بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله محيي الأموات، ومميت الأحياء، الذي لا تعجز قدرته عن شئ من الأشياء، الذي فضل الأنبياء والأوصياء على جميع القبائل والعشائر، وفضل بعدهم المؤمنين فبشرهم بأحسن البشائر، وذخر لأهل العصمة وشيعتهم أشرف الكنوز والذخائر، وخصهم بأفضل المفاخر وأكمل المآثر، وأتم لهم الفضائل الباطنة والظاهرة، وجعل لهم البشرى في الحياة الدنيا والآخرة، فوعدهم بالدولة الظاهرة والصولة القاهرة، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، صلاة وسلاما دائمين إلى يوم الدين.

وبعد: فيقول الفقير إلى الله الغني محمد بن الحسن الحر العاملي عامله الله بلطفه الخفي والجلي: قد جمع بعض السادات المعاصرين رسالة في إثبات الرجعة التي وعد الله بها المؤمنين، والنبي والأئمة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين، وفيها أشياء غريبة مستبعدة لم يعلم من أين نقلها، ليظهر أنها من الكتب المعتمدة، فكان ذلك سببا لتوقف بعض الشيعة عن قبولها، حتى انتهى إلى إنكار أصل الرجعة، وحاول إبطال برهانها ودليلها، وربما مال إلى صرفها عن ظاهرها وتأويلها، مع أن الأخبار بها متواترة والأدلة العقلية والنقلية على إمكانها ووقوعها كثيرة متظاهرة.

وقد نقل جماعة من علمائنا إجماع الإمامية على اعتقاد صحتها، وإطباق الشيعة الاثنا عشرية على نقل أحاديثها وروايتها، وتأولوا معارضها على شذوذه وندوره بالحمل على التقية، إذ لا قائل بها من غير الشيعة الإمامية، وذلك دليل

Page 35

واضح على صحتها، وبرهان ظاهر على (ثبوتها ونقل روايتها) (1)، فالتمس مني بعض الإخوان جمع ما حضرني من أخبارها، والكشف عن حقيقة أسرارها، وما ورد فيها من أحاديث الكتب المعتمدة من الروايات، وما يمكن إثباته من كلام علمائنا الأثبات، فرأيت ذلك من جملة المهمات بل من الفروض الواجبات، فشرعت في جمعها إظهارا لنصيحة المؤمنين، ودفعا للشبهات عن أحكام الدين، مع ضيق الوقت، وتراكم الأشغال، وكثرة الموانع الموجبة للكلال واشتغال البال، وقلة وجود الكتب التي يحتاج إليها ويعول في مثل ذلك عليها، وفيما حضر من ذلك كفاية إن شاء الله تعالى لذوي الانصاف، الذين يتنكبون طريق البغي والاعتساف.

فإن الذي وصل إلينا في هذا المعنى قد تجاوز حد التواتر المعنوي، وأوجب لأهل التسليم العلم القطعي اليقيني، وقد سميت هذه الرسالة ب‍ " الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة " سائلا من الله التوفيق والتسديد، راغبا من كرمه في المعونة والتأييد، راجيا منه جزيل الثواب، وأن ينفع بها في الدنيا ويوم الحساب، وهي مرتبة على أبواب اثنى عشر تبركا بهذا العدد الشريف.

الأول: في المقدمات.

الثاني: في الإشارة إلى الاستدلال على الرجعة وإمكانها ووقوعها.

الثالث: في جملة من الآيات القرآنية الدالة على ذلك ولو بانضمام الأحاديث في تفسيرها.

الرابع: في إثبات أن ما وقع في الأمم السابقة يقع مثله في هذه الأمة.

الخامس: في إثبات أن الرجعة قد وقعت في الأمم السابقة.

Page 36

السادس: في إثبات أن الرجعة قد وقعت في الأنبياء والأوصياء السابقين.

السابع: في إثبات أن الرجعة قد وقعت في هذه الأمة في الجملة، ليزول استبعاد الرجعة الموعود بها في آخر الزمان.

الثامن: في إثبات أن الرجعة قد وقعت للأنبياء والأئمة (عليهم السلام) في هذه الأمة في الجملة، ليزول بها الاستبعاد المذكور.

التاسع: في جملة من الأحاديث المعتمدة الواردة في الإخبار بالرجعة لجماعة من الشيعة وغيرهم من الرعية.

العاشر: في جملة من الأحاديث المعتمدة الواردة في الإخبار بالرجعة لجماعة من الأنبياء والأئمة (عليهم السلام).

الحادي عشر: في أنه هل بعد دولة المهدي (عليه السلام) دولة أم لا؟

الثاني عشر: في ذكر شبهة منكر الرجعة والجواب عنها.

والله ولي التوفيق وبيده أزمة التحقيق.

Page 37

بياض

Page 38

الباب الأول في المقدمات التي لابد منها قبل الشروع في المقصود، ليكون الطالب لتحقيق هذه المسألة على بصيرة في طلبه، ونذكرها على وجه الاختصار إذ يكفي التنبيه عليها والإشارة إليها وهي اثنتا عشرة:

الأولى: في وجوب التسليم لما ورد عنهم (عليهم السلام).

والأحاديث في ذلك كثيرة جدا ولا بأس بإيراد شئ منها:

1 - روى الشيخ الجليل ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني - في باب التسليم - عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حماد بن عثمان، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي (1)، قال:

قال أبو عبد الله (عليه السلام): " لو أن قوما عبدوا الله وحده لا شريك له، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وحجوا البيت، وصاموا شهر رمضان، ثم قالوا لشئ صنعه الله أو صنعه رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا صنع خلاف الذي صنع؟ كانوا (2) بذلك مشركين، ثم تلا

Page 39