246

Intisar

الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197

وأما ثالثا: فلأن كلامنا إنما هو في كونه مطهرا أو غير مطهر، وكلام عمر إنما هو في شربه، وكم من شيء يستكره الإنسان شربه مع كونه طاهرا مطهرا، فاستكراه شربه لا يدل على كونه غير مطهر، فحصل من مجموع ما ذكرنا صحة كون الماء المستعمل طاهرا مطهرا بالأدلة التي ذكرناها وبالجواب عما أوردوه من الشكوك على هذ القاعدة، ولو عدمت الماء في سفر أو حضر ووجدت ماء مستعملا لتوضأت به ولم أعدل إلى التيمم لوجهين:

أما أولا: فلأن الله تعالى يقول: {فلم تجدوا ماء فتيمموا}[النساء:43]. وهذا واجد للماء لا محالة.

وأما ثانيا: فلأنه طاهر، مطهر فلا حاجة إلى العدول إلى التراب مع وجوده وإمكانه، ولم أستعمل الماء المستعمل في عمري في طهارة حدث ولا أزلت به نجاسة، ولكن الغرض من تحقيق المسألة وتقريرها أمران:

أحدهما: إبانة الحق من المسألة فيما تؤدي إليه الأدلة الشرعية من الظواهر النقلية والمقاييس النظرية في التصرفات الاجتهادية.

وثانيهما: لجواز أن يضطر إليها مضطر في سفر أو مرض أو عند إعواز الماء، ولهذا فإنك ترى من برز في الاجتهاد وتبحر في علومه يفتي بالمسألة ولا يفعل بما أفتى به، من الصحابة والتابعين وغيرهم، ولأجل ذلك فإن ابن عباس أفتى بحل المتعة ورجع عنها، ومع ذلك فإنه لو حز رأسه ما تمتع، وأبوحنيفة أباح شرب المنصف والمثلث ولو قطعت أوصاله ما شربها أبدا، والشافعي أباح قتل تارك الصلاة، ولو حظي إلى مثله لم يحتز رأسه، ولكن الغرض إبانة ما يؤدي إليه النظر الشرعي في المسائل كلها سواء عمل بها أو لم يعمل.

مسألة: تشتمل على تفريعات المذاهب التي أسلفناها في الأمواء وجملتها ستة:

Page 251