هل علي بن أبي طالب معصوم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[علي بن أبي طالب ﵁ هل هو معصوم؟ لأن الشيعة يقولون لم يفعل علي أي خطأ في حياته؟ إذن هو معصوم. أرجو الشرح المفصل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولًا:
لا شك أن الصحابة رضوان الله هم خير هذه الأمة، لأن الله اصطفاهم للتلقي عن النبي ﷺ، وأكرمهم بصحبته والجهاد معه، لكن مع ما لهم من فضل فإنه لا يحكم لآحدادهم بالعصمة، فاعتقاد العصمة لأحدهم مثل علي ﵁ اعتقاد باطل، لكن عدم عصمته لا تزري بمكانته كأحد السابقين إلى الإسلام، وأحد المهاجرين في سبيل الله، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الخلفاء الراشدين.
والشيعة لا يقولون بعصمة علي ﵁ فقط، بل يقولون بعصمة جميع أئمتهم الاثني عشر.
وعصمة الأئمة عند الشيعة لها أهمية كبرى، وهي أصل من أصول مذهبهم.
انظر: "تاريخ الإمامة" لعبد الله فياض (ص١٥٧) .
والشيعة يبالغون في إثبات العصمة لأئمتهم، حتى قالوا بعصمتهم من النسيان، ومن الخطأ في الاجتهاد والتأويل.
قال المجلسي (ت ١١١١ هـ) في "بحار الأنوار" (٢٥/٢١١):
"اعلم أنّ الإماميّة اتّفقوا على عصمة الأئمّة ﵈ من الذّنوب صغيرها وكبيرها، فلا يقع منهم ذنب أصلًا، لا عمدًا ولا نسيانًا، ولا لخطأ في التّأويل، ولا للإسهاء من الله سبحانه" انتهى.
فالمجلسي يثبت للأئمة العصمة من جميع الأوجه المتصورة، من المعصية كلها الصغيرة والكبيرة، ومن الخطأ، ومن السهو والنسيان.
وهذا الباطل يقول به إمامهم الخميني في كتابه "الحكومة الإسلامية" (ص٩١)، حيث يقول عن أئمتهم: إنهم "لا يتصور فيهم السهو والغفلة".
مع أن العصمة بهذا المعنى لم تثبت للأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، فقد كان النبي ﷺ غير معصوم من السهو والنسيان، بل ثبت في أحاديث كثيرة نسيانه ﷺ في الصلاة.
ولما صَلَّى النبي ﷺ ذات يوم صلاة وسها فيها، أقبل على الناس بعد الصلاة وقال لهم: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي) رواه البخاري (٤٠١) ومسلم (٥٧٢) .
وإثبات العصمة لشخصٍ ما معناها إثبات النبوة له، لأن المعصوم يجب اتباعه في كل ما يقول، ولا تجوز مخالفته في شيء، وهذه خاصة بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
ولذلك قال الإمام مالك ﵀: كل يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر، وأشار إلى قبر النبي ﷺ.
وقال شيخ الإسلام في "منهاج السنة" (٣/١٧٤):
"فمن جعل بعد الرسول معصوما يجب الإيمان بكل ما يقوله فقد أعطاه معنى النبوة وإن لم يعطه لفظها" انتهى.
والحقيقة: أن الشيعة باعتقادهم عصمة أئمتهم عن الخطأ والنسيان فَضَّلوهم بذلك على الأنبياء والمرسلين، بل سووهم برب العالمين، فإنه سبحانه المنزه عن النسيان (لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى) طه/٥٢، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) مريم/٦٤.
وهذا ما صرح به الخميني، في كتابه "الحكومة الإسلامية" (ص١١٣)، حيث يقول: "إن تعاليم الأئمة كتعاليم القرآن"!!
فانظر كيف جعل كلام الأئمة كالقرآن، ولم يكتف بجعله ككلام النبي ﷺ!!
ثانيًا:
أما قول الشيعة: إن عليًا لم يفعل أي خطأ في حياته، فهذا غير صحيح، فله مواقف تراجع عنها، وندم عليها، وله فتاوى واجتهادات خالف فيها السنة الصحيحة الثابتة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀:
"وعلي بن أبي طالب ﵁ ندم على أمور فعلها، من القتال وغيره، وكان يقول ليالي صفين: لله در مقام قامه عبد الله بن عمر وسعد ابن مالك [وذلك لأنهما اعتزلا القتال] إن كان بِرًّا إن أجره لعظيم، وإن كان إثما إن خطره ليسير، وكان يقول: يا حسن، يا حسن، ما ظن أبوك أن الأمر يبلغ إلى هذا، ود أبوك لو مات قبل هذا بعشرين سنة.
ولما رجع من صفين تغير كلامه، وكان يقول: لا تكرهوا إمارة معاوية، فلو قد فقدتموه لرأيتم الرؤوس تتطاير عن كواهلها، وقد روي هذا عن علي ﵁ من وجهين أو ثلاثة، وتواترت الآثار بكراهته الأحوال في آخر الأمر، ورؤيته اختلاف الناس، وتفرقهم وكثرة الشر الذي أوجب أنه لو استقبل من أمره ما استدبر ما فعل ما فعل" انتهى.
"منهاج السنة النبوية" (٦/٢٠٩) .
والخليفة الذي لا يعرف له فتوى خالف فيها السنة الثابتة هو أبو بكر الصديق ﵁، وهو جدير بذلك، فقد كان أعلم الصحابة، وأفضلهم، وأكثرهم ملازمة للرسول ﷺ.
أما الخلفاء الثلاثة بعده [عمر وعثمان وعلي ﵃] فلهم اجتهادات خالفوا فيها السنة، وعلي ﵁ كان أكثر منهما في ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀:
"ولم يعرف لأبي بكر فتيا ولا حكم خالف نصا، وقد عرف لعمر وعثمان وعلي من ذلك أشياء، والذي عرف لعلي أكثر مما عرف لهما.
مثل قوله في الحامل المتوفى عنها زوجها: إنها تعتد أبعد الأجلين، وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال لسبيعة الأسلمية لما وضعت بعد وفاة زوجها بثلاث ليال: (حللت فانكحي من شئت) ولما قالت له: إن أبا السنابل قال: ما أنت بناكحة حتى يمضي عليك آخر الأجلين. قال: (كذب أبو السنابل) .
وقد جمع الشافعي في كتاب خلاف علي وعبد الله من أقوال علي التي تركها الناس لمخالفتها النص أو معنى النص جزءا كبيرا.
وجمع بعده محمد بن نصر المروزي أكثر من ذلك، فإنه كان إذا ناظره الكوفيون يحتج بالنصوص فيقولون: نحن أخذنا بقول علي وابن مسعود، فجمع لهم أشياء كثيرة من قول علي وابن مسعود تركوه أو تركه الناس، يقول: إذا جاز لكم خلافهما في تلك المسائل لقيام الحجة على خلافهما، فكذلك في سائر المسائل، ولم يعرف لأبي بكر مثل هذا" انتهى.
"منهاج السنة النبوية" (٨/٢٩٩) .
فظهر بهذا أن إثبات العصمة لعلي ﵀ أو لأولاده خطأ وضلال.
ودعوى أنه لم يخطئ في حياته كذب، يخالف الواقع.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
1 / 1