ورأى الحنابلة: أنه يرجع في الأيمان إلى النية، أي نية الحالف، فإن نوى ما يحتمله اللفظ انصرفت يمينه إليه، سواء أكان ما نواه موافقًا لظاهر اللفظ أم مخالفًا له، لقول النبي ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى». فإن لم ينو شيئًا رجع إلى سبب اليمين وما هيَّجها أو أثارها لدلالته على النية. فإن حلف لا يأوي مع امرأته في هذه الدار، فإن كان سبب يمينه غيظًا من جهة الدار لضرر لحقه منها أو منَّة عليه بها، اختصت يمينه بها. وإن كان لغيظ لحقه من المرأة يقضي جفاءها، ولا أثر للدار فيها، تعلق ذلك بإيوائه معها في كل دار.
اليمين أمام القضاء: بينت سابقًا أن العبرة في الحلف أمام القضاء بنية القاضي المستحلف للخصم، لقوله ﷺ فيما رواه مسلم عن أبي هريرة ـ: «اليمين على نية المستحلف» وقد حمل هذا الحديث على الحاكم؛ لأنه الذي له ولاية الاستحلاف، فلو أخذ بنية الحالف، لبطلت فائدة الأيمان وضاعت الحقوق؛ إذ كل أحد يحلف على ما يقصد. فلو ورَّى الحالف في يمينه، بأن قصد خلاف ظاهر اللفظ عند تحليف القاضي، أو تأول، أي اعتقد خلاف نية القاضي، أو استثنى الحالف، كقوله عقب يمينه: (إن شاء الله) أو وصل باللفظ شرطًا، مثل: إن دخلت الدار، بحيث لا يسمع القاضي كلامه، لم يدفع ما ذكر إثم اليمين الفاجرة، فإن لم نحكم بالتأثيم ضاع المقصود من اليمين، وهو حصول الهيبة من الإقدام عليها.
واشترط الشافعية والحنابلة (١) شرطين في كون اليمين على نية المستحلف.
١ً - ألا يحلفه القاضي بالطلاق أو العتاق.
٢ً - ألا يكون القاضي ظالمًا أو جائرًا في طلب اليمين.
(١) مغني المحتاج: ٤٧٥/ ٤، كشاف القناع: ٢٤٢/ ٦.