Inqilab Cuthmani

Jurji Zaydan d. 1331 AH
75

Inqilab Cuthmani

الانقلاب العثماني

Genres

فابتسم الحارس وأجاب: «لا أعلم يا سيدي.»

فاقشعر بدنه من ذلك الجواب، لأنه توقع أن تكون وراءه أسرار رهيبة إذ طالما سمع بيلدز وفظائعها، لكنه تجلد وقال: «أيطلب مني أن أبقى في هذه الغرفة؟»

فأشار إليه أن يتبعه حتى دخل من باب فيها إلى غرفة أخرى فيها سرير مفروش، وقال: «هذا هو الفراش الذي ستنام عليه دولتكم.» وقد خاطبه بهذا اللقب لأن هذا القصر لا يسجن فيه إلا كبار رجال الدولة.

جلس رامز على المقعد وقد اسودت الدنيا في عينيه واستغرق في مخاوفه، وأخذ يردد في ذهنه ما مر به في ذينك اليومين من الأهوال وتحقق أنه مقتول، فجاشت في صدره عاطفة الإشفاق على شيرين وما يكون من أمرها إذا بلغها قتله. وتذكر محاسنة الباشكاتب له وما وعده به من الحسنى إذا باح بخبر الجمعية، وتذكر أناسا فعلوا ذلك ونالوا المكافأة بالأموال والرتب، فحدثته نفسه لحظة أن يستبقي حياته إكراما لشيرين، ثم غلبت عليه الأنفة وعزة النفس فصمم على الثبات.

وبعد هنيهة سمع وقع أقدام وإذا بالخادم يدعوه إلى العشاء، ولم تكن نفسه تشتهي الطعام لكنه لم يشأ أن يظهر الضعف، فمشى إلى مائدة كبيرة جلس إليها وحده لتناول الطعام وهو يفكر في حاله. ثم نهض إلى نافذة تؤدي إلى شرفة تطل على حدائق يلدز وقد خيم عليها الظلام، ولكنه رأى بعض الأنوار عن بعد في بعض قصور يلدز وما بعدها، وجلس على كرسي وقد أحس بالوحدة وغلبت عليه الوحشة وهو لا يعلم مصيره، وهل يقتل في تلك الليلة أم يسأل عن أسرار الجمعية قبل ذلك.

ثم شعر ببرد خفيف فدخل إلى غرفة الجلوس، وما استقر به المقام حتى سمع حركة ووقع أقدام فأصغى، وما عتم أن رأى رجلا دخل عليه وقد التف ببرنس يغطي أثوابه وتلثم حتى لا يبدو من وجهه شيء غير عينيه، فأقبل عليه وتناول كرسيا وجلس أمامه، فاقشعر بدن رامز وصبر ليرى ما يبدو منه.

فبادره الملثم بالسلام وسماه باسمه فأجفل ولكنه رد التحية، فقال الرجل: «قد أتيتك بنصيحة أرجو أن تقبلها.»

فهز رامز رأسه هزة الاستفهام كأنه يسأله «ما هي؟»

قال: «أنت شاب في مقتبل العمر فلا تلق بنفسك إلى التهلكة.»

فاستغرب هذه النصيحة من رجل لم يسمع صوته من قبل، فقال: «وأي تهلكة تعني؟»

Unknown page