كتاب
الإسعاف فى أحكام الأوقاف
تأليف
الشيخ الإمام العلامة حسام المعاني النعمان الثاني
برهان الدين إبراهيم بن موسى بن أبى بكر
ابن الشيخ على الطرابلسي الحنفي
على نفقة
أمين هندية
الطبعة الثانية
طبع بمطبعة هندية بشارع المهدي بالأزبكية بمصر المحمية
سنة ١٩٠٢ - ١٣٢٠
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق الإنسان فى أحسن تقويم، وهدى من شاء منه إلى الصراط المستقيم، وأمره بالصلاة والصدقة والصيام، والحج إلى بيته الحرام، ليفوز بالنعيم المقيم، وجاد على من وقف فى سبيل الخيرات نفسه وماله، لما علم أن إليه مآله، بالفضل الجسيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له البر الجواد الكريم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الموصوف بالخلق العظيم، الواقف نفسه الزكية للشفاعة العظمى، يوم يفر الحميم من الحميم، والمرء من أخيه وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه، ذلك تقدير العزيز العليم (وبعد)
فإن العلماء الأولين، قد جعلهم الله رحمة للآخرين، لبذل مهجهم فى ضبط أحكام دين الإسلام، من كل واجب مندوب ومباح وحرام، وألهم الخلفاء الماهرين، ترتيبه على أبواب وفصول نعمة للآخرين، وان كتاب أحكام الأوقاف للإمام الهمام أبى بكر أحمد بن عمرو الخصاف بوأه الله دار السلام، لمَّا كان العمدة فى هذا الفن من تأليف الأوائل، وكان مكرر الصور والمسائل، مشحونا بجعل أحكام الوصايا له دلائل، وكان كثير الأبواب، غير خال عن الأطناب، اختصرته إلى كتاب احتوى على ما فيه من المقاصد، وعلى ما فى كتاب هلال بن يحيى من الزوائد، وضممت إليه كثيرًا من المسائل والأصول ورتبته على أبواب وفصول، ليسهل بها الوصول إلى ما فيه منقول، وسميته الإسعاف، فى أحكام الأوقاف، وبالغت فى
1 / 2
تصريح الكلام، حتى صارت مسائله على طرف التمام، والحمد لله على المبدا والتمام، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأنام، وعلى آله وأصحابه الغر الكرام، الأئمة البررة العظام، عدد قطر الغمام.
كتاب الوقف
هو فى اللغة الحبس، يقال وقفت الدابة إذا حبستها على مكانها ومنه الموقف لأن الناس يوقفون أي يحبسون للحساب وفى الشرع هو حبس العين على حكم ملك الواقف أو عن التمليك والتصدق بالمنفعة على اختلاف الرأيين وسنبينه وهو جائز عند علمائنا أبى حنيفة وأصحابه ﵏ وذكر فى الأصل كان أبو حنيفة ﵀ لا يجيز الوقف فأخذ بعض الناس بظاهر هذا اللفظ وقال لا يجوز الوقف عنده وقال الخصاف أخبرني أبى الحسن بن زياد قال قال أبو حنيفة ﵀ لا يجوز الوقف إلا ما كان منه على طريق الوصايا وعن أبى يوسف ﵀ كان يقول يقول أبى حنيفة حتى قيل له أنه كان لعمر بن الخطاب ﵁ أرض تدعى ثمغ فوقفها وسيأتي مسندا فرجع عنه وقال لو بلغ هذا الحديث أبا حنيفة لرجع والصحيح أنه جائز عند الكل وإنما الخلاف بينهم فى اللزوم وعدمه فعند أبى حنيفة ﵀ يجوز جواز الإعارة فتصرف بينهم فى اللزوم وعدمه فعند أبى حنيفة ﵀ يجوز جواز الإعارة فتصرف منفعته إلى جهة الوقف مع بقاء العين على حكم ملك الواقف ولو رجع عنه حال حياته جاز مع الكراهة ويورث عنه ولا يلزم إلا بأحد أمرين إما أن يحكم به القاضي بدعوى صحيحة وبينة بعد إنكار المدعى عليه فحينئذ يلزم لكونه مجتهدا فيه واختلفوا فى قضاء المحكم والصحيح انه لا يرفع الخلاف ولو كان الواقف مجتهدا يرى لزوم الوقف فأمضى رأيه فيه وعزم على زوال ملكه عنه أو مقلدا فسأل فأفتى بالجواز وعزم على ذلك لزم الوقف ولا يصح الرجوع فيه وأن تبدل رأى
1 / 3
المجتهد أو أفتى المقلد بعدم اللزوم بعد ذلك أو يخرجه مخرج الوصية فيقول أوصيت بغَّلة أرضى أو دارى أو يقول جعلتها وقفا بعد موتى فتصدقوا بها على المساكين أو يوصى بأن توقف فإنه يلزم فى رواية عنه والصحيح أنه يصح من الثلث غير لازم اتفاقا لكونه وصية محضة واللزوم إنما هو فى حق ورثته حتى لو مات من غير رجوع يلزمهم التصدق بمنافعه مؤبدا ولا يمكنهم أن يتملكوه بعده لتأبد الوصية فيه بعدم إمكان انقطاع الفقراء بخلاف الوصية بخدمة عبده لإنسان بعينه فإنه إذا مات الموصى له يرجع العبد إلى ورثة الموصى لانتهائها بموت المستحق للخدمة وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يلزم الوقف بدون هذين الشرطين وهو قول عامة العلماء وهو الصحيح لأن النبى ﷺ تصدق بسبع حوائط فى المدينة وإبراهيم الخليل ﵇ وقف أوقافًا وهى باقية إلى يومنا هذا وقد وقف الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة ﵃ وسيأتي مصرحا به ثم أن أبا يوسف ﵀ قال يصير وقفا بمجرد القول لأنه بمنزلة الإعتاق عنده وعليه الفتوى وقال محمد ﵀ لا يصير وقفا إلا بأربعة شروط وستأتي فى أول الفصول ولأبى حنيفة ﵀ ما روى عن ابن عباس ﵄ أنه قال لما نزلت سورة النساء سمعت رسول الله ﷺ يقول لا حبس بعد سورة النساء وما روى لا حبس عن فرائض الله، وعن شريح ﵀ جاء محمد ببيع الحبس ولأنه عقد على منفعة معدومة فيكون جائزًا غير لازم كما هو الصحيح عنه أو غير جائز كما تقدم والدليل على أنه باق على حكم ملكه بعد الوقف أنه لو قال تصدقوا على فلان فإذا مات فعلى أولاد فلان يفعل كما قال وأنه يجوز الإنتفاع به زراعة وسكنى وأن ولاية التصرف فيه إليه ولهذا عرَّف على قوله بأنه حبس العين على حكم ملك إلى آخره ولأنه لا يمكن أن يزول ملكه عنه لا إلى مالكه مع بقائه لأنه غير مشروع إذ حينئذ يصير
1 / 4
كالسائبة بخلاف الإعتاق لأنه إتلاف لمالية المعتق وبخلاف المسجد لأنه جعله لله تعالى خالصا ولهذا لا يجوز الإنتفاع به وهذا لم ينقطع حق العبد عنه فلم يصر خالصا لله تعالى ولما كان الوقف عندهما إسقاط الملك لا إلى مالك كالمسجد عرفوه بأنه حبس العين عن التمليك والتصدق بالمنفعة وأصل قولهما ما رواه أبو بكر أحمد بن عمرو الخصاف فى كتابه قال حدثنا محمد بن عمر الواقدي قال أنبأنا صالح بن جعفر عن المسور بن رفاعة قال قتل مخيريق على رأس اثنين وثلاثين شهرًا من مهاجر رسول الله ﷺ وأوصى أن أصبت فأموالي لرسول الله ﷺ يتصدق بها قال وحدثنا عن عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن إبراهيم قال حدثني عبد الله بن كعب بن مالك قال مخيريق يوم أحد فأوصى إن أصبت فأموالي لرسول الله ﷺ يضعها حيث أراه الله تعالى فهي عامة صدقات رسول الله ﷺ، وحدثني محمد بن بشر بن حميد عن أبيه قال سمعت عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه يقول فى خلافته بخناصرة سمعت بالمدينة والناس بها يومئذ كثير من مشيخة من المهاجرين والأنصار أن حوائط رسول الله ﷺ السبعة التي وقف من أموال مخيريق وقال إن أُصبت فأموالي لمحمد يضعها حيث أراه الله تعالى وقتل يوم أُحد فقال رسول الله ﷺ مخيريق خير يهود، قال وحدثني ابن أبى سبره عن إسماعيل بن أبى حكيم قال شهدت عمر بن عبد العزيز ورجل يخاصم إليه فى عقار حبس لا يباع ولا يوهب ولا يورث فقال يا أمير المؤمنين كيف تجوز الصدقة لمن لا يأتي ولم يدر أيكون أم لا فقال عمر ﵁ أردت أمرا عظيما فقال يا أمير المؤمنين إن أبا بكر وعمر كانا يقولان لا تجوز الصدقة ولا تحل حتى تقبض قال عمر بن عبد العزيز ﵀ الذين قضوا بما تقول هم الذين حبسوا العقار والأرضين على أولادهم وأولاد أولادهم عمر وعثمان وزيد ابن ثابت
1 / 5