279

Intisar

الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197

قلنا: لا نسلم أن النجس مثل الرجس فإن الرجس القذر، ولهذا جعله وصفا للخنزير، بخلاف النجاسة فإنها لا نسلم كونها صريحة في القذر بل يمكن حملها على نجاسة الأفعال بالخدع والمكر فافترقا، ثم لو سلمنا أنهما مستويان في الوصف بالقذر فلا نسلم استواءهما في نظر الشرع، فإن الكافر آدمي قد شرف بالعقل والتمييز والاهتمام بأمره في حفظ الملائكة وإرسال الرسل وإنزال الكتب إليه فكيف يقال بأنهما مستويان في نظر الشرع! فقد انقطع عن الخنزير بما ذكرناه، فلا جرم حكمنا بطهارته لبعده عن كونه مشابها للخنزير.

قالوا: مشرك فوجب أن يكون سؤره نجسا كما لو شرب بول ما لا يؤكل لحمه.

قلنا: هذه علة ركيكة مركبة، والعلل المركبة، أكثر النظار من الأصوليين لا يعرج عليها ولا يجعلها عمدة في تقرير الأحكام الشرعية ولا ثمرة لها في الجدل؛ لأن عندنا أن نجاسة سؤره في هذه الصورة إنما كان نجسا لنجاسة البول واتصاله به، وعندهم إنما كان نجسا لكفره، فلا يستقل أحدهما بإسناد النجاسة إليه، وما هذا حاله يكون باطلا لا أثر له، فسقط ما ذكروه وصح التوضؤ بسؤر الكافر كما أشرنا إليه.

مسألة: وسؤر الكلب والخنزير هل يكون نجسا أم لا؟ فيه مذهبان:

المذهب الأول: أنه نجس لا يجوز التوضؤ به، وهذا هو رأي أكثر أئمة العترة وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والشافعي.

والحجة على ذلك: نوضحها عند الكلام في ذكر الأشياء النجسة، فإذا كان نجسا كان سؤره نجسا أيضا لأجل اتصال ريقه بالماء إذا كان قليلا سواء تغير لونه أو لم يتغير فلا يجوز التوضؤ به أصلا، وهؤلاء إنما قالوا بنجاسة الماء مع كونه غير متغير لما ذهبوا إلى نجاسة الماء القليل وإن لم (يكن) متغيرا بالنجاسة، وقد مر الكلام عليه فلا فائدة في إعادته، فلا جرم قالوا على أثر هذا بنجاسة سؤر الكلب والخنزير إذا ولغا في ماء قليل.

المذهب الثاني: أن سؤرهما ليس نجسا إذا لم يكن الماء متغيرا به، وهذا هو المحكي عن مالك، وهذا الذي يأتي على ظاهر إطلاق القاسم في أن الماء القليل لا ينجس بوقوع النجاسة عليه إذا لم يكن متغيرا بها.

والحجة على ذلك: هي ما تقدم من الظواهر الشرعية في طهارة الماء، وأنه لا ينجس بوقوع النجاسة عليه إلا إذا غيرت أحد أوصافه قليلا كان أو كثيرا فإنها لم تفصل في ذلك.

والمختار: قد أسلفنا الكلام عليه والانتصار له بالحجج الواضحة والبراهين الباهرة.

Page 284