45

Insan Hayawan Ala

الإنسان والحيوان والآلة: إعادة تعريف مستمرة للطبيعة الإنسانية

Genres

فهي تساعدنا على التفكير أولا في العلاقة الملموسة التي تربطنا بها في الحياة وعلى وضع حدود للمملكة الحيوانية في «الكون المحيط بنا». فما هو الحيوان من الناحية العلمية ؟ ما الذي يميزه عن النبات؟ كيف تعمل أعضاء جسمه؟ فيم يستطيع أن يخدمنا؟ هل يشبهنا؟ (انظر الجزء الثالث من هذا الكتاب). وبلا شك تهم كل هذه الأسئلة المنطقية الفكر الإنساني بفروعه كافة: علم الأحياء وعلم الاجتماع والفلسفة والتاريخ والجغرافيا والطب ... إلخ. (1-1) العالم الخيالي

عبر فرانسوا جاكوب

1

عن رأيه بصورة رائعة قائلا: «ربما يحتاج الإنسان إلى الحلم بقدر حاجته إلى الحقيقة.» تساعدنا الحيوانات إذن على التفكير في أحلامنا أو في أوهامنا. وهنا نبتعد قليلا عن المنطق ونتناول المجال الخيالي (انظر الفصل الحادي والعشرين). وفي الواقع توجد ثلاث طرق لتصور الحيوان؛ الحيوان الذي يتخذ شكل إنسان وهو قد خلق إلى حد ما مثل البشر، والحيوان الجماد الذي ينظر إليه كالآلة، والحيوان الكائن الحساس. وتهدف الدلالتان الأخيرتان إلى تفسير عقلاني للحيوان، وتتفقان مع ما ذكرناه فيما سبق عندما يحل في يومنا هذا الحيوان الكائن الحساس تدريجيا محل المفهوم غير الشائع للحيوان الجماد. وفي المقابل فإن المفهوم الأول الذي يشبه الحيوان بالإنسان والذي يجعل من الحيوان بطريقة ما «استعارة يقصد بها الإنسان» ربما يكون هو الذي يساعدنا بصورة أكبر على التفكير أو الحلم لا سيما في مجال الفنون.

لقد رأينا فيما سبق كيف يتسنى للإنسان أن يمثل لنفسه في العديد من الديانات غير السماوية بنية الآلهة بفضل الحيوان الذي يكتسب الطابع الإنساني (انظر الفصل الثاني عشر). ولكن أيضا في الدول العلمانية غالبا ما يوفر الحيوان حكاية رمزية لتوجيه السلوك الإنساني؛ فلقد ذكرنا من قبل أساطير لافونتين أو خرافات إيسوب التي تستخدم الحيوانات من أجل إعطاء البشر دروسا أخلاقية. وقد نضيف إلى ذلك ابتكار الحيوانات الخيالية مثل حصان الحريش وحورية البحر والتنين وهي كلها حيوانات تدعو إلى الحلم. وقد لجأت الفنون - أدب ورسم ونحت وسينما ... إلخ - مرارا وتكرارا إلى استخدام هذه الحيوانات الحقيقية أو الخيالية. ولنذكر أيضا الاستخدام الشائع وفقا للاعتقاد الشعبي للاستعارات حول صفات يفترض أنها من صفات الحيوانات. فهكذا قد نتسم بالشجاعة مثل الأسد، أو بالكسل مثل الحنش، أو بالعناد مثل الحمار، أو بالفخر مثل الديك. وبالطبع لا ترتبط هذه الاستعارات إلا من بعيد بالسلوك الحقيقي لهذه الأصناف الحيوانية المذكورة! ولنذكر في النهاية أن الاستعارة الحيوانية قد تتعلق بكل أوجه الفكر الإنساني، ولنذكر مثال الاستعارة الدينية الشائعة في الدول المسيحية التي تشير إلى «حمل الله».

ويجب أن نضيف إلى هذه الطرق المختلفة التي تساعدنا بها الحيوانات على التفكير الحالة التي تساعد فيها الحيوانات فكرنا (الشاب) على النضوج، وهي حال الأطفال الذين حظوا بفرصة النمو مع حيوان أليف كقطة أو كلب، مما سمح لهم بتكوين علاقاتهم العاطفية، وهي أيضا حال من لم يستطيعوا مجاورة حيوانات مثل دمى الطفولة التي ارتبط بها العديدون عاطفيا بل اندمجوا معها، ودونها ربما كان فكرهم البالغ لم ينضج بصورة متناسقة!

فتساعدنا الحيوانات طيلة حياتنا على التفكير أو الحلم أو الحب. (2) هل تساعدنا الآلات على التفكير في أنفسنا؟

لم ينتظر الإنسان ظهور علم الجراحة ليفتح جسم نظرائه. فقد حمله الفضول مبكرا، ولكن ماذا يرى الإنسان حين ينظر بداخل جسم إنسان آخر؟ يرى في مجموعات العظام والأحشاء آلات، يرى آلات عصره. (2-1) الإنسان شبكة من القنوات

تطورت تقنيات الري منذ العصور الأولى لاستقرار الشعوب، وكانت كل الحضارات الكبيرة في القدم تعرف المبادئ الأساسية لعلم المياه، وفي اليونان ظهر الطب، ولا عجب إذا كانت أول استعارة تستخدم لفهم عمل الجسم الإنساني هي تشبيهه بنظام ري. ويظهر تشريح جثث الحيوانات التي كانت تقدم قرابين للآلهة وجود شبكة معقدة من القنوات التي تربط بين الأعضاء الخارجية والأعضاء المركزية، ولا سيما القلب والعقل، وهي شبكة مليئة بالهواء أو الدماء حسب الحالة. وفي ذلك العصر كان المفهوم السائد هو أن الأوردة تنقل الدم إلى القلب ولكن الشرايين تمتلئ بالهواء مثل المجاري الهوائية (في الواقع كانت الشرايين الملحوظة في جثث الحيوانات فارغة؛ وذلك لأن الدم خرج بسرعة من جسمها بعد الذبح). ولا تزال المصطلحات التشريحية تحتفظ ببقايا هذه الحيرة الأولية عبر كلمات مثل «القصبة الهوائية». ومن أجل تفسير الجريان المزدوج للدم لجأ بعض الأطباء القدماء مثل إمبيدوكليس إلى استعارة الساعة المائية التي كانت شائعة في هذا العصر التي كان من الممكن أن يتوقف معدل سيرها إذا أغلق الثقب العلوي. فكان يتعين انتظار القرن السابع عشر لكي يقترح هارفي الاستعارة الأدق وهي استعارة المضخة لتوضيح جريان الدم.

ومنذ عصر أبقراط، تم التعرف على شبكة الأعصاب التي تربط المخ بالأعضاء الحركية، وشبهت بجهاز قنوات دقيقة للغاية تجري بداخلها «النفحة» وهي سائل مشتق من الهواء ولكن لا يشبهه مباشرة. وتنتج الحركة العضلية عن وصول هذه النفحة إلى العضل. إلا أن مفهوم النفحة غير الدقيق والمثير للحيرة سيمتد وسيعدل على يد أفلاطون وأرسطو وسيستمر استخدامه للإشارة إلى دور الأعصاب، وذلك حتى عصر النهضة. (2-2) الإنسان آلة ذاتية الحركة

Unknown page