Iqtisad
الاقتصاد في الاعتقاد
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٤ م
Publisher Location
بيروت - لبنان
Genres
Creeds and Sects
الباب الثاني
في بيان وجوب التصديق بأمور
ورد بها الشرع وقضى بجوازها العقل
وفيه مقدمة وفصلان، أما المقدمة: فهو أن ما لا يعلم بالضرورة ينقسم إلى ما يعلم بدليل العقل دون الشرع، وإلى ما يعلم بالشرع دون العقل، وإلى ما يعلم بهما. أما المعلوم بدليل العقل دون الشرع فهو حدث العالم ووجود المحدث وقدرته وعلمه وارادته، فإن كل ذلك ما لم يثبت لم يثبت الشرع، إذ الشرع يبنى على الكلام فإن لم يثبت كلام النفس لم يثبت الشرع. فكل ما يتقدم في الرتبة على كلام النفس يستحيل إثباته بكلام النفس وما يستند إليه ونفس الكلام أيضًا فيما اخترناه لا يمكن اثباته بالشرع. ومن المحققين من تكلف ذلك وادعاه كما سبقت الاشارة إليه.
وأما المعلوم بمجرد السمع فتخصيص أحد الجائزين بالوقوع فإن ذلك من موافق العقول، وإنما يعرف من الله تعالى بوحي والهام ونحن نعلم من الوحي إليه بسماع كالحشر والنشر والثواب والعقاب وأمثالهما، وأما المعلوم بهما فكل ما هو واقع في مجال العقل ومتأخر في الرتبة عن إثبات كلام الله تعالى كمسألة الرؤية وانفراد الله تعالى بخلق الحركات والأغراض كلها وما يجري هذا المجرى، ثم كلما ورد السمع به ينظر، فإن كان العقل مجوزًا له وجب التصديق به قطعًا إن كانت الأدلة السمعية قاطعة في متنها ومستندها لا يتطرق إليها احتمال، وجب التصديق بها ظنًا إن كانت ظنية، فإن وجوب التصديق باللسان والقلب عمل يبنى على الأدلة الظنية كسائر الأعمال فنحن نعلم قطعًا إنكار الصحابة على من يدعي كون العبد خالقًا لشيء من الأشياء وعرض من الأعراض، وكانوا ينكرون ذلك بمجرد قوله تعالى " خالق كل شيء " ومعلوم أنه عام قابل للتخصيص فلا يكون عمومه إلا مظنونًا، إنما صارت المسألة قطعية بالبحث على الطرق العقلية التي ذكرناها، ونعلم أنهم كانوا ينكرون ذلك قبل البحث عن الطرق العقلية ولا ينبغي أن يعتقد بهم أنهم لم يلتفتوا إلى المدارك الظنية إلا في الفقهيات بل اعتبروها أيضًا في التصديقات الاعتقادية والقولية.
1 / 115