وكثرة الآيات بهذا المعنى تبعد عن الذهن أن يكون فيها مجال للتأويل بغير معناها الظاهر على اختلاف العبارة والمناسبة، فمعناها الظاهر الذي لا تأويل فيه أن الله - سبحانه وتعالى - هو الفعال لما يريد، الذي يخلق عباده ويخلق ما يعملون.
أفي هذا تناقض في حكم العقل إذا نظرنا إلى الأمر كله نظرة المعقول، ولم نقصر النظر إلى النصوص أو إلى واجب الاعتقاد بمقتضى هذه النصوص؟
إن الرجوع بالقضية إلى أسسها المحتملة على كل احتمال ينفي التناقض، ويرينا كيف يكون هذا الاعتقاد «حلا للمشكلة» من أسسها المفروضة جميعا، وخروجا من التناقض الذي يلزمها على كل احتمال غير هذا الاحتمال.
وليكن الإنسان روحا وعقلا خلقه الله، أو يكن تركيبا عارضا من تراكيب المادة لم يخلقه أحد، على قول المؤمنين بالمادة مجردة من الفكر والإرادة.
وليكن التكليف إرادة من عند الله، أو يكن ضرورة من قضاء الواقع لا يرتبط بها أمر ولا جزاء.
فكيف يتصور العقل إرادة الإنسان على كل احتمال؟
إنه لا يتصورها إرادة مطلقة من جميع القيود؛ لأن إرادة إنسان واحد تنطلق بغير قيد هي قيد لكل إنسان سواه، وكيف يأتي هذا الإنسان الواحد بإرادته المطلقة منفردا بها بين أمثاله المقيدين؟
أما أن يوجد الناس جميعا بإرادة مطلقة لكل منهم على سواء، فهذه هي الإحالة العقلية في الفرض والتقدير قبل الوصول بها إلى الإيجاد والتحقيق.
فإذا كانت الإرادة المطلقة هي إرادة الله، فخلق الناس مكلفين بغير إرادة لهم شيء غير معقول وغير مقبول؛ لأن سقوط التكليف لا معنى له في هذه الحالة إلا أن يخلق الناس جميعا متشابهين متماثلين متساوين في العمل الصالح الذي يساقون إليه كما تساق الآلات، فلا فضل إذن للعاقل على غير العاقل، ولا تمييز للإنسان على الجماد المجرد من الحس، فضلا عن الحيوان.
فإذا وجب تكليف الإنسان، فالعقل الإنساني لا يوجبه إلا كما ينبغي أن يوجب على حالة واحدة لا سواها، وهي حالة الإرادة المخلوقة يودعها فيه الخالق كما ينبغي أن تودع، وهي لا ينبغي أن تودع إلا على هذا الفرض الذي يدعو إليه القرآن.
Unknown page