Islam Fi Qarn Cishrin
الإسلام في القرن العشرين: حاضره ومستقبله
Genres
الفصل الرابع عشر
التراث الإسلامي ووسائل إحيائه في هذا العصر
إحياء التراث الإسلامي لا بد له من عملين متلازمين يتوقف أحدهما على الآخر.
أحدهما: نشر الكتب والآثار الإسلامية في جميع الأقطار التي تقرأ لغة العرب.
والثاني: إيجاد الرغبة في قراءة هذه الكتب والإحاطة بهذه الآثار، أو تنشيط هذه الرغبة إذا كانت موجودة على حالة من الضعف والفتور؛ إذ لا يكفي نشر الكتب والآثار لإحياء التراث الإسلامي إذا نحن نشرناها بين أناس لا يحفلونها، ولا يقبلون عليها، ولا يشعرون بالحاجة إلى دراستها والإلمام بها.
وكثيرا ما تكون طريقة النشر سببا من أسباب الترغيب في القراءة والتنشيط إليها، وكثيرا ما تكون الرغبة في القراءة والنشاط إليها سببا من أسباب العناية بالنشر والتوفر على وسائله المثلى، ومن ثم نقول: إن إحياء التراث الإسلامي يحتاج إلى عملين متلازمين، وإن كل عمل من هذين العملين يتوقف على الآخر.
وعندنا أن الوسيلة المثلى لإيجاد الرغبة في إحياء التراث الإسلامي هي مزجه بالحياة الحاضرة وتحويله إلى مجراها، فلا يشارفه الإنسان كما يشارف متحفا قديما للآثار المحفوظة؛ بل يشارفه كما يدخل في معترك الحياة، وينغمس في تيار الشعور والعاطفة، وليس ذلك بعسير إذا حسنت المطالعة وحسن الاختيار وحسن التنبيه. •••
فالتراث الإسلامي عامر بسير العظماء والأبطال، وكل واحد من هؤلاء العظماء والأبطال له حياة، وله أشواق، وله هموم، وله وثبات بين الرجاء وبين النجاح والإخفاق، ونعيد هذه الحقيقة بعبارة أخرى فنقول: إن كل عظيم من عظماء الأمم الإسلامية وكل بطل من أبطالها صالح، لأن يصبح مدار قصة أو حادثة كهذه القصص أو كهذه الحوادث التي نقرؤها ونشاهدها، فتهز نفوسنا، وتنطبع في خواطرنا، وتصبح حية بحياتنا عصرية بانتقالها إلى عصرنا ومشابهتها الوقائع والأحداث التي تجري بيننا.
التراث الإسلامي عامر بالحركات الاجتماعية التي تحتاج منا إلى فهم جديد وتفسير جديد، فإذا استخرجنا هذه الحركات الاجتماعية وعرضناها وفسرناها على الوجه الأمثل، فسنرى يومئذ أنها حركات حية تشبه كل الشبه ما نراه بأعيننا أو ما نقرؤه في الأنباء البرقية والصحف السيارة، وسنرى يومئذ أن عالم التاريخ الماضي وعالم الحياة الحاضرة يلتقيان أقرب التقاء، ويتعاونان في إفهامنا حقيقة الماضي والحاضر على السواء، فرب مسألة عصرية لا نفهمها حق فهمها إلا إذا قارناها بمسألة مثلها في العهود الغابرة، ورب مسألة غابرة لا نفهمها حق فهمها إلا إذا ضاهينا بين أسباب اليوم وأسباب الأمس، ورجعنا إلى البواعث المشتركة بين ما كان وبين ما هو كائن، فنحس ونحن نقرأ أننا لا ننتقل إلى عالم التاريخ الدابر؛ بل ننقل التاريخ الدابر إلى عالمنا الذي نعيش فيه، ونضطرب بالرجاء والكفاح في نواحيه.
والتراث الإسلامي عامر بالفكاهات والنوادر والأحاديث التي لا زمان لها؛ لأنها إنسانية تصلح لكل زمان، ولا تختلف باختلاف البلدان والأطوار، فإذا بحثنا عنها وجمعناها وجدنا أنها صالحة لوقتنا كما كانت صالحة لأوقاتها التي جرت فيها؛ لأن الطبيعة الإنسانية في أساسها قلما يطرأ عليها التغير في عناصر الفكاهة والعبرة ومقاييس الفطنة والبلاغة، فالنادرة البارعة والجواب السريع والفكاهة الحسنة والكلمة النافذة هي بنت كل زمان يعيش فيه الإنسان، وليس بالمتغير عليها مع تغير التواريخ إلا طريقة العرض والتناول دون المعدن الأصيل.
Unknown page