تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ (^١) وقال: ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً﴾ (^٢) فيكون المراد بطهارة القلوب هذه الزيادة، وسماها تطهيرًا لأنها احدى الدواعي والمقويات على حصول التطهير.
وإما أن يريد بالتطهير للقلوب هو: الحكم بطهارتها، كما ثبت قبله في التزكية والتعديل والتفسيق، فإن الحكم المزكي بزكاة غيره وشهادته بذلك يسمى تزكية ولهذا قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ﴾ (^٣) أي يحكم ويشهد لهم بذلك، فكذلك الحكم بالعدالة يسمى تعديلًا، والحكم بالفسق يسمى تفسيقًا فكذلك الحكم بالطهارة يسمى تطهيرًا، هذا تحقيق جوابه.
فيقال له ولأهل مذهبه قبل هذا: هذه الآية التي استدللنا بها وردت في قوم من اليهود، وذلك أن رجلًا وامرأة من عظماء أهل خيبر زنيا وكانا محصنين وعندهم بكتابهم على المحصن الرجم فشق عليهم (^٤) رجمهما، وقالوا لبعضهم: اذهبوا إلى هذا الرجل الذي بيثرب فاسألوه عن هذا فإن كان رسولًا كما زعم فليس له (^٥) الرجم بكتابه بل الجلد فإن أمركم بالجلد فخذوه وإن أمركم بالرجم فاحذروه، والقصة بذلك طويلة فأنزل الله فيهم ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ﴾ (^٦) فأخبر
(^١) مريم آية (٧٦).
(^٢) الجمعة (٢).
(^٣) في - ح - (عليهما).
(^٤) ليست في - ح -.
(^٥) أخرجه م. كتاب الحدود ب رجم اليهود وأهل الذمة في الزنى ٣/ ١٣٢٦ من حديث البراء بن عازب ﵁.
ولم ينص على أن الرجلين من خيبر وإنما ورد ذلك من حديث جابر بن عبد الله ﵄ أنهما من يهود فدك ذكر ذلك القرطبي والسيوطي في الدر المنثور ونسبه إلى ابن المنذر وابن مردويه. انظر: تفسير القرطبي ٦/ ١٧٧، الدر المنثور ٣/ ٧٤.
(^٦) المائدة آية (٤١).