89

Al-ḥaḍāra al-islāmiyya ususuha wa-wasāʾiluha wa-ṣuwar min taṭbīqāt al-muslimīn laha wa-lamaḥāt min taʾthīriha fī sāʾir al-umam

الحضارة الإسلامية أسسها ووسائلها وصور من تطبيقات المسلمين لها ولمحات من تأثيرها في سائر الأمم

Publisher

دار القلم

Edition Number

الأولى المستكملة لعناصر خطة الكتاب ١٤١٨هـ

Publication Year

١٩٩٨م

Publisher Location

دمشق

Genres

﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ .
أليس في هذه الآيات بيان واضح لفكرة الابتلاء الرباني للإنسان بالحسنات وبالسيئات، وبالضراء وبالسراء، وذلك لامتحان درجة صبر الإنسان ودرجة شكره لكل ما يأتيه من قبل الله مهما مر أو حلا؟
ومن أمثلة مصائب الابتلاء التي يتعرض لها أهل الطاعة ليبتلى الله بها صبراهم، فيرفع درجاتهم عنده، ويزيد من حسناتهم، ما تضمنه قول الله تعالى في سورة "التوبة: ٩٠ مصحف/ ١١٣ نزول":
﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ .
وهكذا تبدو الفلسفة الإسلامية في مجال نعم الدنيا ومصائبها فلسفة مشرفة سامية، شأنها في كل ما عالجته من أمور الكون والإنسان والحياة والوجود كله.
النوع الثاني: "ما كان من النعم والمصائب الربانية للتربية والتأديب".
وفي كثير من النعم والمصائب الربانية نلاحظ آثار الحكمة الإلهية في التربية والتأديب ظاهرة جلية.
فمن الآثار التربوية للنعم الزائدة لدى بعض الناس تربية اليقين بالله في قلوبهم، وتربية خلق الجود والإحسان وحب الخير للناس، وتربية النفس على الطمأنينة والاستقرار والقناعة، في حين أن كثرة النعم لدى آخرين قد تكون وسيلة إفساد لهم، وذلك بحسب استعداداتهم وخصائصهم النفسية.
ومن الآثار التربوية للمصائب تربية النفس على الصبر، وتحمل الشدائد، ومقارعة الخطوب، وإيقاظ القلب من غفلاته التي قد يستغرق فيها مع توالي النعم ومن آثارها إعطاء دروس وعظات في سنن الحياة، وتذكير المؤمن بأن هذه الحياة الدنيا دار ابتلاء، وليست دار استقرار، حتى يتسابق الناس فيها إلى تناول

1 / 108