ويدل عليه أيضا قوله تعالى: " فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا " فنص تعالى على أن الهدى بإرادته، والضلال بإرادته، وهذا نص واضح لا إشكال فيه.
ويدل على صحة مذهب أهل السنة والجماعة قوله تعالى: " ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس " وجه الدليل: أنه تعالى خلق من الجن والناس قوما ليدخلوا النار ويكونوا أهلا لها، ولا يكونون أهلا لها إلا بالكفر والطغيان والعصيان، فعلم أن جميع ذلك بإرادته وقضائه وقدره.
ويدل عليه أيضا قوله تعالى: " ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله " فأخبر تعالى أن الحجج والآيات لا تنفع، وإنما تنفع المشيئة التي تتم بها الأشياء، فمن شاء إيمانه آمن، ومن شاء كفره لم يؤمن.
ويدل عليه قوله تعالى: " ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا " وهذا نص في أنه أراد فتنة الكافر وإضلاله. ويدل عليه أيضا قوله تعالى: " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا " وهذا نص واضح يغني عن الشرح، إلا أنه أخبر أنه ما شاء أن يؤمن أهل الأرض كلهم. وعند المخالف أنه قد شاء ذلك، والله قد أكذبه في هذه الآية وأمثالها.
ويدل عليه أيضا قوله تعالى: " أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم " وهذا صريح في إرادته بقاءهم على كفرهم. ويدل عليه أيضا قوله تعالى: " ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم " فأخبر تعالى أن أراد قعود المنافقين عن الخروج إلى الغزو في سبيل الله تعالى، ولو أن أحدنا أراد أن يستقصي جميع ما في القرآن من الأدلة على صحة مذهب أهل السنة والجماعة وإبطال بدعة القدرية مجوس هذه الأمة كما جاء في الأثر وقول الصحابة لطال ذلك، وما وسعه كتاب.
ويدل على صحة قول أهل السنة والجماعة من الأخبار، ما روى في الصحاح في محاجة موسى وآدم عليهما السلام، حتى قال آدم: يا موسى أترى هذا الأمر قد قدر علي أو لم يقدر ؟ فقال موسى: بل قدر عليك. فقال له آدم فكيف يكون فراري من أمر قدر علي ؟ قال نبينا صلى الله عليه وسلم: فحج آدم موسى، أي ظهر عليه في الحجة وهذا صريح من نبينا صلى الله عليه وسلم ومن جميع الرسل عليهم السلام أن جميع الأمور خيرها وشرها بقضاء الله وقدره ومشيئته.
ويدل عليه أيضا الخبر المروي في الصحاح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتاه الرجل فسأله عن الإيمان فقال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله تعالى فقال صدقت يا محمد، ثم أخبرهم أنه جبريل عليه السلام، فصح بإجماع الأنبياء والرسل والملائكة والصحابة أن الأمور كلها بقضاء الله وقدره.
ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم من جملة حديث: فتقول الملائكة يا رب أشقى أم سعيد، فيقضي الله عز وجل ويكتب الملك، ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص ثم أكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم بقوله: السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقى في بطن أمه فعلم كل عاقل أن الله تعالى أسعد من شاء وكتبه سعيدا وأشقى من شاء وكتبه شقيا، وأخبار الرسول وأقوال الصحابة في هذا المعنى كثيرة جدا لا تحصى، وفي بعض ما ذكرنا كفاية.
Page 62