إسعاف الأعيان في أنساب أهل عمان
تأليف
سالم بن حمود السيابي
طبع على نفقة
صاحب السمو الشيخ أحمد بن الشيخ علي آل ثاني حفظهما الله
منشورات المكتب الإسلامي
المقدمة / 1
هذه النسخة
وقف لله تعالى
من
صاحب السمو الشيخ أحمد بن علي آل ثاني
حفظه الله
المقدمة / 2
- جـ -
مقدمة
بقلم
عبد البديع السيد صقر
مدير دار الكتب القطرية
الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صاحب المعجزات، وعلى آله وأصحابه الطيبين والطيبات.
أما بعد: فقد عُرض هذا الكتاب على المحب للعلم وأهله، الباذل في أبواب الخير ماله وجهده:
صاحب السمو الشيخ أحمد ابن الشيخ علي آل ثاني حفظه الله
فأمر بطبعه على نفقته تكريمًا منه لجهود المؤلفين، وخدمة لأهل عمان الذين تعود سموه أن يؤثرهم بعطفه ومساعدته.
وتنفيذا لأوامر سموه قمنا بمراجعة المخطوط الأصلي، وإجراء بعض التصحيحات والتعديلات اللازمة.
ونسأل الله أن ينفع به، وأن يجزي العاملين للخير خيرا.
المقدمة / 3
- هـ -
مقدمة الناشر
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ﷺ.
أما بعد: فإن الله تعالى ميز المسلم وجعل له كيانًا واضح المعالم رفيع الشأن، حيث لا يلحق به لاحق، ولا يساميه كيان. وما ذل المسلمون حين ذلوا. وما تاهوا وضاعوا، إلا حين جهلوا أنفسهم، وتخلوا عن كيانهم، وأقاموا حياتهم على غير أسسهم.
لذلك كان مما نحرص عليه -حين نحب للمسلمين استعادة مجدهم، وعودتهم إلى محلهم- أن نعمل لتذكيرهم بكيانهم، وإشعارهم بتميزهم، ومما يساعد على ذلك، تعريفهم بأسلافهم، وتحليتهم بأنسابهم ...
ونريد بهذا، أن نجد أمامنا القدوات الصالحة فنهتدي بخلائقها، ونقبس من فضائلها، ونستقيم على طريقها، ونكون بذلك خير خلف لخير سلف.
وهذا الكتاب الذي قمنا بنشره، محاولة في تبيين كياننا، وتوضيح أنسابنا، وتعريفنا بروابط جزء من أجزاء العالم الإسلامي، آملين أن ينهض فريق من أولي الكفاءة والخبرة بعبء دراسة أجزائه من حيث جغرافيته وتاريخه، وماضيه وحاضره، ومآسيه ومآثره.
المقدمة / 5
- و-
وهذا الكتاب يسدّ -مؤقتًا- ثغرة لابد من سدها، ولو لم يكن له من شأن، إلا دفع ذوي الكفاءة لتأليف أفضل، وحثهم على الاهتمام لكفاه، والكمال إنما يأتي -غالبًا- بعد النقص، ولابد بعد ذلك في كل نتاج بشري من نقص.
وقد عانينا في قراءة خط الكتاب وتداخل كلماته وتراص أسطره .. ما عانينا وليس للكتاب سمة واحدة، بل يختلف فيه الأمر الواحد حينما يتكرر فيه على أشكال مختلفة، لا سيما ما هو مختلف فيه، (كقيس عيلان) مثلًا، الذي ينسبه البعض (قيس بن عيلان)، فترى المؤلف يذكره قيس بن عيلان أحيانًا، وقيس عيلان أحيانًا أخرى ..
هذا عدا أن الكتاب ليس على ما ينبغي من حيث التصنيف والترتيب، فلا يستطيع القارئ أن يخرج بصورة واضحة عن ارتباط هذه القبائل بعضها مع بعض، فتراه بعد قريش يذكر بطونًا من هوازن، لا سيما من عامر بن صعصعة، ثم ينتقل إلى غطفان، ليقفز بعدها إلى ربيعة، ثم يترك ربيعة ويعود إلى مضر، فيتحدث من جديد عن قبائل غطفان، ثم يرجع إلى عامر بن صعصعة مرة أخرى، ثم ربيعة .. وهكذا! وبالرغم من كل هذا فإنه -كما قلنا- خطوة طيبة في التعريف بهذا الجزء من الوطن وسكانه
ولا يسعنا ونحن نقدم الكتاب إلا أن نقدم الشكر لمن ألف الكتاب، ولمن سعى في نشره.
والكتاب تضافر عليه مؤلفان، المؤلف الأصلي وهو الشيخ سالم بن حمود السيّابي السمَائلي وانتهى منه في ٢٥ شوال ١٣٨٢ هـ، ثم الشيخ إبراهيم بن سعيد العَبرِي الذي كان يقوم بتصحيح بعض الألفاظ، وإضافة بعض الشروح والعبارات، في صلب المؤلف الأصلي حينًا، وعلى هامشه حينًا آخر. ولا ندري أكان الكتاب بخط المؤلف نفسه، أم كان دفعه إلى من نسخه له، إلا أن الواضح أن هناك اختلافًا بين خط
المقدمة / 6
- ز -
الكتاب وخط التعليق، وإن كان فشو الأخطاء النحوية والإملائية في الأصل أكبر وأكثر! فكنا نصحح بعضها، ونضرب أحيانًا عن ذلك فنتركه كما هو، لحرصنا على عدم مس الكتاب وتغير أسلوبه، فيدفعنا ترابط الكلام إلى تركه كما هو، كما قد نعجز أحيانًا عن فك رموز كلمة فنبقيها على صورتها، وقد قمنا بنسخ الكتاب من جديد، غير أن ذلك لم يساعدنا إلا في طبعه.
وقد مر الكتاب قبل أن يصل إلينا على مدير المكتبات في قطر الأستاذ الفاضل عبد البديع صقر. فأتى عليه بمرور سريع، وضع فيه علامات حمراء، بشكل فواصل ونقاط، كما قام بشكل وضبط لبعض الكلمات، وقد كشف عمله هذا عن علمه وفضله، لكنه دلّ أيضًا على أن قيامه بهذا العمل كان بسرعة، ربما ألجأه إليها ضيق وقته وكثرة عمله، واعتماده، على أن المكتب الإسلامي سوف يتم ما بدأ، ويراجع ما ترك -وهكذا كان-.
وقد قام بالإشراف على تصحيح الكتاب ووضع حواشيه وفهارسه الأخ الفاضل الأستاذ محمد سعيد الطنطاوي يساعده بعض الأساتذة المصححين.
وقد أشرنا في هامش الكتاب، ببعض التعليقات، إلى تصويب أسماء، أو شرح عبارات، أو تحقيق أنساب، أو التعريف بحوادث وحقائق، أو ملاحظات واستدراكات وقد ميزنا بين حواشي الشيخ العبري وحواشينا هذه، بحرف (ص) للأول نعني به المصنف، و(ش) للنوع الثاني، إشارة إلى أنه شرح قمنا به لهذه المواضع.
كما أننا في آخر الكتاب عزونا الآيات إلى مواضعها في الكتاب الكريم.
وطلبنا من أستاذنا محدث الشام الشيخ محمد ناصر الدين الألباني تخريج ما أورد المؤلف من أحاديث في الكتاب. وأضفنا فهرسًا ثالثًا لما مرّ من شعر فيه، وفهرسًا رابعًا بأسماء الكتب التي ورد ذكرها في الكتاب. ثم رتبنا كل المواضع والأمكنة والبلدان، التي عرضت في الكتاب، على الحروف الهجائية في فهرس خامس، وأتبعنا كل ذلك
المقدمة / 7
- حـ -
بتصويب لأخطاء ندّت عن التصحيح في الطبع، أو أدركنا صحتها بعده.
وختمنا الكتاب بفهرس عام لمواضيع الكتاب.
والله نسأل أن يغفر لنا التقصير والخطأ، ويعصمنا من الزيغ والزلل، ويسدد خطانا إلى الحق والخير والصواب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
بيروت
٢٦ رمضان/١٤٨٣ هـ
٢٨ كانون الثاني/ ١٩٦٥
الناشر
المقدمة / 8
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
لا يخفى على كل أديب أريب، أن علم الأَنساب من العلوم التي يحرص على اقتنائها أولو الأَلباب، وأَنها من الأُمور التي تتعلق بها أشياء كثيرة من معاني أحكام الشريعة الإسلامية، كالأَنكحة، من الولاية والكفاءَة والتحريم، وكالعقل، والموارثة، وغير ذلك مما يطول ذكره، قد حضّ الشارع على حفظ الأنساب، وحرَّم انتساب المَرْءِ إلى غير عشيرته، فمن لم يحفظ نَسَبَهُ لم يعرف نِسْبَتَهُ، ولعله ينتسب إلى قبيلة أخرى، للجهل بمعرفة أصل نسبه، فلهذا يجب صرف العناية إلى معرفة الأنساب، لكي يتمكن من الانتساب على الأمر الصواب، قال الله تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ) (^١) والنسب من أعظم الأواصر الجامعة بين الناس، ومع ذلك فإننا لم نجد كتابًا جامعًا لأنساب قبائل عُمَان، على كثرتها وشهرتها، وذلك لصرف عناية علمائها وهممهم إلى ما هو الأَهمّ، ومن معرفة أصول الدين، وأحكام الحلال والحرام.
_________
(^١) سورة الأحزاب، الآية ٥.
1 / 1
وما ذكره العلامة العَوتَبِي في تاريخه من أنساب قبائل عمان، لم يكن شاملًا لجميعها، بل ولا لأكثرها، وكذلك صاحب (كشف الغمّة)، لم يستوعب ذكر الأنساب، ولم يأت به على الوجه المراد، ثم لم يتعرض لذلك أحد من المؤلفين من بعدهم، حتى أتاح الله الكريم لهذا الشأن العظيم رغبة أخينا العلامة الجليل الباحث النبيل الشيخ سالم بن حمود بن شامس السِّيابي السَّمَائلي، فصرف عنايته إلى مطالعة الأنساب، ومراجعة الشيوخ، وكلّ من يعلم أن له إلمامًا ولو بالشيء اليسير من هذا الفن، حتى تَسَنَّى له إبراز هذا التأليف، الذي جمع به من نسب قبائل عمان كل لفيف، فهو أول كتاب برز من مخبَّآتِ إلى عالم الظهور، مُسْتَقِلٍّ في إيضاح أنساب القبائل العمانية، من العدنانية والقحطانية، وقد بذل المؤلِّف جهده في تطبيق هذه الأَنساب، وإلحاق بعض القبائل ببعض، مع بيان بعض مآثر القبائل وآثارها وذكر فضل بعض مشاهير القبيلة، وعلمائها، وخيارها.
وسوف يكون هذا السفر الجليل مع صغر حجمه مرجعًا لأهل عُمان في معرفة قبائلها، وأنسابها، ومفاخرها، وأحسابها.
وهو مع هذا كأنموذجِ من كتابه (العنوان الكافل بتاريخ عُمَان) وقد نوَّه به في مواضع من كتابه هذا، وأحال إليه كثيرًا من أحوال عمان، وذكر أخبارها، وتراجم أعيان رجالها.
1 / 2
وقد كنت أكبر مشجِّع له في إتمام هذا الكتاب، الخاص بذكر الأنساب، إجابة مني لما طلبه إليَّ صاحب الفضيلة الشيخ محمد بن سعيد بن غَبَّاش -نزيل قطر حالًا والقاضي السابق برأس الخيمة، ثم بالخُبَر للحكومة السعودية- فإنه ما زال يكتب إِلي أَن أُرسل إليه شيئًا من أنساب قبائل عمان، أَو كتاب العَوتَبي في التاريخ والأنساب (^١) فرأيت الكتاب المذكور لا يطفئ غلته ولا يروي صداه، وأَنا لم يكن لديَّ من المصادر الكافية في هذا الشأن، فكان من حسن الصُدف والحظ، أَن اجتمعت بأخينا العلامة مؤلف هذا الإسعاف، فذكرت له ما طلبه المذكور، فأَخبرني بأَنَّه قد شرع في جمع هذه القبائل في سِفر مفرد، ولكنَّه صار يقدّم فيه رجلًا ويؤخر أخرى، فأَلححت عليه بأن يتمَّه، إسعافًا لطلب المذكور، فوعدني ثم ماطلني بالوفاء، ولست ألومه على ذلك، لأَن وضع هذا التأليف على هذا النسق، مع قلّة المادة وقلة المراجع الكافية، أَمر ليس بالهيّن، ولكني لم أقبل له عذرًا، ولم أترك له مُتَأَخَّرًا، وكان قدري عنده عظيمًا، فلم يسعه خلافي، ولم ير إلا إِسعافي، فأَرسله إِليّ في هذه الأيام، وطلب مني له التنقيح والتصحيح والإِتمام، ولكن بضاعتي في هذا الفنّ مزجاة، وليس عندي
_________
(^١) للشيخ أبي مسلم العوتبي الصحاري. واسم كتابه: "موضّح الأنساب" ولا يزال مخطوطًا. (ص).
1 / 3
ما رامه مني، إلا أني لم أَستطع أَن أُخيب أَمله، فأدخلت في الكتاب زيادات لا تخلو من فوائد، فبعض الزيادات أَلحقتها بنفس الكتاب وجعلتها مع كلام المؤلف بحيث يحسبها الواقف عليها كأنها منه وإِنما دعاني لذلك، تفويضه لي في كتابة ما أَراه من زيادة أَو تغيير، وبعض تلك الزيادات جعلتها كالحاشية للكتاب مميزة عنه في حواشِيَ مَعنونة بلفظة قَوْله.
ومع كثرة اجتهاده وبذله وسعه في تخريج أنساب هذه القبائل العمانية، فقد أَهمل جملة من قبائلها المشهورة، كقبائل النعيم المشهورين بعمان، ولعلَّه اكتفى بما ثبت لهم من النسب في قبائل نجد، المذكورة في الكتاب الحافل ببيان القبائل النجدية، ولا شك أن هذه القبيلة من صميم قبائل العرب المعروفة، وفيها شعوب كثيرة تنضم إليها نسبًا وحلفًا، كالصلوف والخواطر وغيرهم، وقبيلة الشوامس وتسمى في بلاد الظاهر آل بوشامس، وبعضها في داخلية عمان مثل بلد فنجا من وادي سمائل وغيرها، وهي قبيلة مشهورة وفيها من رجال الفضل والبطولة جملة غير منكورة، وكذلك قبيلة بَنِي حِيَا فهي من أشهر القبائل كرمًا وحلمًا ونجدة، وأكثر هذه القبيلة في بلد ضنك، وبها الشيخ أحمد بن محمد اليحيايي، الذي يضرب به المثل في الجود والوفاء والإِصلاح بعمان، وبعضها ببلد بهلا من جوف عمان، وبعضها في بلد السيب من باطنة عمان، وما
1 / 4
أَظنه أَضرب عن ذكر هذه القبائل وغيرها ممن لم يذكره منها، إلا سهوًا وغفلة، وعسى أَن ينتبه لها فيذكرها استدراكًا، عفا الله عنه وجزاه عنا خيرًا، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
إبراهيم بن سعيد العبري
1 / 5
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي يقول في كتابه العزيز: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (^١)، وصلى اللهُ على سيدنا محمد القائل لأصحابه: (تعلموا من الأنساب ما تعرفون به أصولكم وتصلون به أرحامكم، ولا تكونوا كنبط السواد، يسأل أحدهم فيقال له: ممن أنت؟ فيقول من قرية كذا)، وسلم عليه ما تليت أحاديثه الغرا، وسيره الزَّهرا، وعرفت بين العالمين أوامره ونواهيه فجاءت تترى، وعلى آله الحافظين لسياق أنسابهم، والآخذين بسلاسل سلالاتهم وآدابهم، وعلى أتباعه المدوِّنين لآثارهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذه رسالة جمعت فيها من أنساب أهل عمان ما أمكنني جمعه، وسردت فيها من ذلك ما أمكنني سرده، إسعافًا لرغبة الطالب، وإن كان غير مرتب على وتيرة التصنيف، ولا مؤلف على طريقة التأليف، ولكنه مجموع تمكن مراجعته عند الحاجة إليه، وقد جعلته القسم الثالث من العنوان، وخصصته باسم:" إِسعاف الأَعيان في أَنساب أَهل عمان"، وأسال الله التوفيق لكل خير، والعون على كل مأمول، ونقدِّمه بـ:
_________
(^١) سورة الحجرات الآية ١٣.
1 / 6
مقدمة
في فضل العرب
قال رسول الله ﷺ: (إذا سألتم الحوائج فاسألوا العرب) (^١) رواه ابن مسعود ﵁، وفيه لأنها تعظم لثلاث خصال: كرم احسابها، واستحياء بعضها من بعض، والمواساة لله، أي لأنها خصت بهذا دون باقي الأمم. وهو عين الواقع في العصر العربي إن لم يخالطه دخيل أجنبي. وعنه ﷺ: (من أبغض العرب أبغضه الله) " أي: لأن رسول الله ﷺ يكون داخلا في بغض العرب.
وبغصه ﷺ كفر عظيم، وعلى كل حال فإن الله يبغضه لذلك وعنه ﵊: (من أحب العرب فبحبي أحبهم) الحديث، وقال ﷺ: (حب العرب آية الإيمان) الحديث، أو كما قال ﵊، وحسبهم بذلك فخرًا بين أعلام الأمم. " قال ابن الكلبي: " في العرب خاصة عشر خصال لم تكن لغيرهم من الأمم، خمس منها في الرأس، وخمس في باقي الجسد الحديث. قلت هي المسماة سنن الفطرة عند الفقهاء، وهي خصال جائت النبوة بها، ونوه الشارع ﵊ بفضلها، قال: وفي العرب القيافة، ولم تكن في احد غيرهم وهي من عجائب المخلوقات، حيث يفرق القائف بين المرأة
_________
(^١) تخريج هذا الحديث -وسائر أحاديث الكتاب- تجدها في ملحق خاص آخر الكتاب.
1 / 7
والرجل، والأبيض والأسود، والبكر والثيب، بمجرد وضع أقدامهم على الأرض، في أمور عدة. ومنها معرفة الطويل والقصير، والمهزول والسمين، ونحو ذلك فتراه يلحق الابن القصير بالأَب الطويل، وكذا العكس. ويعرف الغريب من الوطني، ليس ذلك إلا للعرب دون باقي الأمم مهما بلغت عقولهم، فإن ذلك أعظم من توليد المواد الكيمياوية، وتركيب المعادن الأرضية، ولله في خلقه أسرار. ولابن المقفع قال لبعض أعيان العز: أي الأمم أعقل؟ " فنظر بعضهم إلى بعض ثم قالوا: لعله أراد أصله وهو فارسي، فجروا بحسب ما تخيل لأحدهم، فقالوا: " فارس "، يقال: ليسوا بذلك، فإنهم ملكوا كثيرًا من الأرض، ووجدوا عظيمًا من الملك، وغلبوا على كثيرًا من الخلق، ولبث فيهم عقد الأمر، فما استنبطوا شيئًا بعقولهم، ولا ابتدعوا شيئًا كباقي انكم في تفوسهم، قالوا: " الروم "، قال: أصحاب صنعة، قالوا: " الصين "، قال: أصحاب طرفة، قالوا: " الهند "، قال: أصحاب فلسفة، قالوا: " السودان "، قال: شر خلق الله، قالوا: " الترك " قال: كلاب مختلسة، قالوا: " الخزر"، قال: بقر سائمة، فقالوا له: يقل، فقال: " العرب ". ثم قال: اما انني ما أردت موافقتكم ولكن إذا فاتني حظي من النسبة فلا يفوتني من المعرفة. أي إذا كنت أنا غير عربي فقد فاتني شرفي بالانتساب إليهم، فلا ينبغي علي أن يفوتتي العلم بأحوال الناس. ثم قال: إن العرب حكمت
1 / 8
على غير مثل لها، ولا آثار أثرت، بل هم أصحاب إبل وغنم، وسكان شعر وأدم، يجود أحدهم بقوته ولا يبالي، ويتفضل بمجهوده، ويشارك في ميسوره ومعسوره، ويصف الشيء بعقله فيكون قدوة، وبفعله فيصير حجة، ويحسن ما شاء فيحسن، ويقبح ما شاء فيقبح، أدبتهم أنفسهم، ورفعتهم هممهم، وأعلتهم قلوبهم وألسنتهم، فلم يزل حباء الله فيهم وحباؤهم في أنفسهم، حتى رفع لهم الفخر، وبلغ بهم أشرف الذكر، وختم لهم بملكهم الدنيا على الدهر، وافتتح دينه وخلافته بهم إلى الحشر، على الخير فيهم ولهم فقال: (إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين).
فمن وضع حقهم خسر، ومن أنكر فضلهم خصم. ودفع الحق باللسان أكبت للجنان. انتهى كلام ابن المقفع، وناهيك بالمذكور أدبًا وفصاحة. وله بلاغة وردها من حياض العرب، فشربها بين أقرانه بأكف الأدب.
وجاءت فيهم آثار نبوية، وفي القرآن من صفات العرب ما لا يكون لغيرهم، فقد وصفهم بالكرم العظيم، والصبر الكامل، وذكر عنهم من الخصال ما لم يذكر مثله، أو قريب منه لباقي الأمم ... وحسبك أنه اختارهم محطا لرحال دينه وحماة لشريعته، وأنصارًا لأوامره، وحفظه لنبيه وجوارًا وأهلًا
1 / 9
لبيته، في عدة خصال، سوف نذكر منها إن شاء الله في ناريخ عمان ما يلائم الغرض.
وهل توجد امة من الأمم تعرف أصولها وفروعها، شعبًا وقبيلة وعمارة وبطنًا وفخذا وفصيلة إلى غير ذلك من بيوتاتها المعروفة، واحوالها المألوفة، ومكارمها العالية، وفضائلها السامية؟ فهم نجوم الأرض، وغيثها الذي تحيا به أجادبها. منها الخلفاءُ الراشدون، ومنها الأئمة المهتدون، وفيها العلماء العاملون، وإن كان يوجد في غيرهم فلهم الحظ الأوفر، ولهم النصيب الأكبر. فيهم الشجاعة التي لا يقاس عليها جاهلية وإسلامًا، ولملوكهم المفاخر التي لا تسامى. وعن ذي الرمة في العرب كلام جامع وذكر واسع، وقد سأل زيادٌ دُغْفَلًا النسابة عن فضائل العرب فقال: الجاهلية لليمن، الإسلام لمضر، والفتنة لربيعة، قال: فأخبرني عن مضر، أي أن خصالها الخاصة بها، فقال: فاخر بكنانة، وكابر بتميم، وحارب بقيس ففيها الفرسان والنجوم، وأما أسد ففيها ذل وكيد. (قال:) وسأل معاوية بن أبي سفيان دغفلًا فقال: ما تقول في بني أسد؟ فقال: عافة قافة فصحاء كافة، قال: فما تقول في بني تميم؟ فقال: حجر خشن، إن صادفته آذاك، وإن تركته أعفاك، قال: فما تقول في خزاعة؟ فقال: جوع وأحاديث، قال: فما تقول في اليمن؟ قال: فيهم مفاخر واسعة. ولليمن ربع البيت " (أي الركن اليماني)
1 / 10
" ومنهم حاتم طي كريم العرب، ومنهم المهلب بن ابي صفرة القايد الكبير " قات " ولا أعدل بالأنصار أحدًا في هذه الخصال الحميدة كلها، فقد جمعوا الكرم والشجاعة والصبر واشياء لا يسعها المقام، قال دغفل: وفي النزار النبي المرسل، والخليفة المؤمل، والكتاب المنزل، وفي الأوس غسيل الملائكة حنظلة بن لراهب، وعاصم بن الأقلح (^١) الذي حمت لحمه الدَّبْر، وذو الشهادتين خزيمة بن ثابت، والذي اهتز لموته العرش سعد بن معاذ، وفي الخزرج.
الأربعة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله ﷺ زيد بن ثابت، وأبو زيد، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب سيد القراء، والذي أيده الله بروح القدس حسان بن ثابت شاعر رسول الله ﷺ ومناضل عنه.
وفي العرب البيوتات المشهورة كبيت بني معاوية الأكرمين في كندة، وبيت بني جشم بن بكر في تغلب، وبيت ابن ذي الجدين في بكر، وبيت زرارة بن عدس في تميم، وبيت بني بدر في قيس، وفبهم الأحرز بن مجاهد التغلبي الذي كان أعلم القوم. وقال رسول الله ﷺ حين سئل عن العرب: (كنانة جمجمتها، وفيها العينان، وأسد لسانها، وتميم كاهلها"). وقالوا: بيت
_________
(^١) كذا في الأصل الأقلح كما ترى، وإنها هو كما تعلم؛ أبو الأقلح. وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح -واسم أبي الأقلح قيس- بن عصمة بن النعمان، الأنصاري من بني عمرو بن عوف، من كرام الأنصار، ومن أجلاء الصحابة، ومن الشجعان الرماة، استشهد يوم بئر معونة.
1 / 11
تميم بنو عبد الله بن دارم، ومركزه بنو زراره، وبيت قيس فزارة، ومركزه بنو بدر، وبيت بكر بن وائل شيبان ومركزه بنو ذي الجدين.
وقال معاوية بن أبي سفيان للكلبي: أخبرني عن أعز العرب، فقال: حصن بن حذيفة بن بدر، قال: فأخبرني عن أترف بيت في العرب، قال: والله أني لأعرفه وأني لأبغضه، قال ومن هو؟ قال: بيت زرارة بن عدس، قال: فأخبرني عن افصح العرب، فقال: بنو أسد. وقيل: إن أشرف بيت في مضر غير مدافع في الجاهلية، بيت بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم.
وحضر عند المنذر بن ماء السماء وفود العرب ووجهها دعا ببردي محرق فقال: ليلبس هذين البردين أكرم العرب وأشرفهم حسبًا، وأعزلهم قبيلة، فأحجم الناس، وقام الأحيمر بن خلف بن بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد بن مناة بن تميم فقال أنا لهما، فائتزر بأحدهما، وارتدى بالأخر فقال له المنذر: وما حجتك فيما أدعيت؟ قال: الشرف من نزار كلها في مضر، ثم في تميم، ثم في سعد، ثم في كعب، ثم قي بهدلة. قال: هذا أنت في أصلك، فكيف أنت في عشيرتك؟ قال: أنا أبو عشرة، وعم عشرة، وأخو عشرة، وخال عشرة. قال: هذا في عشيرتك، فكيف أنت في نفسك؟ فقال: شاهد
1 / 12
العين شاهدي، ثم قام فوضع قدمه في الأرض، فقال: من أزالها فله من الإبل مائة فلم يقم إليه أحد، ولا تعاطى ذلك. ومن بيت بهدله بن عوف، كان الزربقان بن بدر وكان يسمى سعدالكرمين.
" قال:" وفيهم كانت الإفاضة في عطارد بن عوف ابن كعب بن سعد، ثم قي آل حرب بن صفوان بن عطارد، وكان إذا اجتمع الناس أيام منى قي الحج، لم يبرح احد حتى يجوز آل صفوان، ومن ورث ذلك عنهم، ثم تمر الناس إرسال. وقال رسول الله ﷺ: (أني لاجد نفس ربكم من اليمن) وفي رواية: (إني لأجد نفس الرحمن) الحديث، وعنه ﷺ: (الإيمان يمان والحكمة يمانية) "، وقال ﵊: (الأنصار شعار والناس دثار)، وقال عبد الله بن العباس ﵄ لبعض اليمن: لكم من السماء نجمها ومن الكعبة ركنها ومن الشرف صميمها، وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ لبعض جلسائه: مَن أجود العرب؟ قالوا: حاتم طي، قال: فمن فارسها؟ قالوا عمرو بن معد يكرب، قال: فمن شاعرها؟ قالوا: امرؤ القيس بن حجر، قال: فأي سيوفها أقطع؟ قالوا: الصمصامة، قال: كفى بهذا فخرًا لليمن.
وقال أبو عبيدة: ملوك العرب حمير، ومقاولها غسان ولخم، وعددها وفرسانها الأزد، ولسانها مذحج، وريحانتها كندة، وقريشها
1 / 13