Islam Wa Hadara Insaniyya
الإسلام والحضارة الإنسانية
Genres
ومن أكبر الفوارق بين الحج كما دان به بنو إسرائيل وبين فريضته التي دان بها الإسلام أن مواسم الحج الإسرائيلية كلها مواسم زرع وحصاد، أو كما جاء في العهد القديم:
ثلاث مرات تعيد لي في السنة: عيد الفطير ... وعيد الحصاد ... وعيد الجمع في نهاية السنة ...
وفي جميع هذه الزيارات تؤدى الإتاوة لكهان الهيكل ... «ولا تظهروا أمامي فارغين ...»!
ومن سخافات المبشرين والمستشرقين أنهم يأخذون على الإسلام رمي الجمرات، وينسون أن شعائر الضحية كما يرتبها الكهان الإسرائيليون تتجاوز الاعتراف بوجود الشيطان إلى تقديم القربان إليه، فإذا كان يوم الكفارة جاءوا بجديين وفضلوا أحدهما بالقرعة فتقربوا به إلى الله، ثم تقربوا بالآخر إلى عزازيل؛ أي الشيطان.
وأبعد من ذلك عن نزاهة التوحيد أنهم يتصورون الذبيحة طعاما للإله جل وعلا، فيقولون: إنه سبحانه وتعالى يتنسم منها رائحة الرضى، وإنها سرور له متاع!
ولقد خطا الإسلام بالضمير الإنساني شوطا بعيدا في جميع هذه المناسك والعبادات.
فالمسلم لا يحج إلى الكعبة ليعزز فيها سلطان الكهان أو ليقدم إليهم القرابين والإتاوات، وإنما هي فريضة للأمة وفي مصلحة الأمة وعلى شريعة المساواة بين أبناء الأمة، وهي بهذه المثابة فريضة اجتماعية تعلن فيها الأمم الإسلامية وحدتها، والمساواة بين الكبير والصغير أمام الله وعند بيت الله.
وليس المقصود بالضحية في الإسلام أنها طعام للكهان أو طعام للإله أو قربان لكسب الرضا من عزازيل، ولكنها صدقة أو سخاء من النفس في سبيل العبادة يشير بها الإنسان إلى واجب التضحية بشيء من الدنيا في سبيل الدين، متجشما لذلك مشقة الرحلة وتكاليفها جهد المستطيع.
ويمتاز الحج في الإسلام بدلالته الروحية التي لا ترتبط بمواسم الزرع والحصاد، فإنه يتفق في جميع المواسم والمواعيد، ويأتي في الشتاء أو الصيف كما يأتي في الربيع، وهو بهذا المعنى علاقة سماوية روحية تناسب مقصدها الأسمى من تحقيق الرابطة بين الأمم التي تدين بعقيدة واحدة في أرجاء الكرة الأرضية، على تباعد مواقعها واختلاف أجوائها وفصولها، فهو رابطة من روابط السماء تؤمن بها أمم وحدتها العقيدة السماوية وإن فرقت بينها شتى المطارح والبقاع.
والواقع أن فرائض الإسلام جميعا تقوم على الصلة الاجتماعية مع قيامها في الوقت نفسه على ضمير الفرد بينه وبين الله.
Unknown page