104

Irshad

الإرشاد إلى نجاة العباد للعنسي

Genres

Sufism

تكملة لما سبق قد عرفت أيها الطالب ما يتعلق بكل عضو من الأعضاء الظاهرة والباطنة، فينبغي أن تحرس نفسك في جميع أحوالك من تروكك وأفعالك، وأنفاسك وألحاظك، وحركاتك وسكناتك، وأصواتك وإنصاتك، ولا تجعل شيئا من ذلك في معصية الله تعالى، ولا تخرج به عن طاعته، وليس دون أن يكون فعلك طاعة الله إلا خروجك عن كونه معصية، وإلا فأنت إذا قصدت بالمباح القربة صار طاعة، ولا تستكثر في عينك من الطاعة كثيرا، ولا تستصغر في عينك من المعاصي صغيرا، ولا يدعوك قول قائل: إن الله غفور رحيم إلى أن تتجاسر على هتك حرمته بارتكاب معصيته فتكون { من الأخسرين أعمالأ، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا } (1) فإن هذه كلمة حق أردت أنت بها الباطل، وقصد الله تعالى بها الصدق ؛ فإنه تعالى بلا شك غفور رحيم، عفو كريم، ومن كرمه وغفرانه جعل المعاصي التي صغيرها عظيم في حقه قسمين: قسم أسقطه بغير عناية سماه صغيرا، وقسم أسقطه بالتوبة وسماه كبيرا، وجعل التوبة شيئا يسيرا ليس إلا الندم والعزم، وجعل الطاعات التي يصغر كبيرها في حقه عظيمة، فجعل على كل واحدة منها عشرا، ولم يجعل على المعصية التي أسقطها بالتوبة إلا جزأ واحدا، ثم جعل الثواب على قيام خمس ساعات في اليوم والليلة ملكا لا يبلى ولا ينفد ولا يحصى ولا يعد، من كل جنس من الأجناس، ولو قام عبد رجل في خدمته الليل والنهار وطلب منه ألف دينار أو أقل لسخر به العقلاء، ولو قال له مولاه: إذا لم تزن بجاريتي بحضرتي، ولم تشتمني في وجهي وليتك على أهل ولايتي لعد ذلك غاية الكرم الذي لا يفعله إلا الله تعالى، فإنه قال لعبيده: متى لم يفعلوا ذلك، ولم ينتهكوا معصيته حيث يراهم فإنه يعطيهم نعيما خطيرا، وملكا كبيرا.

Page 108