Insan Hayawan Ala
الإنسان والحيوان والآلة: إعادة تعريف مستمرة للطبيعة الإنسانية
Genres
نجد خاصة في أعمال عالم السلوك الحيواني فرانس دي وال أن الحس الأخلاقي ليس ميزة الجنس البشري وحده. فقد أثبت دي وال الذي راقب لفترة طويلة قطيعا من الشمبانزي أننا نجد لدى هذه الفصيلة سلوكيات عديدة نصفها ب «أخلاقية»؛ مفاوضات وعقاب ومكافأة وعفو واهتمام بالمعاقين، إلخ. وستكون هذه النقطة الشديدة الأهمية موضوع فصل مستقل (انظر الفصل التاسع).
ولنختم هذا الجزء بالاختيارات الجمالية لدى الحيوانات. فيبدي العديد من الحيوانات تفضيلا لبعض الألوان أو بعض الأشكال أو بعض مقاطع الغناء. وغالبا ما تكون الألوان هي ألوان الشريك الجنسي مما يظهر أن الاختيارات الجمالية تتأصل في الحياة الجنسية لدى الحيوانات والإنسان على حد سواء. ولكن قد تولد هذه الاختيارات التي تقوم على الحياة الجنسية تفضيلات جمالية أكثر عمومية. وبصفة عامة تعد الألوان الزاهية مفضلة عن الألوان الباهتة. وفيما يتعلق بالغناء، فنحن نعرف أن الطيور والحيتان تغني باختيار مقاطع موسيقية ليست آلية نمطية ولا توزيعا من قبيل الصدفة. فعلى سبيل المثال تظهر بعض الطيور إبداعا جماليا متطورا للغاية، وبعض الحيوانات ترقص، واستطعنا أن نجد في رقصها العديد من أوجه الشبه مع رقصنا.
وإذا كان يوجد العديد من التفضيلات الجمالية لدى الحيوانات، فلا يبدو في المقابل أن أيا منها يستطيع تصميم «أداة جمالية» على المدى البعيد كرسم أو نحت إنساني. ففي حين أن الحيوانات قادرة على تصميم أدوات بدائية كما رأينا فيما سبق، أي تعديل بعض الأشياء في بيئتها لاستخدامها بصورة عملية، فإن غياب العمل الفني على المدى البعيد يطرح تساؤلا حول معنى الوقت لدى الحيوانات (انظر الفصل العشرين). وتتأصل التفضيلات الجمالية للحيوانات أيضا في الأمور الفطرية، وليس من السهل أن نميز فيها بين ما هو فطري بالفعل وما هو مكتسب. وفي هذا الإطار، فهي تختلف أيضا بهذه الطريقة عن الثقافة الإنسانية التي تبدع أعمالا فنية «ثقافية» بالكامل بفضل تفضيلاتها الفطرية.
ولكن بادر الإنسان إلى دعوة بعض الحيوانات إلى إنتاج «أعمال فنية» من الناحية الثقافية. وهكذا جعل الإنسان الشمبانزي يرسم وكانت أعماله شبيهة إلى حد ما لما نراه في شخابيط الأطفال: توسط الرسم للصفحة وتفضيل بعض الألوان الزاهية والأشكال المنحنية كالحلزون بدلا من الأشكال المنكسرة. ونضيف أن لوحات الشمبانزي تشهد رواجا كبيرا في السوق (البشري) للفن! (2) هل يمكن للآلات أن تنمي ثقافتها؟
كما رأينا من قبل (انظر الفصل الثاني)، تستطيع بعض الآلات التكيف والتعلم؛ أي تنمية مسار تاريخي فريد يرتبط بالمواقف التي تعرضت لها. ولكن هل يمكن أن تصبح الآلات قادرة على أن تتعلم بعضها من بعض وتشكل بصورة جماعية ظواهر يمكننا وصفها ب «ظواهر ثقافية»؟ (2-1) آلات تصنع لغتها
خلال عامي 1999 و2000 وضعت فرق مختبر علوم الكمبيوتر الخاص بشركة سوني بباريس ومختبر الذكاء الاصطناعي بالجامعة الفلمنكية الحرة ببروكسل تحت إشراف لوك ستيلز، تجربة واسعة النطاق سميت «الرءوس الناطقة».
2
تقوم هذه التجربة على دراسة الطريقة التي تشكل بها مجموعة كبيرة من الروبوتات بصورة جماعية مصطلحات بدائية للإشارة إلى أشكال هندسية ملونة. فقد وضعت أزواج من الروبوتات في مختبرات ومتاحف في العديد من الدول أمام لوحات بيضاء يمكن تشكيل بعض المناظر عليها. وكانت هذه المنشآت المختلفة موصلة بعضها ببعض عبر شبكة الإنترنت. وكان يمكن لبعض عوامل البرمجيات، وهي الجزء المتعلم من الآلة، أن تسافر عبر الأجسام بواسطة انتقالها عن بعد بين كل منشأة (انظر الفصل التاسع عشر). وإذا كانت الروبوتات الموجودة بالقاعدة التي تصل إليها عوامل البرمجيات مشغولة بعوامل أخرى، فهي تنتظم في صف حتى تجد مكانا خاليا. فهكذا على الرغم من وجود حوالي عشرة أجسام روبوتية فقط فإنه كان من الممكن تمثيل مجموعات كبيرة من الروبوتات التي تتفاعل فيما بينها (حوالي 3000 روبوت في هذه التجربة).
كانت الآلات تشترك معا في «ألعاب لغوية» بالمعنى الذي يقصده الفيلسوف النمساوي فيتجنشتاين. وكان أحد الروبوتات يشير إلى أحد الأشياء الموجودة بواسطة تسلسل من الأصوات. وعن طريق الأصوات المسموعة كان روبوت ثان يشير عبر حركة إلى الشيء الذي كان يعتقد أنه المشار إليه. وإذا سعد السائل بالإجابة، فكان يهنئ شريكه، أو في الحالة المقابلة كان يشير إلى الشيء الذي كان يقصده عبر حركة برأسه بحيث يستطيع الروبوت الآخر تفسير هذه الحركة. ومن أجل الإشارة إلى شيء ما، كان كل روبوت يختار الكلمات التي كانت قد أدت إلى أكبر عدد من الحالات الناجحة في التفاعلات السابقة. وبعد بضعة أشهر، ظهرت مجموعة من المفردات المشتركة. فكانت الروبوتات تنجح في استخدام حوالي عشرين كلمة في الإشارة بأقل غموض ممكن إلى كل عنصر من المناظر التي تمثل أمامها. وعبر تحليل أنظمة التصنيفات التي شكلت، لوحظ أن كل كلمة من هذه الكلمات تنطبق على مفاهيم عن اللون أو الشكل أو المواقف وهي مفاهيم موحدة نسبيا بين الروبوتات. وربما تستطيع جميع الروبوتات دون أي تواصل أن تشكل أنظمة مختلفة. وبهذه الألعاب اللغوية اقترنت مسارات نموها بعضها ببعض.
وبالإضافة إلى ذلك يحدث شكل من الانتقاء الثقافي كلما انضمت آلات جديدة إلى المجموعة الأصلية. ففي الواقع، قد يتم تفضيل بعض الفئات ضمنيا في نقل الثقافة للأجيال الجديدة من الروبوتات نظرا لأنها كانت أكثر بساطة في تصنيعها، أو لأنها بدت أكثر فاعلية في الإشارة دون غموض إلى بعض الأشياء. ثم ضبطت أنظمة الفئات بصورة تدريجية وبسطت لتصبح أكثر سهولة في التعلم والنقل للأجيال التالية وأكثر فاعلية في وصف البيئات التي تتعرض لها الآلات دون غموض.
Unknown page