Is'af Al-Labeeth bi-Fatawa Al-Hadith
إسعاف اللبيث بفتاوى الحديث
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م
Genres
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إنَّ الحمدَ لله نحمدهُ ونستَعين به ونستَغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفُسِنا وسيئاتِ أعمَالِنَا. من يَهِدِ الله فلا مُضلَّ لَهُ، ومن يُضلِل فلا هَادىَ له، وأشهَدُ أن لا إلهَ إلَّا الله، وأشهَدُ أن محمَّدًا عبده ورسولُهُ.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢].
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا
كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١].
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٣ - ٧١].
أمَّا بعدُ
فإنهُ لم يَدُرْ بِخَلَدي، ولم يُحَوِّم طائرُ فكرى يومًا على فكرة هذا الكتابَ، ولكن كما قيل: إذا أرادَ اللهُ ﷿ شيئًا هيَّأَ أسبَابَهُ.
فقد كنتُ في جلسةٍ مع فَضيلة الشَّيخ مُحَمَّد صفوَت نور الدِّين ﵀، وكان الرَّئيسَ العامَّ لجماعة أنصار السُّنَّة بمصرَ، وكان ذلك عقب درسٍ عِلميٍّ ألقَاهُ في مسجدي الكائنِ بمدينةِ كفر الشَّيخ وتكَلَّمنا في أمورٍ شتَّى، فكان ممَّا قلتهُ لهُ: "إنَّني لا أستطيعُ أن أفهَمُ حتَّى الآن أن تكون جماعة دَعَويَّةٌ سَلَفيَّةٌ كهذه التي ترأَسُهَا، وليسَ لها مجلَّةٌ علميَّةٌ تُطبَع مرَّتَينِ في العام على الأقَلِّ، تُعلِّمونَ النَّاسَ من خلالها عقيدَةَ السَّلَف الصَّالح، ويَكتُبُ فيها أهلُ العلم عن مسائل النَّوازلِ التي تقَع بالمسلِمِين، ممَّا لم
المقدمة / 5
يَكُن مثلُهُ في الأزمان السَّالِفَة. فأينَ الأرشيفُ العِلمِيُّ للجماعة؟! "، فقال: "عندنا مَجَلَّةُ التَّوحيد"، فقُلتُ لهُ: "هذه مجلَّةٌ سيَّارةٌ لعَامَّةِ النَّاس، وأنا أتكَلَّمُ عن مَجَلَّة يغلُبُ عليها طَابعُ البَحث العِلمِي"، فقال: "لمَ لا تَأتينَا في المَركز العامِّ لِنَطرَحَ هذه القَضِيَّة للمُناقَشَة؟ "، واتَّفَقنَا، وذَهَبتُ إليهم، والتَقَينا بالشَّيخ صفوَت الشَّوادفي ﵀ وطالَ الكلامُ، فقال لي الشَّيخُ الشَّوادفي: "أنتَ تُريد أن تحلِّق في الفَضاءِ البَعيد، ونَحنُ نَطلُبُ منكَ شيئًا يسيرا لا يُكَلِّفُ كثيرًا، ويكونُ نُواةً لهذه الأُمنيَّة التي ترجُوها"، قُلتُ لَهُ: "وما هي؟ "، فقال: "أن تُشارِكَنا في رَفعِ سَقف مجلَّة التَّوحيد التي أرأَسُ تَحريرَها، بأن تُجيبَ عن أسئِلَةِ القُرَّاءِ الذينَ يُتَابعُونَ المَجَلَّة بِشَغَفٍ بالغ، وينتَظرونَ كَلِمَتَك في الحُكمِ على الأحاديثِ التي يسمعونَها من خُطباءِ المساجدِ أو يقرؤونَهَا في الكُتُب"، ثُمَّ أخرَجَ لي كيسًا كَبيرًا، وقال: "هذه رسائلُ تحتوى على مئات الأحاديث التي تنتظر الجوابَ عنها".
ولَم يُعطِني فُرصَةً لأُبدِي رَأيي في الموضُوع، ولكنَّهُ طلَب منِّى ألَّا أُطِيلَ الكلامَ حولَ أسانيد الأحاديث، فضلًا عن الخَوضِ في المُناقَشات العِلمِيَّة، التي لا يفهمها مُعظَمُ القُرَّاء، واضعًا في اعتباري الإجابةَ عن أكبر قدرٍ من الأسئلَة، بأن أذكُرَ الحديثَ المسؤُولَ عنه، ثُمَّ أجيبَ عنهُ في سَطرَين أو ثلاثةٍ، حتَّى نُجيبَ عن أكبرِ قَدرٍ من الأسئلةِ.
ولم أُوَافِقهُ على هذا، وقُلتُ لهُ: "هناكَ جانبٌ تعليمِيٌّ في الإجابة عن هذه الأحاديث، لا يقِلّ أهميَّةً عن الجوابِ نَفسِه، ذلك أنَّنا نُريدُ أن
المقدمة / 6
يَعرفَ النَّاسُ: كيفَ نَحكُمُ على الحديث، وأنَّ المسألةَ ليسَت بالتَّشَهِّي واتِّبَاعِ الهَوَى، بل وِفْقَ ضَوابطَ عِلميَّةٍ دقيقَةٍ، وهذا لا يكُونُ إلَّا إذا أبرَزنَا هذا المعنَى من خلال تخريجِ الأحاديث، أمَّا أن أكتَفِي بأن أُجيبَ عن الحديث بأنَّهُ صحيحٌ أو ضَعِيفٌ أو منكرٌ إلى آخرِ هذه الألقابِ، فلا أَرَى فيه فائدةً".
فقال لي: "افعل ما تراهُ مُناسِبًا، واضعًا في اعتبارِك أنَّهُ يَصِلُنِي عشراتُ الخِطاباتِ، التي تحتَوِى هي بدَورِهَا على أسئلَةٍ كثيرةٍ".
وبَدأتُ في الجوابِ عن هذه الأسئلَة، واضطُرِرتُ أمامَ كَثرَتِهَا أن أختَصرَ الجَوابَ عنها اختصارًا مُجحِفًا في الغالب، لكنَّني خَالَفتُ شرطي في أحيان قليلَةٍ، وظَلَلتُ عدَّةَ سنَواتٍ أكتُبُ هذا الباب، ثُمَّ اقتَرَحَ عليَّ بعضُ إخواني أن أجمعَ هذه الأجوبَةَ في كتابٍ، فلَم أتحَمَّس لذلك؛ لأنَّهَا مختَصَرَةٌ، فاقتَرَحَ أن أُعيدَ النَّظرَ فيها مَرَّةً أخرى، وأزيدَ فيهَا ما كنتُ أرجوهُ لها، فوَعَدتُهُ خيرًا.
ومرَّت سنواتٌ، ولم أتمَكَّن من النّظرِ فيها، حتَّى أوائل هذا العام (١٤٣١ هـ)، بدأتُ في جمعِ الأحاديثِ من المَجَلَّةِ، ثُمَّ زدتُ عليها ما قَدرتُ عليه آنذاكَ، إذ دَاهَمَنِي مَرَضٌ - والحمدُ لله - اضطُرِرتُ معه إلى السَّفر إلى ألمانيا لمدَّة ثلاثةِ أشهُرٍ من يومِ ٢٨/ ٤/ ٢٠١٠ م، واصطَحَبتُ معي هذا الكتاب للنَّظرِ فيه، فوَجَدتُهُ يحتاج إلى تأليفٍ من جديدٍ، وهذا ممَّا قد يُوقِفُ الشروعَ كلِّيًّا، فالممتَعَنتُ بالله تعالى في كِتَابَةِ ما أقدِرُ عليه.
ورأيتُ كتابًا صَدَرَ حديثًا وهو كتاب "المُداوِي لعِلَل الجامع الصَّغير
المقدمة / 7
وشَرحَي المُناوِي" لأبي الفَيض أحمد بن مُحمَّد بن الصِّديق الغُمارِيِّ، ونظرتُ في عمَلِه، فإذا بي أَقِفُ على طَوَامَّ ممَّا خَالَفَ فيه أهلَ العِلمِ، مع تجريحٍ وسبٍّ للمُناوِيِّ، وتحقير لأئمَّة السَّلَفِ، فَرَددتُ عليه في بعضِ الأحاديثِ التي سَمَحَ وقتي أن أُعَلِّقَ عليهِ فيهَا، ورأيتُ أن تَعَقُّبَهُ في كلِّ ما أخطأَ فيه يحتاجُ إلى تصنيفٍ مُستَقِل، فقلتُ: "ما لا يُدرَكُ كلُّه، لا يُترَك جُلُّه"، فناقشتُهُ في بعض ما ذهبَ إليه، وترَكتُ كثيرًا ممَّا قال لأنَّ تَتَبُّعَهُ يحتاجُ إلى فراغٍ لا أجِدُهُ عندي.
وسأُحَاولُ - إن شاء اللهُ - أن أزيدَ الكتابَ فوائدَ كُلَّما عنَّ لي ذلك، فلَم يَعُد عندَي من الجَلَدِ القَديمِ ما أستَطيعُ به أن أقُومَ بواجبِي كُلِّه. والحمدُ لله على كلِّ حالٍ.
وكان بوُدِّي أن أكتُبَ مُقَدِّمَةً ضَافِيَةً أَذكُرُ فيها فوائدَ وأُصولَ، غيرَ أنَّهُ حالَ دونَ ذلك ما ذكَرتُهُ آنفًا عن مَرَضِي.
فأَسألُ الله تعالى أن يجعَلَهُ كفَّارةً وأجرًا، ورفعًا للدَّرجات إنَّهُ وَلِيُّ ذلكَ والقادرُ عليه.
وآخرُ دعوَانَا أن الحمدُ لله ربِّ العَالمَين.
وكتبَهُ
أبو إسحاقَ الحُوَينِيُّ
حامدًا الله تعالى، ومصلِّيًا على نبيِّنا ﷺ وآله وصحبه
١٣ من المحرَّم ١٤٣٢ هـ
المقدمة / 8
١ - سُئلتُ عن حديثِ: "أَحبِب حَبِيبَكَ هَونًا مَا؛ عَسَى أَن يَكُونَ بَغِيضَكَ يَومًا مَا، وَأَبغِض بَغِيضَكَ هَونًا مَا، عَسَى أَن يَكُونَ حَبِيبَكَ يَومًا مَا".
• قلتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ موقوفٌ.
أخرجَهُ ابنُ عدي في "الكاملِ" (٢/ ٧١١ - ٧١٢)، والخطيبُ في "تاريخِهِ" (١١/ ٤٢٧)، ومن طريقه ابنُ الجوزيِّ في "الواهياتِ" (٢/ ٢٤٨) مِن طريقِ الحسنِ بن دينارٍ، عن محمَّدِ بن سيرينَ، عن أبِي هريرةَ، مرفوعًا … فذكرَهُ.
وهذَا سندٌ ضعيفٌ جدًّا؛ وآفتُهُ: الحسنُ بنُ دينارٍ؛ فإنَّهُ واهٍ.
لكنَّهُ لَم يتفرَّد به، فتابعَهُ أيُّوبُ السَّختيانيُّ، فروَاهُ عن محمَّدِ بن سيرينَ، عن أبِي هُريرةَ - قالَ: أُراهُ رفعَهُ -، ثمَّ ذَكرَ الحديثَ.
أخرجَهُ التِّرمذيُّ (١٩٩٧)، والبزَّارُ في "مسند" (ج ٢/ ق ٢٦٧/ ١)، وابنُ حبَّانَ في "المجروحين" (١/ ٣٥١)، وابنُ عدي في "الكاملِ" (٢/ ٧١٢)، وأبُو الشَّيخِ في "الأمثالِ" (رقم ١١٤)، والبيهقيُّ في "الشُّعَبِ" (ج ١١/ رقم ٦١٧١) مِن طريقِ سُويدِ بن عمرٍو، عن حمَّادِ بن سلمةَ، عن أيُّوبَ السَّختيانيِّ به.
قال التِّرمذيُّ: "هذا حديث غريبٌ، لا نعرفُهُ بهذا الإسنادِ إلَّا مِن هذا الوجهِ".
1 / 3
قال المُناويُّ في "فيضِ القديرِ" (١/ ١٧٧): "وقد استَدركَ الحافظُ العراقيُّ على التِّرمذيِّ دعوَاهُ غرابتَهُ وضعْفَهُ، فقالَ: قلتُ: رجالُهُ رجالُ مُسلم، لكنَّ الرَّاوِي تردَّدَ في رفعِهِ".
• قلت: استِغرابُ التِّرمذيِّ إنّما هو في رفعِهِ، وقد صحَّحَ وقفَهُ على أميرِ المؤمنينَ عليِّ بن أبِي طالبٍ ﵁، ووافقَهُ علَى هذا الحُكمِ جماعة منَ الحفَّاظِ، مِنهُم: ابنُ حبَّانَ، والَدَّارقُطنيُّ في "العلل" (ج ٣/ ق ٢٧/ ٢)، والبزَّارُ، وابنُ عديٍّ، والبيهقيُّ، وغيرُهُم.
واعلَم! أنَّ للحديثِ المرفوعِ شواهدَ عن بعضِ الصَّحابةِ، لكِنَّهَا شديدةُ الضَّعفِ، فلا يُعَوَّلُ على شيءٍ مِنهَا. واللهُ أعلمُ.
أمَّا أثرُ عليِّ بن أبِي طالبٍ الموقوفُ عليهِ:
فأخرجَهُ البخاريُّ في "الأدبِ المفرَدِ" (١٣٢١)، وابنُ أبِي شيبةَ في "المصنَّفِ" (١٤/ ١٠٢)، ومُسدَّدُ في "مسندِه" - كما في "المطالبِ العاليةِ" (٣/ ٩) للحافظِ -، والبيهقيُّ في "الشُّعَبِ" (٦١٦٨ - ٦١٧٠)، بسندٍ حسنٍ.
وأخرجَ عبدُ الرَّزَّاقِ في "المصنَّفِ" (ج ١١/ رقم ٢٠٢٦٩) عن مَعمَرٍ.
والبخاريُّ في "الأدب المفرَدِ" (١٣٢٢) عن محمَّدِ بن جعفرٍ.
كلاهُمَا، عن زيدِ بن أَسلمَ، عن أبِيهِ، قال: قال لي عُمرُ بنُ الخطَّابِ: "يا أسلمُ! لا يَكُن حُبُّكَ كَلَفًا، ولا يكُن بغضُكَ تلَفًا"، قلتُ: وكيفَ ذلكَ؟ قال: "إذا أحبَبتَ فلا تكلِف كما يَكلِفُ الصبيُّ بالشَّيءِ يُحبُّهُ، وإذا أبغَضت، فلا تبغض بُغضًا تحبُّ أن يَتلَفَ صاحبُكَ ويهلِكَ".
وسندُهُ صحيحٌ، ورضيَ اللهُ عن عُمرَ.
1 / 4
٢ - سئلتُ عن حديثِ: "إِنَّ الله يبغضُ كلَّ جَعظَرِيٍّ، جَوَّاظٍ، سَخَّابِ فِي الأَسوَاقِ، جِيفَةٍ بِاللَّيلِ، حِمَارٍ بِالنَّهَارِ، عَالمٍ بِأَمرِ الدُّنيَا، جَاهِلٍ بِأَمرِ الآخِرَةِ".
• قلتُ: هذا حديث ضعيفٌ.
أخرجَهُ ابنُ حبَّانَ في "صحيحِهِ" (١٩٧٥)، وأبُو القاسمِ الأصبهانيُّ في "التَّرغيبِ" (١٩٢٦)، والبيهقيُّ (١٠/ ١٩٤) من طريقِ عبدِ الله بن سعيدِ بن أبِي هندٍ، عن أبِيهِ، عن أبِي هُريرةَ، مرفُوعًا … فذكرَهُ.
وهذا سندٌ ضعيف، وعبدُ الله بنُ سعيدٍ صدوق، وثَّقهُ أحمدُ، وابنُ معينٍ، وغيرُهمَا، وضعَّفهُ أبُو حاتمٍ الرَّازيُّ. وأبوه فلَم يسمَع من أبي هُريرَة. وكنتُ حسَّنتُ هذا الحديثَ، ثُمَّ تراجعتُ عنه بعد عدَّة أشهُرٍ، ونبَّهتُ على ذلك في المجلَّة نفسِها. والحمدُ لله.
أمَّا معنَى الحديثِ ..
فـ "الجَعظَرِيُّ": هو الشَّديدُ الغليظُ.
و"الجَوَّاظُ": هو الأكولُ.
و"السَّخَّابُ": هو الصَّخَّابُ، كثيرُ الصِّياحِ، عالِي الصَّوتِ.
ومقصودُ الحديثِ ..
ذمُّ أهلِ الدُّنيَا، المتكالِبِينَ عليهَا، بحيثُ إنهم يَكدَحونَ فِيهَا طُوالَ
1 / 5
حياتهم كالأنعامِ، ليسَ لهُم همٌّ إلَّا جمعُهَا، والاستكثَارُ مِنهَا، فإذَا جَنَّ عليهِم اللَّيلُ نامُوا كالأمواتِ بلَا حِراكٍ، ولا يذكُرونَ الله ﵎.
واللهُ أعلمُ.
1 / 6
٣ - سُئلتُ عن حديثِ: "اليَمِينُ الكَاذبَةُ تَذَرُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ".
• قلتُ: هذا حديثٌ حسنٌ.
أخرجَهُ ابنُ حبَّانَ في "الثقاتِ" (٨/ ٤٠٠)، والدُّولابيُّ في "الكُنَى" (٢/ ١٦٥)، والكِلَابَاذِيُّ في "مفتاحِ المعانِي" (ق ٢٢٣/ ١ - ٢)، والخطيبُ في "التَّلخيصِ" (٢/ ٧٠٢ - ٧٠٣) من طريقِ سُليمانَ بن عبدِ الحميدِ بن عبدِ العزيزِ، عن أبِيهِ، عن عمرِو بن قيسٍ، عن واثِلةَ بن الأسقعِ، عن النَّبيِّ ﷺ، قال: "اليمينُ الغَموسُ الكاذبةُ، تَذرُ الدِّيارَ بلاقعَ"، وهذَا لفظُ الخطيبِ.
وسندُهُ ضعيفٌ؛ وسليمانُ بنُ عبدِ الحميدِ، ذكرَهُ في "التَّهذيبِ" تمييزًا، ولَم يذكُرهُ بأكثرَ مِن روايةِ الحسنِ بن سُليمانَ الفزاريِّ عنهُ.
وأبُوهُ، ذكرَهُ ابنُ حبَّانَ في "الثِّقاتِ" بروايةِ ابنِهِ فقط، فهُمَا مجهُولانِ.
ولكِن للحديثِ شاهدٌ عن عبدِ الرَّحمنِ بن عوفٍ، مرفوعًا بلفظِ: "اليمينُ الفاجرةُ تُذهِبُ المالَ - أو: تَذهَبُ بالمالِ - ".
أخرجَهُ البزَّارُ (ج ٢/ رقم ١٣٤٥)، من طريقِ ابن عُلاثَةَ، عن هشامِ بن حسَّانَ، عن يحيَى بن أبِي كثير، عن أبِي سلمةَ، عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ عوفٍ.
قال البزَّارُ: "لا نعلَمُهُ عن عبدِ الرَّحمنِ بن عوفٍ إلا من هذَا الوجهِ، ولا أسندَ هشامٌ عن يحيَى غيرَ هذا، ولا رواهُ عن هشامٍ إلَّا ابنُ عُلاثةَ، وهو ليِّنُ الحديث".
1 / 7
وقال المُنذِرِيُّ في "التَّرغيبِ" (٣/ ٤٧): "إسنادُهُ صحيحٌ، لو صحَّ سماعُ أبِي سَلَمةَ من أبِيهِ عبدِ الرَّحمنِ بن عوفٍ".
وجزَمَ الهيثميُّ في "المَجمعِ" (٤/ ١٧٩) بأنَّهُ لَم يَسمَع مِن أبِيهِ، ولكنَّهُ وَهِمَ، فقالَ: "رجالُهُ رجالُ الصَّحيحِ"!
ومحمَّدُ بنُ عبدِ الله بن عُلاثَةَ لَم يُخرِّج لهُ أحدُ الشَّيخينِ شيئًا، وهو صدوقٌ، في حفظِهِ مقالٌ يسيرٌ، أفرَطَ الأزديُّ وابنُ حبَّانَ فِيهِ، وإنَّما وقَعَت المناكيرُ في روايتهِ مِن قِبَلِ عموِو بن الحُصينِ، كما قال الخطيبُ.
وعمرُو بنُ الحُصينِ تالفٌ البتّة.
وخُولفَ هشامُ بنُ حسَّانَ فِيهِ.
خالَفَهُ أبو حنيفةَ، فروَاهُ عن يحيَى بن أبِي كثيرٍ، عن مُجاهدٍ، وعِكرمةَ، عن أبِي هُريرةَ مرفُوعًا: "ليس شيءٌ أُطِيعَ اللهُ فيه أعجلَ ثوابًا من صلة الرَّحِمِ، وليس شيءٌ أعجَلَ عقابًا من البَغيِ وقطيعةِ الرَّحِمِ، واليمينُ الفاجرةُ تَدَع الدِّيارَ بلاقِعَ".
أخرجَهُ البيهقيُّ (١٠/ ٣٥) من طريقِ عبدِ اللهِ بن يزيدَ المُقرِئِ، عن أبِي حنيفَة، به، وقال: "كذا رواهُ عبدُ اللهِ بنُ يزيدَ المقرِئ، عن أبِي حنيفَةَ. وخالفَهُ إبراهيمُ بنُ طَهمانَ، وعليُّ بنُ ظَبيانَ، والقاسمُ بنُ الحَكَمِ، فرَوَوهُ عن أبِي حنيفَةَ، عن ناصحِ بن عبدِ الله، عن يحيَى بن أبِي كثيرٍ، عن أبِي سلَمةَ، عن أيِي هُريرةَ، عن النَّبيِّ ﷺ. وقِيلَ: عن يحيَى، عن أبِي سلَمةَ، عن أبِيهِ. والحديثُ مشهور بالإِرسالِ" اهـ.
1 / 8
ثُمَّ روَى البيهقيُّ الحديثَ مِن طريقَينِ مُرسلينِ بسندٍ صحيحٍ.
ولَهُ طريقٌ آخرُ، عن أبِي سلَمةَ، عن أبِي هُريرةَ مرفوعًا: "إن أعجَلَ الطَّاعات ثوابًا صلةُ الرَّحِم، وإنَّ أهل البيت لَيَكُونون فُجَّارًا، فتَنموا أموالهُم، ويَكثر عددُهُم إذا وَصَلُوا أرحامَهُم. وإنَّ أعجَلَ المعصية عُقوُبَةً البغيُ، والخِيانةُ. ويَمينُ الغَموسُ: تُذهِبُ المالَ، وتذَرُ الدِّيارَ بلاقِعَ". وزاد الطَّبرانِيُّ: "وتُقِل في الرَّحمِ".
أخرجَهُ ابنُ حبَّانَ في "المجرُوحِينَ" (٣/ ١٤٩ - ١٥٠) مُعلَّقًا، ووصلَهُ الطَّبرانيُّ في "الأوسطِ" (ج ١/ ق ٦١/ ١) من طريقِ أبِي جعفرٍ النُّفيليِّ، ثنا أبُو الدَّهماءِ البصريُّ - شيخُ صدقٍ -، عن محمَّدِ بن عمرٍو، عن أبِي سلَمةَ به.
قال الطَّبرانيُّ: "لَم يَروِ هذا الحديثَ عن محمَّدِ بن عمرٍو إلَّا أبُو الدَّهماءِ، تفرَّدَ به النُّفيليُّ".
• قلتُ: والنُّفيليُّ ثقةٌ مأمونٌ، ولكِنْ أبُو الدَّهماءِ قال فيه ابنُ حبَّانَ: "كانَ مِمَّن يروِي المقلوباتِ، ويأتِي عن الثِّقاتِ بمَا لَا يُشبهُ حديث الأثباتِ، فبطُلَ الاحتجاجُ به إذَا انفَرَدَ".
واعتَمَدَ كلامَهُ الهيثميُّ في "المَجمعِ" (٨/ ١٥٢) فضعَّفهُ جدًّا، ولكنَّهُ خالفَ فِي موضعٍ آخرَ من "كتابِهِ" (٨/ ١٨٥) فقال: "فيه أبو الدَّهماءِ البصريُّ، وثَّقهُ النُّفيليُّ، وضعَّفهُ ابنُ حبَّانَ". وفي عبارتهِ نظرٌ؛ فإنَّ النُّفيليَّ لَم يُوثِّقهُ، بل قالَ: "شيخُ صدقٍ"، وهذا لا يَدلُّ علَى ضبطٍ، بل غايتُهُ إثباتُ صدقِهِ فحَسبُ.
1 / 9
وخُلاصةُ البحثِ، أن الحديث حسنٌ بالطَّريقِ الأوَّلِ مع المرسَلَينِ الصَّحيحَينِ اللَّذَينِ أشرتُ إليهِمَا.
واللهُ تعالَى أعلَمُ.
1 / 10
٤ - سئلتُ عن حديثِ: "مَن قَلَّ مَالُهُ، وَكثُرَ عِيَالُه، وَحَسُنَت صَلَاتُهُ، وَلَم يَغتَب أَحَدًا مِنَ المُسلِمِينَ، كانَ مَعِي يَومَ القِيَامَةِ كأُصبُعَيَّ هَاتَينِ".
• قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ جدًّا.
أخرجَهُ أبو يعلَى (ج ٢/ رقم ٩٩٠)، والأصبهانيُّ في "التَّرغيب" (٢٢٢٦)، والخطيبُ في "تاريخه"، ومن طريقه ابنُ الجوزيِّ في "الواهيات" (٢/ ٣١٩) من طريق مَسلَمَةَ بن عَليٍّ، عن عبد الرَّحمن بن يزيدَ، عن الزُّهريِّ، عن سعيد بن المسيَّب، عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ، عن النبيِّ ﷺ، فذكره.
قال ابن الجوزيِّ: "هذا حديثٌ لا يصحُّ. قال أحمد: عبد الرَّحمن بن يزيدَ ضعيفٌ. وقال النَّسائيُّ: متروكٌ".
كذا قال ابن الجوزيِّ! وفي إعلاله نظرٌ، فإنَّه لا يَتِمُّ له ..
وبيان ذلك، أن مَسلَمَةَ بن عليٍّ يَروِى عن عبد الرَّحمن بن يزيدَ بن تميمٍ، وكذا عن عبد الرَّحمن بن يزيدَ بن جابرٍ، كما أن كليهما يَروِي عن الزُّهريِّ. والأوَّل ضعيفٌ أو متروكٌ، والثَّاني ثقةٌ ثبتٌ، فلا يَتمُّ له الإعلال إلَّا إذا أَثبَت أن الواقع في السند هو المتروكُ دون الثِّقة، ولا يُقطَع بهذا إلَّا إذا جاء منسوبًا.
1 / 11
أمَّا علَّة الحديث الَّتي أغفَلَها ابنُ الجوزيِّ، فهي مَسلَمَةُ بنُ عليٍّ، وهو أبو سعيدٍ الخشُنيُّ، وهو متروكٌ كما قال النَّسائيُّ، والدَّارقُطنيُّ، والبَرقانيُّ، وغيرُهُم.
وقالَ أبو داوُد: "ليس بثقةٍ ولا مأمونٌ".
وقال البُخاريُّ، وأبُو زُرعةَ، وغيرُهما: "منكَر الحديث".
والله أعلم.
1 / 12
٥ - سُئلتُ عن حديث: "مَا قَلَّ وَكفَى، خيرٌ مِمَّا كثُرَ وَأَلهَى".
• قلتُ: هذا الحديث صحيحٌ.
أخرجه أحمدُ في "المسند" (٥/ ١٩٧)، وفي "الزُّهد" (ص ١٩)، وابنُ أبي شَيبةَ في "المسند" (٣٦)، والطَّيالسيُّ (٩٧٩)، وعبدُ بن حُميدٍ في "المنتخَب" (٢٥٧)، وابنُ جَريرٍ في "تفسيره" (١١/ ١٠٤، و٣٠/ ٢٢١)، وفي "تهذيب الآثار" (٤٤٣، ٤٤٤، ٤٤٧ - مُسنَد ابن عبَّاسٍ)، وابنُ أبي حاتِمٍ في "تَفسِيره" (١٠٣٢٦)، وابنُ حِبَّانَ (٨١٤، ٢٤٧٦)، وأبو مُحمَّدٍ الفَاكِهِيُّ في "حدِيثه" (ج ١/ ق ١٤/ ١ - رقم ٦٤ بتحقيقي)، وابنُ السُّنِّيِّ في "القناعة" (٣٠، ٣١، ٣٢)، والمَحَامِليُّ في "الأمالي" (ق ٤٩/ ٢ - ٥٠/ ١)، والطَّبَرَانِيُّ في "الأوسط" (٢٨٩١)، وابنُ بِشرَانَ في "الأمالي" (ق ٩٨/ ٢)، والحاكمُ (٢/ ٤٤٤ - ٤٤٥)، وأبو الشَّيخِ في "الأمثال" (١٨٨)، وابنُ أبي الدُّنيَا في "كَلَام الأيَّام واللَّيَالِي" (رقم ١، ٢)، وأبُو نُعيم في "الحِلية" (١/ ٢٢٦، و٢/ ٢٣٢ - ٢٣٣، و٩/ ٦٠)، والأصبهانيُّ في "التَّرغيب" (٥١٦، ٢٠٤٨)، والبيهقيُّ في "الشُّعَب" (ج ٧/ رقم ٣١٣٩)، والقُضَاعِيُّ في "مُسنَد الشِّهاب" (٨١٠)، والبَغَوِيُّ في "شرح السُّنَّة" (١٤/ ٢٤٧) من طُرُقٍ عن قتادة، عن خُلَيد بن عبد الله العَصَريِّ، عن أبي الدَّرداءِ، عن رسول الله ﷺ، قال: "ما طلعت الشمسُ قطُّ، إلَّا وبِجَنبَتَيهَا ملَكان يناديان، يُسمعَان مَن علَى
1 / 13
الأرض، غيرَ الثَّقلينِ: أيُّها النَّاسُ! هلُمُّوا إلَى ربِّكُم، ما قلَّ وكفَى خيرٌ ممَّا كثُرَ وألهَى. ولا آبت شَمسٌ قَطُّ، إلَّا بُعِثَ بجَنبَتَيهَا مَلَكَان يُنادِيان، يُسمِعان أهلَ الأرضِ، إلَّا الثَّقَلَين: اللَّهُمَّ! أَعط مُنفِقًا خَلَفًا، وأَعط مُمسِكًا مَالًا تَلَفًا"، لفظُ أحمدَ.
وفي حدِيثِ عبَّادِ بن راشدٍ، عن قَتادَةَ - عِند ابن جَرِيرٍ، وابنِ أبي حاتِم، والفَاكِهِيِّ، وابنِ بِشرَانَ، والبَيهَقِيِّ -، زادَ: " … وأنزَلَ اللّهُ تعالَى في ذلك قُرآنًا - في قول الملكين: يا أيُّها النَّاسُ! هَلُمُّوا إلى رَبِّكُم -، في سُورَة يُونُس: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [يونس: ٢٥]. وَأنزلَ في قولهِمَا: اللَّهُمَّ! أَعطِ مُنفِقًا خَلَفًا، وأَعطِ مُمسِكًا تَلَفًا: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (١) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (٢) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٣)﴾ … إلى قَولِه: … ﴿لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ١ - ١٠] ".
• قلتُ: وقد تَفَرَّد عبَّادُ بن راشدٍ دُونَ سائِرِ رُواتِه عن قتادةَ، بِجَعلِ هذا الحديثَ سبَبًا لنُزُول هذه الآياتِ.
وعبَّادُ بن راشدٍ لا يُحتَمَلُ لمِثلِه أن يَنفَرِد عن قَتادَةَ بهذا.
وقد رَوَاهُ عن قَتَادَةَ دُون سَبَب النزول: سَعِيدُ بن أبي عَرُوبَةَ - مِن رواية عَبدِ الأَعلى بن عبد الأَعلَى -، وهمَّامُ بنُ يَحيَى، وشيبَانُ بن عبد الرَّحمَن، وهِشَامٌ الدَّستوائِيُّ، وسُليمانُ التَّيمِيُّ، وأبو عَوَانَةَ، وسَلَّام بن مِسكِين، فلَم يَذكُر واحدٌ مِنهُم ما ذَكَرَهُ عبّادُ بن راشدٍ.
نعم! وَقَع في رواية هِشَامٍ الدَّستوائِيِّ، قال: ثنا قتادَةُ، وتلا قَولَ الله ﷿: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ﴾
1 / 14
[الشُّورَى: ٢٧]، فقال: ثنا خُلَيدُ بن عبدِ الله العَصَرِيُّ، عن أبي الدَّردَاءِ، مرفُوعًا، … إلى قوله: "وعجِّلْ لممسِكٍ تَلَفًا".
أخرَجَهُ الحاكمُ (٢/ ٤٤٤ - ٤٤٥) قال: أخبَرَنَا أبو الحُسَين أحمدُ بن عُثمانَ بن يَحيَى المُقرِئُ ببغدادَ، ثنا أبو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ، ثنا عبدُ الصَّمَد بن عبد الوَارِثِ، ثنا هِشَامٌ الدَّستوائِيُّ، بهذا.
وشَيخُ الحاكِمِ ثقةٌ.
وأبو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ هو عبدُ المَلِك بنُ مُحَمَّدٍ. وهو من الحُفَّاظِ. إلَّا أن الدَّارَقُطنِيَّ رَمَاهُ بكثرةِ الخَطَإِ في المَتنِ والإِسناد.
وقد رواه الطَّيَالِسِيُّ، ومُعاذُ بن هِشَامٍ كلاهُمَا، عن هِشامٍ الدَّستوائِيِّ، دُون ذِكرِ الحِكاية التي وَرَدَت في حديث عبدِ الصَّمَد، عِند الحَاكِم.
وعبدُ الصَّمَد من الأَثبَاتِ، فَهَل وَهِمَ عليه أبو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ؟! ولكن، يُمكِن أن يُقالَ: ذَكَرَ الإمامُ أحمدُ أنَّهُ إذَا وَرَدَت حكايَةٌ في الحديث دَلَّ علَى أنَّهُ محفُوظٌ. وهذا مِنهَا.
ووَقَعَ تصريحُ قتَادَةَ بالسَّمَاع مِن خُلَيدٍ عند الطَبَرِيِّ، والحاكِمِ مِن رواية عبَّادِ بن راشِدٍ، وهِشامٍ الدَّستوائِيِّ، عن قَتادَةَ.
وخُلَيدُ بنُ عبد الله العَصَرِيُّ رَوَى له مُسلِمٌ حديثًا واحِدًا، مُتابَعةً، في "كتاب الزَّكَاة" (٩٩٢/ ٣٥) عنه، عن الأَحنَف بن قَيسٍ، قال: كُنتُ في نَفَرٍ من قُرَيشٍ، فمَرَّ أبُو ذَرٍّ، وهو يَقُولُ: "بشِّر الكَانِزِين بِكَيٍّ في ظُهُورِهم، يَخرُج من جُنُوبِهم. وبِكَي مِن قِبَل أَقفَائِهِم، يَخرُج مِن جِبَاهِهِم"، - قال: - ثمَّ تَنَحَّى، فقَعَد، - قال. - قُلتُ: "مَن هَذَا؟ "،
1 / 15
قالُوا: "هذا أبو ذَرٍّ"، - قال: - فقُمتُ إليه، فقُلتُ: "ما شَيءٌ سَمِعتُك تقولُ قُبَيلَ؟ "، قال: "ما قُلتُ إلَّا شيئًا قد سمِعته مِن نَبِيِّهم ﷺ"، - قال: - قُلتُ: "ما تقُولُ في هذا العَطَاءِ؟ "، قال: "خُذهُ؛ فإنَّ فيه اليومَ مَعُونَةً. فإن كان ثَمَنًا لدِينِكَ فادفَعهُ".
هذا ما لِخُلَيدٍ في "صحيح مُسلِمٍ".
وخُلَيدٌ ذَكَرَهُ ابنُ حِبَّان في "الثِّقات". ونَصَّ ابنُ مَعِينٍ في "تَارِيخِه" (٢/ ٢٢٤) على صِحَّة سمَاعِهِ مِن أبي الدَّردَاءِ.
وصَحَّحَ إسنادَهُ الحاكمُ، كما مَرَّ ذِكرُه.
وقولُهُ: "اللَّهُمَّ! أعطِ مُنفِقًا خَلَفًا … " أخرَجَهُ الشَّيخَانِ، مِن حديثٌ أبي هُريرَة ﵁، مرفُوعًا.
وصحَّح إسنادَهُ المنذريُّ في "التَّرغيب" (٢/ ٥٣٧)، وشيخُنَا الألبانيُّ في "الصَّحيحة" (رقم ٩٤٧).
وقال الهَيثميُّ في "المجمَع" (٣/ ١٢٢، و١٠/ ٢٥٥): "رجاله رجال الصَّحيحِ".
وله شاهدٌ عن أبي أُمامَة الباهليِّ مرفوعًا: "هلُمُّوا إلى ربِّكُم ﷿، ما قلَّ وكفَى خيرٌ ممَّا كثُر وألهَى".
أخرجَهُ ابنُ السُّنِّيِّ في "القَناعة" (٣٥)، والطَّبرانيُّ في "الكبير" (٨/ ٣١٤)، والقُضاعيُّ في "مُسنَد الشِّهاب" (١٢٦٣).
وفي إسناده فَضَّالُ بنُ جُبيرٍ، وهو ضعيفٌ.
وأخرجه أبُو يَعلَى (ج ٢/ رقم ١٠٥٣) قال: حدَّثَنا مُحمَّدُ بنُ عبَّادٍ،
1 / 16
حدَّثَنا أبو سعِيدٍ، عن صَدقةَ بن الرَّبيع، عن عُمارَةَ بن غَزِيَّةَ، عن عبد الرَّحمن بن أبي سعيدٍ - أُراه عن أبيه، شكَّ أبو عبد الله -، قال: سمعتُ النَّبيَّ ﷺ وهو على الأعواد، وهو يقولُ: "ما قلَّ وكفَى خيرٌ مما كثُر وألهَى".
وصحَّحَهُ الضِّياءُ في "المُختارَة".
• قلتُ: والذي شك هو شيخ أبي يعلى، ويكنى: أبا عبد الله، وأبو سعيدٍ هو مَولَى بني هاشمٍ، من ثقات مشايخ الإمام أحمد.
وفي إسناده صَدَقَةُ بن الرَّبيع، قال الهيثميُّ في "المجمع" (١٠/ ٢٥٥ - ٢٥٦): "وهو ثقةٌ"!! كذا قالَ!
وصدَقةُ ترجَمَهُ ابنُ أبي حاتِمٍ في "الجرح والتَّعديل" (٢/ ١/ ٤٣٣)، ولم يذكر فيه شيئًا، وذَكَره ابنُ حِبَّان في "الثِّقات" (٨/ ٣١٩). فمِثلُهُ لا يُقال فيه: "ثقةٌ".
وأخرجه ابن عديٍّ في "الكامل" (١/ ٢٧٦) قال: حدَّثَنا الحَسنُ بنُ شعبةَ الأنصاريُّ، ثنا محمَّدُ بن أحمدَ بن سعيدٍ، ثنا القاسمُ بنُ الحَكَم، ثنا إسماعيلُ بنُ سَلمَانَ، عن أنسِ بنِ مالكٍ، مرفوعًا: "ما قلَّ وكفَى خيرٌ مما كثُر وألهَى".
وفيه إسماعيل بن سلمان الأزرق، وهو متروكٌ، كما قال النَّسائِيُّ. وخَتَمَ ابنُ عَدِيٍّ ترجَمَته بقوله: "وقد رَوَى - يعني: إسماعيلَ - عن أنسٍ أيضًا حديثَ الطَّير في فضائِلِ عليّ بن أبي طالبٍ".
وهو بهذا يُشير إلى وهائِهِ؛ لأنَّ حديث الطَّير - وإن تعدَّدت طُرُقه - فهو باطلٌ واللهُ أعلمُ.
1 / 17
٦ - سُئلتُ عن الحديث القدسيِّ: "إِنَّ مِن عِبَادي مَن لَا يَصلُحُ إِيمَانهُ إِلَّا بِالغِنَى، وَلَو أَفقَرتُهُ لَكَفَرَ … الخ".
• قلتُ: هذا حديثٌ مُنكَرٌ.
أخرَجَه الخطيبُ في "التَّاريخ" (٦/ ١٥) من طريق يحيى بن عيسى الرَّمليِّ، حدَّثنا سفيانُ بنُ سعيدٍ الثَّوريُّ، حدَّثنا حمَّادُ بنُ زيدٍ، عن أبي قِلابةَ، عن كَثر بن أَفلَحَ، عن عُمَر بن الخطَّاب مرفُوعًا: "أتاني جبريلُ، فقال: يا مُحمَّدُ! ربُّك يقرأُ عليكَ السَّلامَ، ويقولُ: إنَّ مِن عبادي مَن لا يَصلُح إيمانُهُ إلَّا بالغِنى، ولو أفقرته لكفرَ، وإنَّ مِن عبادي مَن لا يَصلُح إيمانُهُ إلَّا بالفقر، ولو أغنيته لكَفَرَ، وإنَّ مِن عبادي مَن لا يَصلُح إيمانُهُ إلَّا بالسَّقَم، ولو أصحَحته لكفر، وإنَّ مِن عبادي مَن لا يَصلُح إيمانُهُ إلَّا بالصِّحَّة، ولو أسقمته لكفر".
وهذا سندٌ ضعيفٌ أو واهٍ، وعلَّتُهُ: يحيى بنُ عيسى الرَّمليُّ، ضعَّفه ابن مَعِينٍ، وقال النَّسائيُّ: "ليس بالقويِّ"، وقال ابن عدِيٍّ: "عامَّة ما يروِيهِ ممَّا لا يُتابَع عليه".
وله شاهدٌ من حديث أنسٍ ﵁ ..
أخرَجَهُ ابنُ أبي الدُّنيَا في "الأولياء" (١)، وأبو بَكرٍ الكِلَابَاذِيُّ في "معاني الأَخبَار" (ق ١٣٣/ ١ - ٢)، وأبو نُعيمٍ في "الحِليَةِ" (٨/ ٣١٨ - ٣١٩)، والأَصبَهَانِيُّ فِي "التَّرغيب" (٢٠٤)، وابنُ عساكر في "تاريخ دِمَشقَ"
1 / 18