Insaf
الإنصاف والتحري في دفع الظلم والتجري، عن أبي العلاء المعري
Genres
وقفت على كتاب سيره [إلي] بعض الرؤساء بحلب، وضعه الشريف أبو علي المظفر بن الفضل بن يحيى العلوي الإسحاق الحسيني، نزيل بغداد، وهو من ولد الشريف أبي إبراهيم العلوي الحراني، وأصله من حلب، وكان أبوه حاجب الباب بغداد؛ ورد هذا الشريف علينا حلب زائرا أهله بها، فذكر فيه، قال: حدثني والدي رضي الله عنه وأرضاه، يرفعه إلى ابن منقذ، قال: كان بأنطاكية خزانة كتب، وكان الخازن بها رجلا علويا. فجلست يوما إليه فقال: قد خبأت لك غريبة ظريفة، لم يسمع بمثلها في تاريخ، ولا كتاب منسوخ. قلت: وما هي؟ قال: صبي دون البلوغ ضرير، يتردد إلي، وقد حفظته في أيام قلائل عده كتب؛ وذلك لأنني أقرأ عليه الكراسة والكراستين مرة واحدة، فلا يستعيد إلا ما يشك فيه، ثم يتلو علي ما قد سمعه كأنه قد كان محفوظه. قلت: فلعله يكون يحفظ ذلك. قال: سبحان الله! كل كتاب في الدنيا يكون محفوظا له! وإن كان ذلك كذلك فهو أعظم. ثم حضر المشار إليه، وهو صبي دميم الخلقة، مجدور الوجه، على عينيه بياض من أثر الجدري، كأنه ينظر بإحدى عينيه قليلا، وهو يتوقد ذكاء، يقوده رجل طوال من الرجال، أحسبه يقرب من نسبه. فقال له الخازن: يا ولدي، هذا السيد رجل شريف القدر، وقد وصفتك عنده (¬1) ، وهو يحب أن تحفظ اليوم ما يختاره لك. فقال: سمعا وطاعة، فليختر ما يريد.
Page 78