Intikasat Muslimin
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
Genres
إن مصر ليست بانتظار الشيخ قرضاوي وإخوانه القدامى العتاقي أو الجدد الشبابي ليقيموا لها دولتها، فدولتها قائمة ماكينة شغالة مما قبل التاريخ لم تتوقف يوما عن الوجود والأداء، جاء اليونان وهي تعمل وهي هي مصر وجاء الروم وخرجوا وهي تعمل وهي مصر، وجاء قمبيز والفرس وهي تعمل وهي مصر، وجاءها الغزو العربي وهي تعمل وهي مصر، وما دام الشيخ يتحدث عن النظم الأصلية بنت تراب المنطقة فلماذا لا يعود زيادة في الأصالة نحو ما هو أكثر أصالة واقتدارا؟
المشكلة أن صاحب الفضيلة يرذل الوطنية والقومية بحسبانها مبتدعات الغرب الحديث الكافر فيرى الوطنية نعرة كافرة واردة مع الاستعمار الغربي وأنها والفكرة القومية هي من الأوثان (كتابه الإخوان، ص19)، ومع ذلك يحدثنا عن الأكثرية والأقلية، وهي مفاهيم ومصطلحات لا علاقة لها بدين من الأديان، بقدر ما هي مترتبة على الصيغة المجتمعية لعقد الدولة الحديثة القائم على المواطنة المدنية أو العلمانية. فما لقرضاوي وتلك المفاهيم وهو يرفض كل ما تنبته تربة ذلك الغرب الوثني؟! ثم متى كان للأكثرية قيمة في تاريخ قرضاوي العربي؟ لقد كان دوما وأبدا مع الأقلية المطهرة في مقابلة الأكثرية الآثمة:
وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك (الأنعام: 116)،
ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت (الأنفال: 19)،
وكثير منهم ساء ما يعملون (المائدة: 66)،
قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث (المائدة: 100)، فلماذا لا يكون طائعا لمحارم دينه ويقف في صف الأقلية ولو مرة؟
إن قرضاوي هو وإخوانه وميليشياته عندما يقوم بعملية تهجين لمفاهيم بدوية عتيقة بنت قرون طويلة مضت وبين مفاهيم مدنية حداثية، ليتخذوا موقفهم الرافض للمواطنة ووجوب سيادة الطائفة الإسلامية لشرائعها على بقية ملل ونحل الوطن، اعتمادا على مبدأ الأكثرية والأقلية يصل إلى مسخ شائه لا علاقة له بوطن ولا بدين ولا بأصالة ولا بمعاصرة، يصل إلى نتائج مضللة حيث تصبح الأغلبية أغلبية بدينها الذي لم تصنعه وإنما ولدت داخله، وهو ما لا علاقة له بالأغلبية بالمعنى السياسي الذي تقوم عليه الدول، لأن الأغلبية والأقلية في المفاهيم السياسية هي نصاب سياسي، فيجوز للمواطن الانتقال بينهما وهو المستحيل بين الطوائف، ويمكن تحول الأقلية إلى أكثرية أو العكس، وهو أيضا ما لا يتوافر في الطوائف، كذلك يمكن أن تحكم الأقلية الأكثرية إذا فاز مرشحوها وهو ما ترفضه مدرسة قرضاوي المعتدل جملة وتفصيلا وبداية ونهاية وقولا واحدا. هذا بينما يجعل التعدد في العلمانية ميزة لا نقصا هو ذلك السماح والتسامح الذي تقبله الأقلية والأكثرية بحرية انتقال المواطنين بينهما في فضاءات حرة من أي خطوط حمراء ودونما تجريم وتكفير وتخوين؛ فهي اختيارات كلها محترمة في نظر المتصارعين سلميا.
هذا بينما لو طبقنا تلك المفاهيم المحدثة على أي مرجعية دينية لا بد أن تكون النتائج ما يحدث في العراق، ويكون الخصام والكراهية والمذابح كما في السودان، والتمزق والحرب الضروس في أيرلندا ودويلات إفريقيا، ولا يبقى سوى صراع التعدد المدني هو الوحيد ضامن التوحد والقوة، بينما يكون صراع التعدد الطائفي مزيدا من الدم والتخلف والاقتتال والدمار بدلا من التلاحم تحت راية الوطن الواحد.
ترى هل ما يقوله الدكتور القرضاوي هنا هو لون من الهزل؟ بالطبع هذا لا يصح مع حجم الرجل فلا شك أنه يعني ما يقول، وأنه ليس لديه أي سوء فهم للموقف لكنه يصور نفسه وقد انحاز للمبدأ الديمقراطي، وما كانوا يفعلون ذلك، لولا أنه مبدأ يستحق الانتساب إليه عزة وكرامة، ثم يكرسون الأكثرية الطائفية أمام أقليات غير مسلمة، في سيناريو، لا فيه حق ولا معه عدل ولا هو قول صادق. هو جريمة كاملة في حق العقل المسلم الذي تمت قولبته وزرع بفيروسات الواحدية المصمتة، فلم يعد يرى سوى أن الحق واحد وهو ما لدى المشايخ (لكنه لا يعترف بذلك وأن ذلك منطق إمبراطوريات ذلك الزمان لا يعيب الإسلام ولا يشينه). أما الفاجع فهو ألا يواجه رجل الدين رعيته بصدق وشفافية، ألا ترونه يقول بالقطع: «لا يوجد قط في مرجعية الشريعة ما يتعارض مع عقائد هؤلاء غير المسلمين.» إذن لماذا المسلمون مسلمون ولماذا المسيحيون مسيحيون؟ ولماذا السنة سنة ولماذا الشيعة شيعة؟ ولماذا لم يتحول الجميع للإسلام ما دامت الشرائع واحدة، أو لماذا لم يتحول المسلمون إلى أي دين آخر وخلاص ما دام الحكاية في بيتها وأهو يبقى زيتنا في دقيقنا؟!
إن الشيخ يعلم أن مرجعية الشريعة بشأن غير المسلمين هي القسوة المفرطة والصغار والإذلال، ومع ذلك يقول ما قال بشديد البساطة ويطالبهم بالخضوع للقانون الشرعي الإسلامي كما سبق وقبلوا القوانين الأوروبية؟ الشيخ يدرك الفرق الفادح بين قانون طائفي يميز في كل شأن بين أبناء طائفته والطوائف الأخرى، وبين قانون مدني نضعه بأيدينا حسب مصلحتنا العامة ونغيره بأيدينا عندما تجد المستجدات، بعكس القانون السماوي الثابت الواحد الذي لا يتبدل ولا يتغير.
Unknown page