Guidance of the Virtuous to Achieve the Truth in the Science of Principles
إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول
Investigator
الشيخ أحمد عزو عناية، دمشق - كفر بطنا
Publisher
دار الكتاب العربي
Edition Number
الطبعة الأولى ١٤١٩هـ
Publication Year
١٩٩٩م
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:
أَنَّ شَرْطَ الْفِعْلِ الَّذِي وَقَعَ التَّكْلِيفُ بِهِ، أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا فَلَا يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِالْمُسْتَحِيلِ، عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ الْحَقُّ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُسْتَحِيلًا بِالنَّظَرِ إِلَى ذَاتِهِ، أَوْ بِالنَّظَرِ إِلَى امْتِنَاعِ تَعَلُّقِ قُدْرَةِ الْمُكَلَّفِ بِهِ.
وَقَالَ جُمْهُورُ الْأَشَاعِرَةِ: بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ فِي الْمُمْتَنِعِ لِذَاتِهِ، جَائِزٌ فِي الْمُمْتَنِعِ لِامْتِنَاعٍ تَعَلَّقَ قُدْرَةُ الْمُكَلَّفِ بِهِ.
احْتَجَّ الْأَوَّلُونَ: بِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ التَّكْلِيفُ بِالْمُسْتَحِيلِ لَكَانَ مَطْلُوبًا حُصُولُهُ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ تَصَوُّرَ ذَاتِ الْمُسْتَحِيلِ، مَعَ عَدَمِ تَصَوُّرِ مَا يَلْزَمُ ذَاتُهُ لِذَاتِهِ، مِنْ عَدَمِ الْحُصُولِ، يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ ذَاتُهُ غَيْرَ ذَاتِهِ، فَيَلْزَمُ قَلْبُ الْحَقَائِقِ.
وَبَيَانُهُ: أَنَّ الْمُسْتَحِيلَ لَا يَحْصُلُ لَهُ صُورَةٌ فِي الْعَقْلِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَصَوَّرَ شَيْءٌ هُوَ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ فَتَصَوُّرُهُ إِمَّا عَلَى طَرِيقِ التَّشْبِيهِ، بِأَنْ يُعْقَلَ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْحَلَاوَةِ أَمْرٌ، هُوَ الِاجْتِمَاعُ، ثُمَّ يُقَالُ مِثْلُ هَذَا الْأَمْرِ لَا يُمْكِنُ حُصُولُهُ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، وَإِمَّا عَلَى سَبِيلِ النَّفْيِ بِأَنْ يُعْقَلَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ مَفْهُومُ اجْتِمَاعِ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ.
وَبِالْجُمْلَةِ: فَلَا يُمْكِنُ تَعَلُّقُهُ بِمَاهِيَّتِهِ بَلْ بِاعْتِبَارٍ مِنَ الِاعْتِبَارَاتِ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ قُبْحَ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِدْلَالٍ، وَالْمُجَوِّزُ لِذَلِكَ لَمْ يَأْتِ بِمَا يَنْبَغِي الِاشْتِغَالُ بِتَحْرِيرِهِ، وَالتَّعَرُّضُ لِرَدِّهِ، وَلِهَذَا وَافَقَ كَثِيرٌ مِنَ الْقَائِلِينَ بِالْجَوَازِ عَلَى امْتِنَاعِ الْوُقُوعِ، فَقَالُوا: يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِمَا لَا يُطَاقُ، مَعَ كَوْنِهِ مُمْتَنِعَ الْوُقُوعِ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجُمْلَةِ: قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ ١ ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾ ٢ ﴿رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِه﴾ ٣.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ عِنْدَ هَذِهِ الدَّعَوَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ: "قَدْ فَعَلْتُ"٤ وَهَذِهِ الْآيَاتُ وَنَحْوُهَا إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ، لَا عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ، على أن
_________
١ جزء من آية في سورة البقرة رقمها "٢٨٦".
٢ جزء من آية في سورة الطلاق رقمها "٧".
٣ جزء أيضًا من الآية المتقدمة في سورة البقرة رقمها "٢٨٦".
٤ أخرجه مسلم من حديث ابن عباس في كتاب الإيمان، باب تجاوز الله تعالى عن حديث النفس "١٢٦". أخرجه الترمذي في كتاب تفسير القرآن باب ومن سورة البقرة "٢٩٩٢" وقال: هذا حديث حسن. والنسائي في الكبرى، كما في تحفة الأشراف للمزي "٥٤٣٤" وأحمد في مسنده "١/ ٢٣٣".
1 / 32