الرسول علمُه، وكل هذا طعنٌ على من اعتقده في نفسه وأبدعَ في الدين ما
لم يشرعه الله سبحانه ولم يسُنَّه رسوله، فما العذرُ عندكم لعمرَ في هذا
الباب، وما المخرَج له منه؟
فيقال لمن اعترضَ بهذا من أغبياء الرافضة وأوغادِها: ليس الأمرُ في
هذا على ما توهَّمتم، بل ما وصفناه: من فضائل عُمرَ الشريفة وسُنَنِه الرضية
الحميدة التي رَضِيَها المسلمون، ونوَّر بها مساجدَهم، وقوَّى بها هِمَمَهم
ودَواعِيهم على طاعة ربهم، وحفظِ كتابه، وإعظامِ دينه، وإقامةِ مَعالمه.
وكان ما صنعه من ذلك متَّبِعا للرسول ﷺ وحاضّا على ما حثَّ عليه ودعا إليه ورغَّب فيه، وذلك أنّ رسولَ الله ﷺ قد كان صلى بالناس هذه الصلاةَ في شهر رمضان، جمعَهم لها وقام بهم فيها، ثم ترك ذلك مع إيثارِه له ورغبته فيه خوفا من فرضه على أمته، أو خوفَ توهُّمِ متوهّم من بعده أنها لمداومة الرسول عليها من اللوازم المفروضات، وأخبرهم بأنه إنما تركها لهذه العلة، لا لقُبحها ولا لكونها بدعة في الدين، ولا لأجل أنها مَفسَدةٌ للدين والمسلمين، ولا مما يجبُ أن يزهدوا فيه ويرغبوا عنه.
وروى أحمد بن منصور الرَّمادي عن عبد الرزاق عن مَعْمَر عن
الزُهْري عن عروةَ عن عائشةَ رضوان الله عليها قالت: "صلى رسول الله ﷺ بالناس في شهر رمضان في المسجد، ثم صلى الثانية واجتمع تلك الليلةَ أكثرُ من الأولى، فلما كانت الليلة الثالثةُ والرابعةُ امتلأ المسجد حتى غصَّ بأهله، فلم يخرج إليهم، فجعل الناسُ ينادونه الصلاةَ، فلم يخرج،