Intisar
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
Genres
وأما ثانيا: فلا نسلم أن ما يخرج منها لا يستحيل إلى غير نتن، بل القذر والنتن ملازم لما يخرج منها، ويعرف ذلك من خبر حالها في أبراج الحمام وأماكن الدجاج التي تبيت فيها، فإن القذر فيها مستحكم في الرائحة الخبيثة والنتن الظاهر، وتقذيرها للأماكن الطاهرة مما لا يخفى حاله، فحصل من مجموع ماذكرناه: أن قياسها على النحل غير صحيح لما ذكرناه من جهة أن العسل طيب خروجه من أفواهها فهو كالريق في طهارته وطيبه، وهذه الذروق كلها خارجة من الأدبار، فأشبهت رجيع بني آدم، فبطل ماتوهموه.
مسألة: ذرق سباع الطير كالبازي والشاهين والصقر وغير ذلك، نجس عند أئمة العترة، وهو قول الشافعي.
والحجة على ذلك: هو أنها حيوانات لا يؤكل لحمها، فوجب أن تكون ذروقها نجسة كالآدمي، أو نقول: حيوان يستحيل ذرقه الى قذر ونتن فكان نجسا كالرجيع، أو خارج من سبيل ما لا يؤكل لحمه، فكان نجسا كالغائط، وإلى هذا ذهب محمد بن الحسن من أصحاب أبي حنيفة.
وحكي عن أبي حنيفة وأبي يوسف: أنها لاتفسد شيئا، ولو كان فاحشا كثيرا، وحكي عن أبي حنيفة أنه قال: من صلى وعلى ثوبه ذرق من سباع الطير التي لا يؤكل لحمها وهو أكبر من قدر الدرهم فإنها تجزئه ولاتلزمه إعادتها.
والحجه على ذلك: ما يعلم من مطرد العادة من حصول ذرقها في الأماكن الطاهرة كالجوامع والمساجد، ولم يعلم أن أحدا من العلماء في الأمصار والأقاليم أمر بتطهير المساجد والجوامع من ذرقها ولا أنكره، وفي هذا دلالة على أنها طاهرة، وقد قال عليه السلام: (( مارآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن)). وهذا كاف في كونها طاهرة.
والمختار: ما عول عليه علماء العترة، ومن وافقهم من فقهاء الأمة من القول بنجاسته.
والحجة على ذلك: هو أنها ذروق أحالتها الطبيعة في البطون، فوجب القضاء بنجاستها، دليله: العذرة، أو نقول: ذروق خبيثة في اللون والرائحة فكانت نجسة كالغائط الذي يخرج من بني آدم.
الانتصار: قالوا: اطرد في العادة أن العلماء لم يأمروا بغسل المساجد من ذرقها مع علمهم بوقوعها فيها.
Page 341