأيام وينكره علينا أدباء الغرب. وقد سئل صاحب السعادة المفضال إسماعيل باشا صبري نظم أبيات تنقل إلى اللغة الفرنسوية، وتجعل في كتاب يؤلف الآن في مختار الشعر العربي قديمه وحديثه، فجادت قريحته الوقادة بهذه الأبيات التي جاءت على الطريقة الصوفية من حيث سمو الخيال، ونزاهة الشيمة، وغرابة الوضع، ولعلها أحسن ما جمع فيه بين الأسلوبين العربي والغربي في نظم الشعر.»
ولقد يكون من المبالغة القول بأن هذه المقطوعة قد جاءت على الطريقة الصوفية، ولكن هذه المبالغة لا تصل إلى حد المبالغة المضادة التي تريد أن تصف هذه المقطوعة بالرقاعة أو ما يشبهها، وهي بعد تجريدها من هذه المبالغة تنم عن حقيقة المقطوعة من حيث إنها لا تمت بصلة إلى الغزل الحسي، أو غزل الندماء والسكارى، كما تدل على أن التمسك بالبيت الذي يدعو فيه الشاعر الفتاة الملائكية لنزع الثوب لكي يسفر عن «تمثال مصوغ من ضياء» للحكم على هذه المقطوعة بالحسية الممجوجة تعسف بالغ، بل خطأ واضح تفضحه بقية معاني القصيدة التي تحدثنا عن الشعور الحقيقي للمعجبين بهذه الحسناء الملائكية التي كانت الصبوة تتعثر إزاءها بالحياء.
وأما عن تأثر إسماعيل صبري بالأدب الفرنسي، فقد حاول الدكتور محمد صبري تلمسه في بعض المعاني التي جاءت في شعره، ولكن مثل هذه الأبحاث لا بد أن تؤخذ بالحذر الشديد، وهي شبيهة بالبحث عن السرقات عند نقاد العرب القدماء ؛ فالشعراء يستقون من منابع متشابهة هي الإنسان والطبيعة وما خلف الطبيعة والمجتمع أحيانا، وكثيرا ما تتوارد الخواطر؛ ولذلك لا نستطيع الجزم بالأخذ عن الغير إلا عندما تكون الفكرة أو يكون الإحساس قد اتخذ قالبا تعبيريا أو تصويرا بيانيا يضع عليه الطابع الخاص لقائله؛ وبذلك نستطيع أن نجزم بملكيته الأدبية له. ولعلنا نستطيع أن نضرب لذلك مثلا بقول صبري:
أواه لو علم الشبا
ب وآه لو قدر المشيب!
فهذا المعنى بهذه الصياغة يكاد يكون ترجمة حرفية لمثل شعبي سائر في فرنسا هو:
Ah! Sixjeunesse savait, et si vieillesse pouvait!
وقد أشار الشارح صراحة إلى ذلك في تقديمه لهذه المقطوعة؛ حيث قال: «استوحى هذه الأبيات من المثل الفرنسوي الذي ترجمته: «ليت الشباب يعرف، وليت المشيب يقدر».» كما أشار الديوان إلى أن صبري قد استوحى مقطوعته عن الساعة ص188 من عبارة قرأها على عقرب إحدى ساعات كنيسة رمس بفرنسا؛ وهي: «كلهن جارحات والأخيرة القاتلة.» وفيها يشكو الساعات وتعاقبها عليه بما يكره.
Unknown page