85

Al-ḥaḍāra al-islāmiyya ususuha wa-wasāʾiluha wa-ṣuwar min taṭbīqāt al-muslimīn laha wa-lamaḥāt min taʾthīriha fī sāʾir al-umam

الحضارة الإسلامية أسسها ووسائلها وصور من تطبيقات المسلمين لها ولمحات من تأثيرها في سائر الأمم

Publisher

دار القلم

Edition Number

الأولى المستكملة لعناصر خطة الكتاب ١٤١٨هـ

Publication Year

١٩٩٨م

Publisher Location

دمشق

Genres

الحياة التي لا يتم تحقيق الخير العظيم المقصود إلا عن طريقها، هي داخلة في عموم الخير وإن كان الشعور بالألم منها يصورها في النفس على أنها شر.
ولكل من النعم والمصائب الربانية أبواب تتجلى فيها حكمة الخالق العظيم، فمنها ما يكون للابتلاء، ومنها ما يكون للتربية، ومنها ما يكون للجزاء، وقد يحمل القضاء الواحد أكثر من غاية من هذه الغايات الثلاث، فهي إذن ثلاثة أنواع، وفيما يلي بيان لكل منها:
النوع الأول: "وهو ما كان من النعم والمصائب للابتلاء".
في كثير من النعم والمصائب الربانية تتجلى حكمة الابتلاء، قال الله تعالى في سورة "الملك: ٦٧ مصحف/ ٧٧ نزول":
﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ .
فهذه الآية تدل على أن الحكمة من خلق الله الموت والحياة امتحان الناس فيما وهبهم من إرادة وعقل وقدرة، وفيما وضع تحت سلطتهم من أشياء مسخرة لهم في كونه.
ومن الملاحظ أن الله جلت حكمته قد جعل أساليب الامتحان ومظاهره متنوعة، فقد يمتحن طائفة من الناس بنوع منها في حين أنه يمتحن طائفة أخرى بنوع آخر منها، وطائفة ثالثة بنوع ثالث وهكذا.
ويدل على هذه الحقيقة عدة نصوص من القرآن الكريم:
أ- فمنها قوله تعالى في سورة "الأنبياء: ٢١ مصحف/ ٧٣ نزول":
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ .
أي: ونمتحنكم بالمصائب والنعم امتحانًا، أما المصائب فتغري بالضجر، وأما النعم فتغري بالبطر، وبذلك يظهر معنى الفتنة التي تصاحب الامتحان الإلهي بالمصائب تارة وبالنعم أخرى.
ب- ومنها قوله تعالى في سورة "الأنعام: ٦ مصحف/ ٥٥ نزول":

1 / 104