32

Irshād al-Fuḥūl ilā Taḥqīq al-Ḥaqq min ʿIlm al-Uṣūl

إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

Editor

الشيخ أحمد عزو عناية، دمشق - كفر بطنا

Publisher

دار الكتاب العربي

Edition

الطبعة الأولى ١٤١٩هـ

Publication Year

١٩٩٩م

وَاخْتَلَفُوا هَلِ التَّكْلِيفُ بِهِ بَاقٍ حَالَ حُدُوثِهِ أَمْ لَا؟
فَقَالَ جُمْهُورُ الْأَشْعَرِيَّةِ: هُوَ بَاقٍ.
وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْجُوَيْنِيُّ: لَيْسَ بِبَاقٍ.
وَلَيْسَ مُرَادُ مَنْ قَالَ بِالْبَقَاءِ: أَنَّ تَعَلُّقَ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ لِنَفْسِهِ؛ إِذْ لَا انْقِطَاعَ لَهُ أَصْلًا، وَلَا أَنَّ تَنْجِيزَ التَّكْلِيفِ بَاقٍ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِإِيجَادِ الْمَوْجُودِ مُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ طَلَبٌ يَسْتَدْعِي مَطْلُوبًا غَيْرَ حَاصِلٍ، وَهُوَ تَكْلِيفٌ بِالْمُحَالِ، وَلَا أَنَّ الْقُدْرَةَ مع الفعل، لاستلزمه أَنْ لَا تَكْلِيفَ قَبْلَهُ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْقُولِ، وَخِلَافُ الْإِجْمَاعِ، فَإِنَّ الْقَاعِدَ مُكَلَّفٌ بِالْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ.
بَلْ مُرَادُهُمْ: أَنَّ التَّكْلِيفَ باقٍ عِنْدَ التَّأْثِيرِ لَكِنَّ التَّأْثِيرَ عَيْنُ الْأَثَرِ عِنْدَهُمْ.
وَاسْتَدَلُّوا: بِأَنَّ الْفِعْلَ مَقْدُورٌ حَالَ حُدُوثِهِ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُ الْقُدْرَةِ فَيُوجَدُ مَعَهَا، وَإِذَا كَانَ مَقْدُورًا حِينَئِذٍ فَيَصِحُّ التَّكْلِيفُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ إِلَّا عَدَمُ الْقُدْرَةِ وَقَدِ انْتَفَى.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ يَلْزَمُ التَّكْلِيفُ بِإِيجَادِ الْمَوْجُودِ وَهُوَ مُحَالٌ.
وَيُرَدُّ: بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ الْمُحَالَ إِنَّمَا هُوَ إِيجَادُ الْمَوْجُودِ بِوُجُودٍ سَابِقٍ، لَا بِوُجُودٍ حَاصِلٍ.
المبحث الرابع في المحكوم عليه وهو المكلف
...
الْبَحْثُ الرَّابِعُ: فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُكَلَّفُ
اعْلَمْ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِالشَّرْعِيَّاتِ فَهْمُ الْمُكَلَّفِ لِمَا كُلِّفَ بِهِ، بِمَعْنَى تَصَوُّرِهِ، بِأَنْ يَفْهَمَ مِنَ الْخِطَابِ الْقَدْرَ الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الِامْتِثَالُ، لَا بِمَعْنَى التَّصْدِيقِ بِهِ، وَإِلَّا لَزِمَ الدَّوْرُ١، وَلَزِمَ عَدَمُ تَكْلِيفِ الْكُفَّارِ، لِعَدَمِ حُصُولِ التَّصْدِيقِ "لَهُمْ"*.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى اشْتِرَاطِ الْفَهْمِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ: بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ لَزِمَ الْمُحَالُ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ اسْتِدْعَاءُ حُصُولِ الْفِعْلِ عَلَى قَصْدِ الِامْتِثَالِ، وَهُوَ مُحَالٌ عَادَةً وَشَرْعًا مِمَّنْ لَا شُعُورَ لَهُ بِالْأَمْرِ.
وَأَيْضًا: يَلْزَمُ تَكْلِيفُ الْبَهَائِمِ؛ إِذْ لَا مَانِعَ مِنْ تَكْلِيفِهَا إِلَّا عَدَمُ الْفَهْمِ، وَقَدْ فُرِضَ أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ "وَقَدِ اتَّفَقَ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى كَوْنِ الْفَهْمِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ شَرْطًا لِصِحَّةِ التَّكْلِيفِ.

* ساقطة من "أ".

١ تقدم الكلام على الدور في الصفحة "٢٠".

1 / 36